{ خلق الموت والحياة } وهما عرضان يتعاقبان على كل من صح عليه ذلك . فالموت نظير الإعدام والحياة مثل الإيجاد ، وتقديم الموت لأن الأصل في الأشياء العدم ، قال مقاتل : يعني كونه نطفة وعلقة ومضغة ثم نفخ فيه الروح .
وعن ابن عباس : الموت في الدنيا والحياة في الآخرة دار الحيوان ، وإن الله خلق الموت في صورة كبش أملح ، لا يمر بشيء ولا يجد رائحته شيء إلا مات ، وخلق الحياة في صورة فرس بلقاء فوق الحمار ودون البغل ، لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي ، قال الحكماء الإسلاميون : هذا على سبيل التمثيل ، وإلا فالعرض لا يكون جوهراً . أقول : لعل الأملح والبلقاء ، إشارة إلى أن هذين العرضين في عالمنا هذا ، لا يطرآن إلا على ما فيه طبائع متضادة ، فتكون بسبب ذلك تارة وتفقد أخرى . قال جار الله : إنما قدم الموت لأن أقوى الناس داعياً إلى العمل من نصب موته بين عينيه ، فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم . زعم الكلبي أنه تعالى قادر على مثل مقدور العبد ، وقال أبو علي وأبو هاشم : إنه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد . وقالت الأشاعرة : إنه قادر على القبيلين ، وإلا لم يكن على كل شيء قدير ، وهو خلاف الآية ، فلزمهم صحة وجود مقدور بين قادرين . وبهذا بطل القول بالطبائع على ما تقوله الفلاسفة ، وبالمتولدات على ما تقوله المعتزلة ، ويكون العبد موجد الأفعال نفسه . ومعنى الغاية في قوله { ليبلوكم } أنه إذا علم أن وراء الموت حياة وحالة يستوي فيها الغني والفقير والمولى والعبد ، ولا ينفعه إلا ما قدم من خير ، صار ذلك داعياً إلى حسن العمل وزاجراً عن ضده . وكذا لو قيل : إن الموت حال كونه نطفة ، والحياة نفخ الروح في الجنين ، فإنه إذا تفكر في أمور نفسه ، علم أن وراء هذه الحياة موتاً ينقطع به تدارك ما فات ، وأن الدنيا مزرعة الآخرة . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلاها ، فلما بلغ قوله { أيكم أحسن عملاً } قال : أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لقومه " لو أكثرتم ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى " والابتلاء مجاز كما مر في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم } وفي الكهف قوله : { أيكم أحسن عملاً } مفعول ثاني { ليبلوكم } على أنه متضمن معنى العلم ، وليس هذا من باب التعليق . لأن التعليق هو أن تكون الاستفهامية سادة مسد المفعولين جميعاً نحو " علمت أزيد منطلق " نعم إنه تعليق على قول الفراء والزجاج ، لأنهما قالا : تقديره ليبلوكم فيعلم أيكم أحسن عملاً . { وهو العزيز } الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل . { الغفور } لمن تاب من أهل الإساءة ، وهذان الوصفان يتوقفان على كمال القدرة والعلم فلا جرم دل عليهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.