غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

1

{ خلق الموت والحياة } وهما عرضان يتعاقبان على كل من صح عليه ذلك . فالموت نظير الإعدام والحياة مثل الإيجاد ، وتقديم الموت لأن الأصل في الأشياء العدم ، قال مقاتل : يعني كونه نطفة وعلقة ومضغة ثم نفخ فيه الروح .

وعن ابن عباس : الموت في الدنيا والحياة في الآخرة دار الحيوان ، وإن الله خلق الموت في صورة كبش أملح ، لا يمر بشيء ولا يجد رائحته شيء إلا مات ، وخلق الحياة في صورة فرس بلقاء فوق الحمار ودون البغل ، لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي ، قال الحكماء الإسلاميون : هذا على سبيل التمثيل ، وإلا فالعرض لا يكون جوهراً . أقول : لعل الأملح والبلقاء ، إشارة إلى أن هذين العرضين في عالمنا هذا ، لا يطرآن إلا على ما فيه طبائع متضادة ، فتكون بسبب ذلك تارة وتفقد أخرى . قال جار الله : إنما قدم الموت لأن أقوى الناس داعياً إلى العمل من نصب موته بين عينيه ، فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم . زعم الكلبي أنه تعالى قادر على مثل مقدور العبد ، وقال أبو علي وأبو هاشم : إنه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد . وقالت الأشاعرة : إنه قادر على القبيلين ، وإلا لم يكن على كل شيء قدير ، وهو خلاف الآية ، فلزمهم صحة وجود مقدور بين قادرين . وبهذا بطل القول بالطبائع على ما تقوله الفلاسفة ، وبالمتولدات على ما تقوله المعتزلة ، ويكون العبد موجد الأفعال نفسه . ومعنى الغاية في قوله { ليبلوكم } أنه إذا علم أن وراء الموت حياة وحالة يستوي فيها الغني والفقير والمولى والعبد ، ولا ينفعه إلا ما قدم من خير ، صار ذلك داعياً إلى حسن العمل وزاجراً عن ضده . وكذا لو قيل : إن الموت حال كونه نطفة ، والحياة نفخ الروح في الجنين ، فإنه إذا تفكر في أمور نفسه ، علم أن وراء هذه الحياة موتاً ينقطع به تدارك ما فات ، وأن الدنيا مزرعة الآخرة . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلاها ، فلما بلغ قوله { أيكم أحسن عملاً } قال : أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لقومه " لو أكثرتم ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى " والابتلاء مجاز كما مر في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم } وفي الكهف قوله : { أيكم أحسن عملاً } مفعول ثاني { ليبلوكم } على أنه متضمن معنى العلم ، وليس هذا من باب التعليق . لأن التعليق هو أن تكون الاستفهامية سادة مسد المفعولين جميعاً نحو " علمت أزيد منطلق " نعم إنه تعليق على قول الفراء والزجاج ، لأنهما قالا : تقديره ليبلوكم فيعلم أيكم أحسن عملاً . { وهو العزيز } الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل . { الغفور } لمن تاب من أهل الإساءة ، وهذان الوصفان يتوقفان على كمال القدرة والعلم فلا جرم دل عليهما .

/خ30