20 - وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها في الوقت المقدَّر لها ، فعجَّل لكم هذه - وهو ما وعدكم به من الغنائم - ومنع أذى الناس عنكم ، ولتكون آية للمؤمنين على صدق وعد الله لهم .
ويهديكم طريقا مستقيما بطاعته واتباع رسوله ، ومغانم أخرى لم تقدروا عليها قد حفظها الله لكم فأظفركم بها ، وكان الله على كل شيء تام القدرة .
قال مجاهد في قوله : { وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } : هي جميع المغانم إلى اليوم ، { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } يعني : فتح خيبر .
وروى العوفي عن ابن عباس : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } يعني : صلح الحديبية .
{ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ } أي : لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال . وكذلك كف أيدي الناس [ عنكم ]{[26861]} الذين خلفتموهم وراء أظهركم عن عيالكم وحريمكم ، { وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : يعتبرون بذلك ، فإن الله حافظهم وناصرهم على سائر الأعداء ، مع قلة عددهم ، وليعلموا بصنيع الله هذا بهم أنه العليم بعواقب الأمور ، وأن الخيرة فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظاهر ، كما قال : { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [ البقرة : 216 ] .
{ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } أي : بسبب انقيادكم لأمره واتباعكم طاعته ، وموافقتكم رسوله {[26862]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجّلَ لَكُمْ هََذِهِ وَكَفّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مّسْتَقِيماً * وَأُخْرَىَ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللّهُ بِهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيراً } .
يقول تعالى ذكره لأهل بيعة الرضوان : وَعَدَكُمُ اللّهُ أيها القوم مَغانِمَ كَثِيرَةً تأْخُذُونَها .
اختلف أهل التأويل في هذه المغانم التي ذكر الله أنه وعدها هؤلاء القوم أيّ المغانم هي ، فقال بعضهم : هي كل مغنم غنمها الله المؤمنين به من أموال أهل الشرك من لدن أنزل هذه الآية على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغانِمَ كَثيرَةً تَأْخُذُونَها قال : المغانم الكثيرة التي وعدوا : ما يأخذونها إلى اليوم .
وعلى هذا التأويل يحتمل الكلام أن يكون مرادا بالمغانم الثانية المغانمَ الأولى ، ويكون معناه عند ذلك ، فأثابهم فتحا قريبا ، ومغانم كثيرة يأخذونها ، وعدكم الله أيها القوم هذه المغانم التي تأخذونها ، وأنتم إليها واصلون عدة ، فجعل لكم الفتح القريب من فتح خيبر . ويُحتمل أن تكون الثانية غير الأولى ، وتكون الأولى من غنائم خيبر ، والغنائم الثانية التي وعدهموها من غنائم سائر أهل الشرك سواهم .
وقال آخرون : هذه المغانم التي وعد الله هؤلاء القوم هي مغانم خيبر . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها قال : يوم خيبر ، قال : كان أبي يقول ذلك .
وقوله : فَعَجّلَ لَكُمْ هَذِهِ اختلف أهل التأويل في التي عجلت لهم ، فقال جماعة : غنائم خيبر والمؤخرة سائر فتوح المسلمين بعد ذلك الوقت إلى قيام الساعة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَعَجّلَ لَكُمْ هَذِهِ قال : عجل لكم خيبر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَعَجّلَ لَكُمْ هَذِهِ وهي خيبر .
وقال آخرون : بل عنى بذلك الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس فَعَجّلَ لَكُمْ هَذِهِ قال : الصلح .
وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ما قاله مجاهد ، وهو أن الذي أثابهم الله من مسيرهم ذلك مع الفتح القريب المغانم الكثيرة من مغانم خيبر ، وذلك أن المسلمين لم يغنموا بعد الحديبية غنيمة ، ولم يفتحوا فتحا أقرب من بيعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية إليها من فتح خيبر وغنائمها .
وأما قوله : وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً فهي سائر المغانم التي غنمهموها الله بعد خيبر ، كغنائم هوازن ، وغطفان ، وفارس ، والروم .
وإنما قلنا ذلك كذلك دون غنائم خيبر ، لأن الله أخبر أنه عجّل لهم هذه التي أثابهم من مسيرهم الذي ساروه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، ولما علم من صحة نيتهم في قتال أهلها ، إذ بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على أن لا يفرّوا عنه ، ولا شكّ أن التي عجّلت لهم غير التي لم تُعجّل لهم .
وقوله : وكَفّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ يقول تعالى ذكره لأهل بيعة الرضوان : وكفّ الله أيدي المشركين عنكم .
ثم اختلف أهل التأويل في الذين كفّت أيديهم عنهم من هم ؟ فقال بعضهم : هم اليهود كفّ الله أيديهم عن عيال الذين ساروا من المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وكَفّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ : عن بيوتهم ، وعن عيالهم بالمدينة حين ساروا إلى الحديبية وإلى خيبر ، وكانت خيبر في ذلك الوجه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وكَفّ أيْدِي النّاس عَنْكُمْ قال : كفّ أيدي الناس عن عيالهم بالمدينة .
وقال آخرون : بل عنى بذلك أيدي قريش إذ حبسهم الله عنهم ، فلم يقدروا له على مكروه .
والذي قاله قتادة في ذلك عندي أشبه بتأويل الآية ، وذلك أن كفّ الله أيدي المشركين من أهل مكة عن أهل الحُديبية قد ذكره الله بعد هذه الآية في قوله : وَهُوَ الّذِي كَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وأيْدِيَكُم عَنْهُمْ بِبَطْن مَكّةَ فعلم بذلك أن الكفّ الذي ذكره الله تعالى في قوله : وكَفّ أيْدِيِ النّاسِ عَنْكُمْ غير الكفّ الذي ذكر الله بعد هذه الآية في قوله : وَهُوَ الّذِي كَفّ أيْدِيَهُم عَنْكُمْ ، وأيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْن مَكّةَ .
وقوله : وَلِتَكُونَ آيَةً للْمُؤْمِنِينَ يقول : وليكون كفه تعالى ذكره أيديهم عن عيالهم آية وعبرة للمؤمنين به فيعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وكلاءتهم في مشهدهم ومغيبهم ، ويتقوا الله في أنفسهم وأموالهم وأهليهم بالحفظ وحُسن الولاية ما كانوا مقيمين على طاعته ، منتهين إلى أمره ونهيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ يقول : وذلك آية للمؤمنين ، كفّ أيدي الناس عن عيالهم ويَهْدِيَكُمْ صِرَاطا مُسْتَقِيما يقول : ويسدّدكم أيها المؤمنون طريقا واضحا لا اعوجاج فيه ، فيبينه لكم ، وهو أن تثقوا في أموركم كلها بربكم ، فتتوكلوا عليه في جميعها ، ليحوطكم حياطته إياكم في مسيركم إلى مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسكم وأهليكم وأموالكم ، فقد رأيتم أثر فعل الله بكم ، إذ وثقتم في مسيركم هذا .
{ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } وهي ما يفيء على المؤمنين إلى يوم القيامة . { فعجل لكم هذه } يعني مقام خيبر . { وكف أيدي الناس عنكم } أي أيدي أهل خيبر وخلفائهم من بني أسد وغطفان ، أو أيدي قريش بالصلح . { ولتكون } هذه الكفة أو الغنيمة . { آية للمؤمنين } أمارة يعرفون بها أنهم من الله بمكان ، أو صدق الرسول في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه من الحديبية ، أو وعد المغانم أو عنوانا لفتح مكة والعطف على محذوف هو علة ل { كف } ، أو " عجل " مثل لتسلموا ، أو لتأخذوا أو العلة لمحذوف مثل فعل ذلك . { ويهديكم صراطا مستقيما } هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه .
قوله تعالى : { وعدكم الله } الآية مخاطبة للمؤمنين ووعد بجميع المغانم التي أخذها المسلمون ويأخذونها إلى يوم القيامة ، قاله مجاهد وغيره .
وقوله : { فعجل لكم هذه } يريد خيبر ، وقال زيد بن أسلم وابنه ، المغانم الكثيرة : خيبر ، و : { هذه } إشارة إلى البيعة والتخلص من أمر قريش ، وقاله ابن عباس : وقوله { وكف أيدي الناس عنكم } يريد من ولي عورة المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين منها ، وذلك أنه كان من أحياء العرب ومن اليهود من يعادي وكانت قد أمكنتهم فرصة فكفهم الله عن ذراري المسلمين وأموالهم ، وهذه للمؤمنين العلامة على أن الله ينصرهم ويلطف لهم ، قاله قتادة . وحكى الثعلبي أنه قال : كف الله غطفان ومن معها عن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاؤوا لنصر أهل خيبر ، وذكره النقاش وقال الثعلبي أيضاً عن بعضهم إنه أراد كف قريش .