التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (20)

{ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ( 20 ) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ( 21 ) } .

تعليق على الآية

{ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه } .

والآية التالية لها .

المتبادر أن الآيتين متصلتان بالآيات السابقة وبخاصة بالآيتين اللتين قبلهما مباشرة اتصال التفات وتعقيب . فالسابقتان وجهتا إلى النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التنويه بالذين بايعوا تحت الشجرة وتبشيرهم وتطمينهم ، وهاتان وجدتا إلى المبايعين أنفسهم على سبيل توكيد التبشير والتطمين . وهما على كل حال جزء من السياق واستمرار له . وقد استهدفتا ما استهدفته الآيات السابقة .

وعبارة الآيتين اللغوية واضحة . غير أن الأقوال في مدلول محتواها تعددت{[1952]} ونلخصها بما يلي :

فأولا : قيل عن المغانم الكثيرة التي ذكرت الفقرة الأولى أن الله وعد المؤمنين بها إنها مغانم خيبر ، كما قيل : إنها مغانم الفتوحات التي سوف ييسرها الله للمسلمين في مختلف الظروف والأماكن . ويتبادر لنا أن القول الثاني هو أوجه وأن الفقرة هي بسبيل التبشير والتطمين بوجه عام . أما القول الأول فالذي نرجحه أنه من وحي ما تم بعد قليل من سفرة الحديبية من زحف على خيبر واكتساحها وما يسره الله للمسلمين من غنائمها .

وثانيا : قيل إن المقصود من جملة { فعجل لكم هذه } هو ما تم من صلح الحديبية كما قيل : إنه مغانم خيبر ، والمتبادر أن القول الأول هو الأوجه ؛ لأن في الجملة تقريرا لواقع وإشارة إليه . ولم يكن واقعا حين نزولها إلا صلح الحديبية .

ولعل في الجملة قرينة على ذلك ؛ حيث نبه المسلمون فيها إلى أن الله عجل بحسم هذه المسألة لييسر لهم إتمام وعده .

وثالثا : قيل إن جملة { وكفّ أيدي الناس عنكم } قد عنت ما كان من منع الله الحرب بين المسلمين وقريش بصورة عامة ، أو إنها عنت خيالية قريش الذين حاولوا بقيادة خالد ابن الوليد مباغتة معسكر النبي والمسلمين فعلم النبي بخبرهم وأرسل من ردهم وأسر بعضهم ، ثم عفا عنهم على ما ذكرناه في خلاصة وقائع الحديبية .

كما قيل : إنها عنت ما كان من تجمع أسد وغطفان للإغارة على المدينة أثناء غياب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين عنها وإحباط الله كيدهم بإلقاء الرعب في قلوبهم . ويتبادر لنا أن القول الأول والثاني هو الأوجه ؛ لأن الجملة تذكر المسلمين في أثناء عودتهم إلى المدينة بما كان جرى في الحديبية وظروفها .

ورابعا : قيل إن جملة { ولتكون آية للمؤمنين } تعني أن ما كان من تيسير الله لصلح الحديبية وكف أيدي الناس عن المؤمنين قد كان آية ربانية ليعتبر بها المؤمنون ويتيقنوا من أن ما كان هو بتيسير ونصر من الله . ووجاهة القول ظاهرة .

وخامسا : قيل إن جملة { وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها } تعني مكة وفتحها ، كما قيل : إنها إشارة إلى ما سوف ييسر الله للمسلمين من نصر وفتح في مختلف الظروف أو فتح بلاد فارس والروم . وقيل أيضا : إنها خيبر قبل أن يزحفوا عليها .

وكل من الأقوال الثلاثة وارد لا يخلو من وجاهة وإن كنا نرجح القول الثاني من حيث كون المسلمين لم يقدروا في سفرتهم على دخول مكة فاقتضت حكمة التنزيل تطمينهم بأن الله قد أحاط لها ولسوف يقدرهم عليها . وعلى كل حال ففي الجملة تثبيت وتطمين للمسلمين من جهة وبشرى فكانت من معجزات القرآن سواء أكان المقصود منها مكة أم خيبر أو غيرهما .


[1952]:انظر تفسيرها في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن