قوله : { وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة وليس المغانم كل الثواب ، بل الجنة قُدَّامهم ، وإنما هي عاجلة عَجَّلَ بها لهم ، ولهذا قال : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه } يعني خيبر { وَكَفَّ أَيْدِيَ الناس عَنْكُمْ } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خَيْبَرَ وحَاصَرَ أهلها هَمَّ قبائلُ من أَسَدَ ، وغَطَفَان ، أن يُغِيرُوا على عِيَال المسلمين وذَرَارِيهِمْ بالمدينة فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم . وقيل : كف أيدي الناس عنكم يعني أهل مكة بالصلح ، وليكون كفهم وسلامتكم آية للمؤمنين على صدقك ، ويعلموا أن الله هو المتولِّي حياطتهم وحِرَاسَتَهُمْ في مشَهْدِهِمْ ومغيبهم{[51747]} .
قوله : «وَلتَكُونَ » يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يتعلق بفعل مقدر بعد تقديره : ولِتَكُونَ ( فعلك ){[51748]} فعل ذلك .
الثاني : أنه معطوف على علة محذوفة تقديره : وَعَدَ فَعَجَّل وَكَفَّ لينتفعوا ولِيَكُونَ أو لتشكروا ولتكون{[51749]} .
الثالث : أن الواو مزيدة{[51750]} . والتعليل لما قبله أي وَكَفَّ لتكون{[51751]} .
قوله : { وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } يثيبكم على الإسلام ، ويزيدكم بَصيرَةً ويقيناً بصُلْح الحديبية وفتح خيبر ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المُحَرَّم ، ثم خرج في سَنَةِ سَبع إلى خيبر . روى أنسُ بن مالك ( رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ){[51752]} أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوماً لم يكن بغير بنا حتى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ ، فإن سمع أَذَاناً كفَّ عنهم ، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم ، قال : فخرجنا إلى خَيْبَرَ ، فانتهينا إليهم ، فلما أصبح لم يسمع أذاناً ( ركب ){[51753]} وركبتُ خلف أبِي طلحة ، وإن قدمي لتمَسُّ قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال : فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومَسَاحِيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد ، والله محمد والخميس أي محمد والجيش ، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الله أكبر الله أكبر خَربتْ خَيْبَرُ ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ{[51754]} . وروى{[51755]} إياسُ بْنُ سَلَمَةَ قال حدثني أبي قال : خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فجعل عمي يَرْتَجِزُ بالقَوم :
4492 تَاللهِ لَوْلاَ اللهُ مَاأهْتَدَيْنَا . . .
وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنضا . . .
وَنَحْنُ مِنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا . . .
فَثَبِّتِ الأَقَدْامَ إنْ لاَ قَيْنَا . . .
وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا{[51756]} . . .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ هَذَا ؟ فقال : أنا عامر ، قال : غَفَر الله لك ربك . وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يَخُصُّه إلا استشهد .
قال : فنادى عمرُ بنُ الخَطَّاب رضي الله عنه وهُوَ على جمل له : يا نبيّ الله لولا مَتَّعْتَنَا بعامرٍ قال : فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مَرْحبُ يخطر بسيفه يقول :
4493 قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ *** شَاكِي السِّلاَح يَطَلٌ مُجَرِّبُ
إذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ{[51757]}
4494 أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهُ . . .
كَلَيْثِ غابَاتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَه . . .
أَكِيلُكُمْ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ{[51758]} . . .
قال : فضرب رأس مرحب فقتله ، ثم كان الفتح على يديه .
( ومعنى أكيلكم بالسيف كيل السندرة أي أقتلكم قتلاً واسعاً ذريعاً . والسَّندرة مكيال واسع . قيل يحتمل أن يكون اتخذ من السندرة وهي شجرة يعمل منها النَّبْل ، والقِسِيُّ ، والسَّنْدرة أيضاً العجلة ، والنون زائدة{[51759]} . قال ابن الأثير{[51760]} : وذكرها الجَوْهَرِيُّ في هذا الباب ولم ينبه على زيادتها ){[51761]} .
وروي فتح خيبر من طرق أُخَر في بعضها زيادات وفي بعضها نقصان عن بعض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.