اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (20)

قوله : { وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة وليس المغانم كل الثواب ، بل الجنة قُدَّامهم ، وإنما هي عاجلة عَجَّلَ بها لهم ، ولهذا قال : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه } يعني خيبر { وَكَفَّ أَيْدِيَ الناس عَنْكُمْ } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خَيْبَرَ وحَاصَرَ أهلها هَمَّ قبائلُ من أَسَدَ ، وغَطَفَان ، أن يُغِيرُوا على عِيَال المسلمين وذَرَارِيهِمْ بالمدينة فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم . وقيل : كف أيدي الناس عنكم يعني أهل مكة بالصلح ، وليكون كفهم وسلامتكم آية للمؤمنين على صدقك ، ويعلموا أن الله هو المتولِّي حياطتهم وحِرَاسَتَهُمْ في مشَهْدِهِمْ ومغيبهم{[51747]} .

قوله : «وَلتَكُونَ » يجوز فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يتعلق بفعل مقدر بعد تقديره : ولِتَكُونَ ( فعلك ){[51748]} فعل ذلك .

الثاني : أنه معطوف على علة محذوفة تقديره : وَعَدَ فَعَجَّل وَكَفَّ لينتفعوا ولِيَكُونَ أو لتشكروا ولتكون{[51749]} .

الثالث : أن الواو مزيدة{[51750]} . والتعليل لما قبله أي وَكَفَّ لتكون{[51751]} .

قوله : { وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } يثيبكم على الإسلام ، ويزيدكم بَصيرَةً ويقيناً بصُلْح الحديبية وفتح خيبر ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المُحَرَّم ، ثم خرج في سَنَةِ سَبع إلى خيبر . روى أنسُ بن مالك ( رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ){[51752]} أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوماً لم يكن بغير بنا حتى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ ، فإن سمع أَذَاناً كفَّ عنهم ، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم ، قال : فخرجنا إلى خَيْبَرَ ، فانتهينا إليهم ، فلما أصبح لم يسمع أذاناً ( ركب ){[51753]} وركبتُ خلف أبِي طلحة ، وإن قدمي لتمَسُّ قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال : فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومَسَاحِيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد ، والله محمد والخميس أي محمد والجيش ، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الله أكبر الله أكبر خَربتْ خَيْبَرُ ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ{[51754]} . وروى{[51755]} إياسُ بْنُ سَلَمَةَ قال حدثني أبي قال : خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فجعل عمي يَرْتَجِزُ بالقَوم :

4492 تَاللهِ لَوْلاَ اللهُ مَاأهْتَدَيْنَا . . .

وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنضا . . .

وَنَحْنُ مِنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا . . .

فَثَبِّتِ الأَقَدْامَ إنْ لاَ قَيْنَا . . .

وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا{[51756]} . . .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ هَذَا ؟ فقال : أنا عامر ، قال : غَفَر الله لك ربك . وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يَخُصُّه إلا استشهد .

قال : فنادى عمرُ بنُ الخَطَّاب رضي الله عنه وهُوَ على جمل له : يا نبيّ الله لولا مَتَّعْتَنَا بعامرٍ قال : فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مَرْحبُ يخطر بسيفه يقول :

4493 قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ *** شَاكِي السِّلاَح يَطَلٌ مُجَرِّبُ

إذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ{[51757]}

فقال علي رضي الله عنه :

4494 أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهُ . . .

كَلَيْثِ غابَاتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَه . . .

أَكِيلُكُمْ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ{[51758]} . . .

قال : فضرب رأس مرحب فقتله ، ثم كان الفتح على يديه .

( ومعنى أكيلكم بالسيف كيل السندرة أي أقتلكم قتلاً واسعاً ذريعاً . والسَّندرة مكيال واسع . قيل يحتمل أن يكون اتخذ من السندرة وهي شجرة يعمل منها النَّبْل ، والقِسِيُّ ، والسَّنْدرة أيضاً العجلة ، والنون زائدة{[51759]} . قال ابن الأثير{[51760]} : وذكرها الجَوْهَرِيُّ في هذا الباب ولم ينبه على زيادتها ){[51761]} .

وروي فتح خيبر من طرق أُخَر في بعضها زيادات وفي بعضها نقصان عن بعض .


[51747]:القرطبي 16/278 و279 والبحر 8/98.
[51748]:زائدة من النسخة ب.
[51749]:قال بهذين الوجهين أبو حيان في مرجعه السابق. وانظر القرطبي 16/279.
[51750]:عند الكوفيين فقط.
[51751]:المرجعين السابقين.
[51752]:زيادة من أ.
[51753]:كذلك زيادة من أ.
[51754]:انظر معالم التنزيل البغوي 6/198 و199.
[51755]:انظر معالم التنزيل البغوي 6/198 و199.
[51756]:أرجاز لعبد الله بن رواحة، أو عامر بن الأكوع، أو كعب بن مالك، وهي في ابن يعيش 3/118 وطبقات الشافعية 1/257 و258 والهمع 2/431 والأشموني 4/28 و50 والمقتضب 3/13 والمغني 339، وشرح شواهده للسيوطي 286 و287 و759 وفي المغني أيضا 98 و269 و317 ومجمع البيان 9/181 والسراج المنير 4/48.
[51757]:من الرجز أيضا لمرحب اليهودي وانظر سيرة ابن هشام، ومجمع البيان 9/181 والسراج المنير 4/48 وانظر هذا كله في البغوي 6/198 و199.
[51758]:أرجاز أيضا له وهي في ديوانه 137، وطبقات الشافعية 1/255، والهمع 1/86 ومجمع البيان 9/182 والسراج 4/48 واللسان سندر 2116.
[51759]:اللسان المرجع السابق.
[51760]:تقدم التعريف به. وانظر الصحاح الجوهري س ن در.
[51761]:ما بين القوسين كله سقط من ب.