و إذا كانت آيات هذا القرآن الذي يحمل دليل الرسالة ، وكانت الآيات التي يحفل بها الكون معروضة للأنظار . . إذا كانت هذه وتلك يمرون عليها وهم عنها معرضون ، ويشركون بالله شركا ظاهرا أو خفيا وهم الأكثرون . فالرسول [ ص ] ماض في طريقه ومن اهتدى بهديه ، لا ينحرفون ولا يتأثرون بالمنحرفين :
( قل : هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ، وسبحان الله ! وما أنا من المشركين ) .
واحدة مستقيمة ، لا عوج فيها ولا شك ولا شبهة .
( أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) . .
فنحن على هدى من الله ونور . نعرف طريقنا جيدا ، ونسير فيها على بصر وإدراك ومعرفة ، لا نخبط ولا نتحسس ، ولا نحدس . فهو اليقين البصير المستنير . ننزه الله - سبحانه - عما لا يليق بألوهيته ، وننفصل وننعزل ونتميز عن الذين يشركون به :
هذه طريقي فمن شاء فليتابع ، ومن لم يشأ فأنا سائر في طريقي المستقيم .
وأصحاب الدعوة إلى الله لا بد لهم من هذا التميز ، لا بد لهم ان يعلنوا أنهم أمة وحدهم ، يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم ، ولا يسلك مسلكهم ، ولا يدين لقيادتهم ، ويتميزون ولا يختلطون ! ولا يكفي أن يدعو أصحاب هذا الدين إلى دينهم ، وهم متميعون في المجتمع الجاهلي . فهذه الدعوة لا تؤدي شيئا ذا قيمة ! إنه لا بد لهم منذ اليوم الأول أن يعلنوا أنهم شيء آخر غير الجاهلية ؛ وأن يتميزوا بتجمع خاص آصرته العقيدة المتميزة ، وعنوانه القيادة الإسلامية . . لا بد أن يميزوا أنفسهم من المجتمع الجاهلي ؛ وأن يميزوا قيادتهم من قيادة المجتمع الجاهلي أيضا !
إن اندغامهم وتميعهم في المجتمع الجاهلي ، وبقاءهم في ظل القيادة الجاهلية ، يذهب بكل السلطان الذي تحمله عقيدتهم ، وبكل الأثر الذي يمكن أن تنشئه دعوتهم ، وبكل الجاذبية التي يمكن أن تكون للدعوة الجديدة .
وهذه الحقيقة لم يكن مجالها فقط هو الدعوة النبوية في أوساط المشركين . . إن مجالها هو مجال هذه الدعوة كلما عادت الجاهلية فغلبت على حياة الناس . . وجاهلية القرن العشرين لا تختلف في مقوماتها الأصيلة ، وفي ملامحها المميزة عن كل جاهلية أخرى واجهتها الدعوة الإسلامية على مدار التاريخ !
والذين يظنون أنهم يصلون إلى شيء عن طريق التميع في المجتمع الجاهلي والأوضاع الجاهلية ، والتدسس الناعم من خلال تلك المجتمعات ومن خلال هذه الأوضاع بالدعوة إلى الإسلام . . هؤلاء لا يدركون طبيعة هذه العقيدة ولا كيف ينبغي أن تطرق القلوب ! . . إن أصحاب المذاهب الإلحادية أنفسهم يكشفون عن عنوانهم وواجهتهم ووجهتهم ! أفلا يعلن أصحاب الدعوة إلى الإسلام عن عنوانهم الخاص ؟ وطريقهم الخاص ؟ وسبيلهم التي تفترق تماما عن سبيل الجاهلية الدرس الثالث : 159 سنة الله في الدعوات والهدف من القصص القرآني ؟
ثم لفتة إلى سنة الله في رسالاته ، وإلى بعض آيات الله في الأرض من مصائر السابقين . . إن محمدا ليس بدعا من الرسل ، ورسالته ليست بدعا من الرسالات . وهذه عواقب الذين كذبوا من قبل ، آيات معروضة في الأرض .
استئناف ابتدائي للانتقال من الاعتبار بدلالة نزول هذه القصة للنبيء صلى الله عليه وسلم الأمّيّ على صدق نبُوءته وصدقه فيما جاء به من التوحيد إلى الاعتبار بجميع ما جاء به من هذه الشريعة عن الله تعالى ، وهو المعبّر عنه بالسبيل على وجه الاستعارة لإبلاغها إلى المطلوب وهو الفوز الخالد كإبلاغ الطريق إلى المكان المقصود للسائر ، وهي استعارة متكررة في القرآن وفي كلام العرب .
والسبيل يؤنث كما في هذه الآية ، ويذكّر أيضاً كما تقدم عند قوله تعالى : { وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا } في سورة الأعراف ( 146 ) .
والجملة استئناف ابتدائي معترضة بين الجمل المتعاطفة .
والإشارة إلى الشريعة بتنزيل المعقول منزلة المحسوس لبلوغه من الوضوح للعقول حداً لا يخفى فيه إلا عمّن لا يُعدّ مُدْركاً .
وما في جملة { هذه سبيلي } من الإبهام قد فسرته جملة { ادعوا إلى الله على بصيرة } .
و { على } فيه للاستعلاء المجازي المراد به التمكن ، مثل « على هدىً من ربهم » .
والبصيرة : فعيلة بمعنى فاعلة ، وهي الحجة الواضحة ، والمعنى : أدعو إلى الله ببصيرة متمكناً منها ، ووصف الحجة ببصيرة مجاز عقلي ، والبصير : صاحب الحجة لأنه بها صار بصيراً بالحقيقة . ومثله وصف الآية بمبصرة في قوله : { فلما جاءتهم آياتنا مبصرة } [ سورة النمل : 13 ] . وبعكسه يوصف الخفاء بالعمى كقوله : { وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم } [ سورة هود : 28 ] .
وضمير { أنا } تأكيد للضمير المستتر في { أدعوا } ، أتي به لتحسين العطف بقوله : { ومن اتبعني } ، وهو تحسين واجب في اللغة .
وفي الآية دلالة على أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الذين آمنوا به مأمورون بأن يدعوا إلى الإيمان بما يستطيعون . وقد قاموا بذلك بوسائل بث القرآن وأركان الإسلام والجهاد في سبيل الله . وقد كانت الدعوة إلى الإسلام في صدر زمان البعثة المحمدية واجباً على الأعيان لقول النبي صلى الله عليه وسلم " بلّغوا عنّي ولو آيةً " أي بقدر الاستطاعة . ثم لمّا ظهر الإسلام وبلغت دعوته الأسماع صارت الدعوة إليه واجباً على الكفاية كما دل عليه قوله تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير الآية } في سورة آل عمران ( 104 ) .
وعُطفت جملة { وسبحان الله } على جملة { أدعوا إلى الله } ، أي أدعو إلى الله وأنزهه .
وسبحان : مصدر التسبيح جاء بدلاً عن الفعل للمبالغة . والتقدير : وأسبح الله سبحاناً ، أي أدعو الناس إلى توحيده وطاعته وأنزّهه عن النقائص التي يشرك بها المشركون من دّعاء الشركاء ، والولد ، والصاحبة .
وجملة { وما أنا من المشركين } بمنزلة التذييل لما قبلها لأنها تعمّ ما تضمنته .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قل هذه}، ملة الإسلام، {سبيلي}، يعني سنتي، {أدعو إلى الله}، يعنى إلى معرفة الله، وهو التوحيد، {على بصيرة}، يعني على بيان، {أنا ومن اتبعني}، على ديني، {وسبحان الله}، نزه الرب نفسه عن شركهم، {وما أنا من المشركين}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"قُلْ" يا محمد "هَذِهِ "الدعوة التي أدعو إليها، والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته، "سَبِيلِي" وطريقتي ودعوتي "أدْعُو إلى اللّهِ" وحده لا شريك له "على بَصِيرَةٍ" بذلك، ويقين علم مني به، "أنَا" وَ يدعو إليه على بصيرة أيضا "مَن اتّبَعَنِي" وصدّقني وآمن بي. "وَسُبْحانَ اللّهِ" يقول له تعالى ذكره: وقل تنزيها لله وتعظيما له من أن يكون له شريك في ملكه أو معبود سواه في سلطانه، "وَما أنا مِنَ المُشْرِكِينَ" يقول: وأنا بريء من أهل الشرك به، لست منهم ولا هم مني...
قال ابن زيد، في قوله: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أدْعُو إلى اللّهِ على بَصِيرَةٍ" قال: هذه سبيلي: هذا أمري وسنتي ومنهاجي، "أدْعُو إلى اللّهِ على بَصِيرَةٍ أنا وَمَن اتّبَعَني"، قال: وحقّ الله على من اتبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكر بالقرآن والموعظة، وينهي عن معاصي الله...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... (إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) البصيرة: العلم والبيان والحجة النيرة؛ أي هذه سبيلي التي أنا أدعوكم إليها، إنما أدعوكم (على بصيرة) أي على علم وبيان وحجة قاطعة وبرهان نير ليس كسائر الأديان التي يدعى إليها على الهوى والشهوة بغير حجة ولا برهان.
(أنا ومن اتبعني) أيضا فإنما يدعونكم أيضا على حجة وبرهان؛ إذ من يجيبني فإنما يجيب على بصيرة وبيان وحجة...
وفيه الدلالة على أن على المسلمين دعاء الناس إلى الله تعالى كما كان على النبي صلى الله عليه وسلم ذلك...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى أن يقول لهؤلاء الكفار "هذه سبيلي "يعني دينه الذي دعا إليه من توحيد الله وعدله وتوجيه العبادة إليه والعمل بشرعه "أدعو" الناس "إلى" توحيد "الله" وإلى طاعته، واتباع سبيله على معرفة مني بذلك، وحجة معي إليه، ومن تابعني على ذلك، فهو يدعو الناس إلى مثل ما أدعو اليه من التوحيد وخلع الأنداد والعمل بشرع الإسلام. "وسبحانه الله" أي تتزيها لله من أن يعبد معه إله غيره، وأن يضاف إليه ما لا يليق به، ولست أنا من المشركين الذين يشركون مع الله في عبادته سواه. والسبيل هو الطريق...
والدعاء: طلب الفعل من الغير، وسمي الإسلام سبيلا، لأنه طريق إلى الثواب لمن عمل به. والبصيرة: المعرفة التي يميز بها بين الحق والباطل في الدين والدنيا، يقال: فلان على بصيرة من أمره أي كأنه يبصره بعينه.
... اعلم أن السبيل في أصل اللغة الطريق، وشبهوا المعتقدات بها لما أن الإنسان يمر عليها إلى الجنة، أدعو إلى الله على بصيرة وحجة وبرهان أنا ومن اتبعني إلى سيرتي وطريقتي، وسيرة أتباعي الدعوة إلى الله، لأن كل من ذكر الحجة وأجاب عن الشبهة فقد دعا بمقدار وسعه إلى الله، وهذا يدل على أن الدعاء إلى الله تعالى إنما يحسن ويجوز مع هذا الشرط وهو أن يكون على بصيرة مما يقول وعلى هدى ويقين، فإن لم يكن كذلك فهو محض الغرور...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما وصف الله سبحانه له صلى الله عليه وسلم أكثر الناس بما وصف من سوء الطريقة للتقليد الذي منشؤه الإعراض عن الأدلة الموجبة للعلم، أمر أن يذكر طريق الخلّص فقال: {قل} أي يا أعلى الخلق وأصفاهم وأعظمهم نصحاً وإخلاصاً: {هذه} أي الدعوة إلى الله على ما دعا إليه كتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم {سبيلي} القريبة المأخذ، الجلية الأمر، الجليلة الشأن، الواسعة الواضحة جداً، فكأنه قيل: ما هي؟ فقال: {أدعو} كل من يصح دعاؤه {إلى الله} الحائز لجميع الكمال حال كوني {على بصيرة} أي حجة واضحة من أمري بنظري الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة وترك التقليد الدال على الغباوة والجمود، لأن البصيرة المعرفة التي يتميز بها الحق من الباطل ديناً ودنيا بحيث يكون كأنه يبصر المعنى بالعين.
ولما كان الموضع في غاية الشرف، أكد الضمير المستتر تعييناً وتنبيهاً على التأهل لظهور الإمامة، فقال: {أنا ومن} أي ويدعو كذلك من {اتبعني} لا كمن هو على عمى جائر عن القصد، حائر في ضلال التقليد، فهو لا يزال في غفلة هدفاً للحتوف؛ والاتباع: طلب الثاني اللحاق بالأول للموافقة في مكانه أو في أمره الذي دعا إليه، ومما دخل تحت {قل} عطفاً على {أدعوا} قوله: منبهاً على أن شرط كل دعوة إليه سبحانه اقترانها بتنزيهه عن كل شائبة نقص -{وسبحان الله} أي وأسبح الذي اختص بصفات الكمال سبحاناً، أي أقدره حق قدره فأثبت له من صفات الكمال ما يليق بجلاله، وأنزهه عما هو متعال عنه تنزيهاً يعلم هو أنه يليق بجلاله ويرضى به، وفي تخصيص الله بذلك عقب ما أثبت له ولأتباعه تلويح بنسبة النقص إليهم تواضعاً، اعتذاراً عما يلحقهم من الوهن وطلباً للعفو عنه {وما أنا} وعدل عن "مشركاً "إلى أبلغ منه فقال: {من المشركين} أي في عداد من يشرك به شيئاً بوجه من الوجوه، لأني علمت بما آتاني من البصيرة أنه منعوت بنعوت الكمال، منزه عن سمات النقص، متعال عنها، وأن ذلك أول واجب لأنه الواحد الذي جل عن المجانسة، القهار الذي كل شيء تحت مشيئته...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
و إذا كانت آيات هذا القرآن الذي يحمل دليل الرسالة، وكانت الآيات التي يحفل بها الكون معروضة للأنظار.. إذا كانت هذه وتلك يمرون عليها وهم عنها معرضون، ويشركون بالله شركا ظاهرا أو خفيا وهم الأكثرون. فالرسول [صلى الله عليه وسلم] ماض في طريقه ومن اهتدى بهديه، لا ينحرفون ولا يتأثرون بالمنحرفين... (قل: هذه سبيلي).. واحدة مستقيمة، لا عوج فيها ولا شك ولا شبهة.
(أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).. فنحن على هدى من الله ونور. نعرف طريقنا جيدا، ونسير فيها على بصر وإدراك ومعرفة، لا نخبط ولا نتحسس، ولا نحدس. فهو اليقين البصير المستنير. ننزه الله -سبحانه- عما لا يليق بألوهيته، وننفصل وننعزل ونتميز عن الذين يشركون به: (وما أنا من المشركين).. لا ظاهر الشرك ولا خافيه. هذه طريقي فمن شاء فليتابع، ومن لم يشأ فأنا سائر في طريقي المستقيم. وأصحاب الدعوة إلى الله لا بد لهم من هذا التميز، لا بد لهم ان يعلنوا أنهم أمة وحدهم، يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم، ولا يسلك مسلكهم، ولا يدين لقيادتهم، ويتميزون ولا يختلطون... ثم لفتة إلى سنة الله في رسالاته، وإلى بعض آيات الله في الأرض من مصائر السابقين.. إن محمدا ليس بدعا من الرسل، ورسالته ليست بدعا من الرسالات. وهذه عواقب الذين كذبوا من قبل، آيات معروضة في الأرض...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وهذا يدل على أن الدعوة إلى الله فرض على المؤمنين كل يقوم بواجبه فيها... {على بصيرة}، أي على علم بالحق وحجته ودليله، وهذا يدل على وجوب علم الداعي، وأن يكون له بصيرة نافذة يدرك الحق ويعلم نفوس الناس، وما يجب اتباعه لدعوتها...
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
وسبيل الله التي أمر الله رسوله بأن يقول: إنه يدعو إليها هو ومن اتبعه هي الرسالة الإسلامية وما انطوى فيها من مبادئ إيمانية وسياسية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية وسلوكية ويكون في الآية والحالة هذه خطاب لكل مسلم ومسلمة في كل ظرف ومكان بوجوب الدعوة إليها والاستمرار والثبات عليها...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
أصدق الدروس والعبر: في الآية الأُولى من هذه المجموعة يتلقّى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأوامر لتحديد الطريق والمنهج الذي يتّبعه، فيقول القرآن الكريم: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله) ثمّ يضيف: (على بصيرة أنا ومن اتّبعني). وهذه الجملة توضّح أنّ كلّ فرد مسلم مقتد بالرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) له نفس الدور في الدعوة إلى الحقّ، ولابدّ من دعوة الآخرين إلى الله، من خلال أفعالهم وأقوالهم، وكذلك تؤكّد هذه الجملة على أنّ القائد يجب أن تكون له بصيرة ومعرفة كافية، وإلاّ فإنّ دعوته ليست إلى الحقّ، وللتأكيد على ذلك يضيف القرآن الكريم: (وسبحان الله وما أنا من المشركين). فهو يؤكّد على نزاهة الخالق الذي يدعو إليه وكماله المطلق الخالي من النقصان وأنّه لا يتّخذ معه شريكاً. هذه في الواقع من خصائص القائد الصادق، أن يعلن بصراحة عن أهدافه وخُططه، وأن يسير هو والتابعين له على منهج واضح وسليم، لا أن تسودهم هالة من الإبهام في الهدف والطريقة. أو أن يسير كلّ واحد منهم في جهة معيّنة. فواحدة من الطرق التي نتعرّف بها على القيادات الصادقة من الكاذبة هو أنّ القيادة الصادقة تتميّز بصراحة القول ووضوح الطريق أمّا الأُخرى فهي لكي تحاول التغطية على سلوكها تلتجئ إلى الحديث المبهم والمتعدّد الجوانب. إنّ وقوع هذه الآية بعد الآيات المتعلّقة بيوسف تشير إلى أنّ طريقة ومنهج النّبي لا يختلفان عن طريقة ومنهج يوسف النّبي. فهو كان يدعو إلى «الله الواحد القهّار» حتّى في زوايا السجن، أمّا غيره فكان يدعو إلى أسماء انتقلت إليه بسبب التقليد من جاهل إلى جاهل آخر. أمّا سيرة الأنبياء والرسل فكلّها واحدة...