البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (108)

لما تقدم من قول يوسف عليه السلام : { توفني مسلماً } وكان قوله تعالى : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } دالاً على أنه حارص على إيمانهم ، مجتهد في ذلك ، داع إليه ، مثابر عليه .

وذكر { وما تسألهم عليه من أجر } أشار إلى فيهم من ذلك وهو شريعة الإسلام والإيمان ، وتوحيد الله .

فقال : قل يا محمد هذا الطريقة والدعوة طريقي التي سلكتها وأنا عليها ، ثم فسر تلك السبيل فقال : أدعو إلى الله يعني : لا إلى غيره من ملك أو إنسان أو كوكب أو صنم ، إنما دعائي إلى الله وحده .

قال ابن عباس : سبيلي أي دعوتي .

وقال عكرمة : صلاتي ، وقال ابن زيد : سنتي ، وقال مقاتل والجمهور : ديني .

وقرأ عبد الله : قل هذا سبيلي على التذكير .

والسبيل يذكر ويؤنث ، ومفعول أدعو هو محذوف تقديره : أدعو الناس .

والظاهر تعلق على بصيرة بأدعو ، وإنا توكيد للضمير المستكن في ادعو ، ومن معطوف على ذلك الضمير والمعنى : أدعو أنا إليها من اتبعني .

ويجوز أن يكون على بصيرة خبراً مقدماً ، وأنا مبتدأ ، ومن معطوف عليه .

ويجوز أن يكون على بصيرة حالاً من ضمير ادعو ، فيتعلق بمحذوف ، ويكون أنا فاعلاً بالجار والمجرور النائب عن ذلك المحذوف ، ومن اتبعني معطوف على أنا .

وأجاز أبو البقاء أن يكون : ومن اتبعني مبتدأ خبره محذوف تقديره كذلك أي : داع إلى الله على بصيرة .

ومعنى بصيرة حجة واضحة وبرهان متيقن من قوله : { قد جاءكم بصائر من ربكم } وسبحان الله داخل تحت قوله قل : أي قل ، وتبرئة الله من الشركاء أي : براءة الله من أن يكون له شريك .

ولما أمر بأن يخبر عن نفسه أنه يدعو هو ومن اتبعه إلى الله ، وأمر أن يخبر أنه ينزه الله عن الشركاء ، أمر أن يخبر أنه في خاصة نفسه منتف عن الشرك ، وأنه ليس ممن أشرك .

وهو نفي عام في الأزمان لم يكن منهم ، ولا في وقت من الأوقات .