الواحدة الرابعة : 60 - 82 الموضوع : قصة موسى مع الخضر
هذه الحلقة من سيرة موسى - عليه السلام - لا تذكر في القرآن كله إلا في هذا الموضع من هذه السورة . والقرآن لا يحدد المكان الذي وقعت فيه إلا بأنه ( مجمع البحرين ) ولا يحدد التاريخ الذي وقعت فيه من حياة موسى ، هل كان ذلك وهو في مصر قبل خروجه ببني إسرائيل أم بعد خروجه بهم منها ? ومتى بعد الخروج : قبل أن يذهب بهم إلى الأرض المقدسة ، أم بعد ما ذهب بهم إليها فوقفوا حيالها لا يدخلون لأن فيها قوما جبارين ? أم بعد ذهابهم في التيه ، مفرقين مبددين ?
كذلك لا يذكر القرآن شيئا عن العبد الصالح الذي لقيه موسى . من هو ? ما اسمه ? هل هو نبي أو رسول ? أم عالم ? أم ولي ?
وهناك روايات كثيرة عن ابن عباس وعن غيره في هذه القصة . ونحن نقف عند نصوص القصة في القرآن . لنعيش " في ظلال القرآن " ونعتقد أن لعرضها في القرآن على النحو الذي عرضت به ، دون زيادة ، ودون تحديد للمكان والزمان والأسماء ، حكمة خاصة . فنقف نحن عند النص القرآني نتملاه . .
( وإذ قال موسى لفتاه : لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ) . .
والأرجح - والله أعلم - أنه مجمع البحرين : بحر الروم وبحر القلزم . أي البحر الأبيض والبحر الأحمر . . ومجمعهما مكان التقائهما في منطقة البحيرات المرة وبحيرة التمساح . أو أنه مجمع خليجي العقبة والسويس في البحر الأحمر . فهذه المنطقة كانت مسرح تاريخ بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر . وعلى أي فقد تركها القرآن مجملة فنكتفي بهذه الإشارة .
ونفهم من سياق القصة فيما بعد - أنه كان لموسى - عليه السلام - هدف من رحلته هذه التي اعتزمها ، وأنه كان يقصد من ورائها أمرا ، فهو يعلن تصميمه على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة ، ومهما يكن الزمن الذي ينفقه في الوصول . وهو يعبر عن هذا التصميم بما حكاه القرآن من قوله : ( أو أمضي حقبا )والحقب قيل عام ، وقيل ثمانون عاما . على أية حال فهو تعبير عن التصميم ، لا عن المدة على وجه التحديد .
وقوله { وإذ قال موسى } الآية ابتداء قصة ليست من الكلام الأول ، المعنى : اذكر واتل ، و { موسى } هو موسى بن عمران بمقتضى الأحاديث والتواريخ وبظاهر القرآن ، إذ ليس في القرآن موسى غير واحد ، وهو ابن عمران ولو كان في هذه الآية غيره لبينه ، وقالت فرقة منها نوف البكالي أنه ليس موسى بن عمران ، وهو موسى بن مشنى ، ويقال ابن منسى ، وأما «فتاه » فعلى قول من قال موسى بن عمران ، فهو يوشع بن نون بن إفراييل بن يوسف بن يعقوب ، وأما من قال هو موسى بن مشنى فليس الفتى يوشع بن نون ، ولكنه قول غير صحيح ، رده ابن عباس وغيره و «الفتي » في كلام العرب الشاب ، ولما كان الخدمة أكثر ما يكونون فتياناً ، قيل للخادم فتى ، على جهة حسن الأدب ، وندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم :
«لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي وليقل فتاي وفتاتي »{[7841]} ، فهذا اندب إلى التواضع ، و «الفتى » في الآية هو الخادم ، ويوشع بن نون يقال هو ابن أخت موسى عليه السلام ، وسبب هذه القصة فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى جلس يوماً في مجلس لبني إسرائيل ، وخطب فأبلغ ، فقيل له هل تعلم أحداً أعلم منك قال لا ، فأوحى الله إليه بلى : عبدنا خضر{[7842]} ، فقال يا رب دلني على السبيل إلى لقيه{[7843]} ، فأوحى الله إليه أن يسير بطول سيف البحر حتى يبلغ { مجمع البحرين } فإذا فقدت الحوت فإنه هنالك ، وأمر أن يتزود حوتاً ، ويرتقب زواله عنه ، ففعل موسى ذلك وقال لفتاه على جهة إمضاء العزيمة { لا أبرح } أسير ، أي لا أزال ، وإنما قال هذه المقالة وهو سائر ، ومن هذا قول الفرزدق : [ الطويل ]
فما برحوا حتى تهادت نساؤهم . . . ببطحاء ذي قار عياب اللطائم{[7844]}
وذكر الطبري عن ابن عباس : قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر ، أنزل قومه بمصر ، فلما استقرت الحال خطب يوماً ، فذكر بآلاء الله وأيامه عند بني إسرائيل ، ثم ذكر نحو ما تقدم ، وما مر بي قط أن موسى عليه السلام أنزل قومه بمصر إلا في هذا الكلام ، وما أراه يصح ، بل المتظاهر أن موسى مات بفحص التيه قبل فتح ديار الجبارين ، وفي هذه القصة من الفقه الرحلة في طلب العلم ، والتواضع للعالم ، وقرأ الجمهور «مَجمَع » بفتح الميمين ، وقرأ الضحاك «مَجمِع » بكسر الميم الثانية ، واختلف الناس في { مجمع البحرين } أين هو ؟ فقال مجاهد وقتادة هو مجتمع بحر فارس وبحر الروم .
قال القاضي أبو محمد : وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى الجنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام ، هو { مجمع البحرين } هو عند طنجة وهو حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه السائر من دبور إلى صبا . وروي عن أبي بن كعب أنه قال { مجمع البحرين } بإفريقية ، وهذا يقرب من الذي قبله ، وقال بعض أهل العلم هو بحر الأندلس من البحر المحيط ، وهذا كله واحد حكاه النقاش وهذا مما يذكر كثيراً ، ويذكر أن القرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء ، وقالت فرقة { مجمع البحرين } يريد بحراً ملحاً وبحراً عذباً ، فعلى هذا إنما كان الخضر عند موقع نهر عظيم في البحر ، وقالت فرقة البحران إنما هما كناية عن موسى والخضر ، لأنهما بحرا علم ، وهذا قول ضعيف والأمر بين من الأحاديث أنه إنما رسم له ماء بحر ، وقوله { أو أمضي حقباً } معناه أو أمضي على وجهي زماناً ، واختلف القراء ، فقرأ الحسن والأعمش وعاصم «حقباً » بسكون القاف{[7845]} ، وقرأ الجمهور «حقباً » بضمه ، وهو تثقيل حقب ، وجمع الحقب أحقاب ، واختلف في الحقب ، فقال عبد الله بن عمرو ثمانون سنة ، وقال مجاهد سبعون ، وقال الفراء «الحقب » سنة واحدة وقال ابن عباس وقتادة أزمان غير محدودة وقالت فرقة «الحقب » جمع حقبة ، وفي السنة كأنه قال أو أمضي سنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.