الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبٗا} (60)

وقوله سبحانه : { وَإِذْ قَالَ موسى لفتاه لا أَبْرَحُ } [ الكهف : 60 ] .

{ موسى } هو ابنُ عمرانَ ، وفتاة هو يُوشَعُ بْنُ نُونٍ .

وفي الحديث الصحيح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أن موسى عليه السلام جَلَسَ يَوْماً في مَجْلِسٍ لَبني إِسْرَائيلَ ، وخَطَبَ ، فأَبْلَغَ ، فَقِيلَ لَهُ : هَلْ تَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْكَ ؟ قَالَ : لاَ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، دُلَّنِي عَلَى السَّبِيلِ إِلى لقيه ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَسِيرَ بطُوِلِ سَيْفِ البَحْرِ ، حَتَّى يَبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ ، فَإِذَا فَقَدَ الحُوتَ ، فإِنَّهُ هُنَالِكَ ، وأُمِرَ أَنْ يَتَزَوَّدَ حُوتاً ، وَيَرْتَقِبَ زَوَالَهُ عَنْهُ ، فَفَعَلَ مُوسى ذَلِكَ ، وَقَالَ لِفَتَاهُ على جِهَةِ إِمْضَاءِ العَزِيمَةِ : لاَ أَبْرَحُ أَسِيرُ ، أي : لاَ أَزَالُ ، وإِنما قال هذه المقالَةَ ، وهو سائرٌ ، قال السُّهَيْليُّ : كان موسى عليه السلام أعلَمَ بعلْمِ الظاهر ، وكان الخَضِرُ أعلم بعلْم الباطنِ ، وأسرارِ المَلَكُوتِ ، فكانا بَحْرَيْن اجتمعا بمجْمَعِ البَحْرَيْن ، والخضرُ شَرِبَ من عَيْن الحَيَاةِ ، فَهوَ حَيٌّ إِلى أن يخرج الدَّجَّال ، وأنَّه الرجُلُ الذي يقتله الدَّجَّال .

وقال البخاريُّ وطائفة من أهْل الحديث ، منهم شيخُنا أبو بَكْرِ بْنُ العَرَبيِّ رحمه اللَّه : مات الخَضِرُ قبل انقضاء المِائَةِ من قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِه ، فإِنَّ إِلى رَأْسِ مِائَةِ عَامٍ مِنْهَا لا يَبْقَى عَلَى الأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا أَحَدُ ) يعني من كان حيًّا حين قال هذه المقالَةَ ، وأما اجتماع الخِضَرِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتعزيته لأهْل بيته ، فمرويٌّ من طرقٍ صِحَاحٍ ، وصحَّ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِنَّمَا سُمِّيَ الخَضِرَ لأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ ، فاهْتَزَّتْ تَحْتَهُ خضراء ) . قال الخطابي : الفروة وجه الأرض ، ثم أنشد على ذلك شاهداً انتهى .

واختلف الناس في «مَجْمَعِ البَحْرَيْنِ » ، فقال مجاهد وقتادة هو مَجْمَعُ بَحْر فارس وبَحْر الروم ، وقالت فرقة { مَجْمَعَ البحرين } : هو عند طَنْجَة ، وقيل غير هذا ، واختلف في «الحُقُب » ، فقال ابن عباس وغيره : الحُقُب : أزمانٌ غير محدودة ، وقال عبد اللَّه بن عمرو ثمانون سنة ، وقال مجاهد : سبعون ، وقيل : سنةٌ .