الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبٗا} (60)

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ } الآية قال ابن عباس : لما ظهر موسى ( عليه السلام ) وقومه على مصر أنزل قومه مصر ، فلّما استقرت بهم الدار أنزل الله عزّ وجلّ :

{ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } [ إبراهيم : 5 ] فخطب قومه وذكر بما آتاهم الله عزّ وجلّ من الخير والنّعمة ؛ إذ نجّاهم من آل فرعون وأهلك عدوّهم واستخلفهم في الأرض ، فقال : " وكلّم الله نبيكم تكليماً ، واصطفاني لنفسه ، وألقى عليّ محبّة منه ، وآتاكم من كل ما سألتموه ، ونبيّكم أفضل أهل الأرض ، وأنتم تقرؤون التوراة " . فلم يترك نعمة أنعمها الله عزّ وجلّ عليهم إلاّ ذكرها وعرّفها إيّاهم ، فقال له رجل من بني إسرائيل : قد عرفنا الذي تقول ، فهل على وجه الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله ؟ قال : " لا " . فعتب الله عزّ وجلّ عليه حين لم يرد العلم إليه ، فبعث إليه جبرئيل ، فقال : " يا موسى وما يدريك أين أضع علمي ؟ بل إن لي عبداً بمجمع البحرين أعلم منك " . فسأل موسى ربّه أن يريه إيّاه ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه أن : " ايت البحر فإنك تجد على شط البحر حوتاً ، فخذه فادفعه إلى فتاك ، ثمّ الزم شط البحر إذا نسيت الحوت وهلك منك فثمّ تجد العبد الصالح " .

وقال ابن عباس في رواية أُخرى : سأل موسى ربّه فقال : " ربّ أي عبادك أحبّ إليك ؟ " . قال : " الذي يذكرني فلا ينساني " . قال : " فأي عبادك أقضى ؟ " . قال : " الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى " . قال : " ربّي فأي عبادك أعلم ؟ " . قال : " الذي يبغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدلّه على هدًى أو ترده عن ردًى " . قال : " إن كان في عبادك أحد هو أعلم منّي فادللني عليه " . فقال له : " نعم ، في عبادي من هو أعلم منك " . قال : " من هو ؟ " . قال : " الخضر " . قال : " وأين أطلبه ؟ " . قال : " على الساحل عند الصخرة " . وجعل الحوت له آية ، وقال : " إذا حيّ هذا الحوت ، وعاش ، فإن صاحبك هناك " .

وكانا قد تزودا سمكاً مالحاً فذلك قوله عزّ وجلّ : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى } بن عمران { لِفَتَاهُ } : صاحبه يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف . وقيل : فتاه أخو يوشع ، كان معه في سفره . وقيل : فتاه عبده ومملوكه : { لا أَبْرَحُ } : لا أزال أسير { حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } ، قال قتادة : بحر فارس والروم مما يلي المشرق . وقال محمد بن كعب : طنجة . وقال أُبّي بن كعب : أفريقية ، { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } وجمعه أحقاب : دهراً أو زماناً .

وقال عبد الله بن عمر : والحقب ثمانون سنة . وقال مجاهد : سبعون سنة . وقيل : البحران هما موسى والخضر ، كانا بحرين في العلم .

فحملا خبزاً وسمكة مالحة وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي عند مجمع البحرين ليلاً ، وعندها عين تسمى ماء الحياة ، لا يصيب ذلك الماء شيئاً إلاّ حيّ ، فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده اضطربت في المكتل وعاشت ودخلت البحر ، فذلك قوله عزّ وجلّ : { فَلَمَّا بَلَغَا } ،