الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبٗا} (60)

أخرج ابن عساكر من طريق ابن سمعان ، عن مجاهد قال : كان ابن عباس يقول في هذه الآية { وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح } يقول : لا أنفك ولا أزال { حتى أبلغ مجمع البحرين } يقول : ملتقى البحرين { أو أمضي حقباً } يقول : أو أمضي سبعين خريفاً { فلما بلغا مجمع بينهما } يقول : بين البحرين { نسيا حوتهما } يقول : ذهب منهما وأخطأهما ، وكان حوتاً مليحاً معهما يحملانه فوثب من المكتل إلى الماء فكان { سبيله في البحر سرباً } فأنسى الشيطان فتى موسى أن يذكره ، وكان فتى موسى يوشع بن نون { واتخذ سبيله في البحر عجباً } يقول : موسى عجب من أثر الحوت ودوراته التي غار فيها { قال ذلك ما كنا نبغي } قول موسى : فذاك حيث أخبرت أني أجد الخضر حيث يفارقني الحوت { فارتدا على آثارهما قصصاً } يقول : اتبع موسى ويوشع أثر الحوت في البحر وهم راجعان على ساحل البحر { فوجدا عبداً من عبادنا } يقول : فوجدا خضراً { آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً } قال الله تعالى : { وفوق كل ذي علم عليم } [ يوسف : 76 ] فصحب موسى الخضر وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه .

وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس أن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل : قال ابن عباس : كذب عدوّ الله ! . . . حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل ، فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه : أن لي عبداً بمجمع البحرين وهو أعلم منك . قال موسى : يا رب ، كيف لي به ؟ قال : تأخذ معك حوتاً تجعله في مكتل ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثَم . فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ، ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق ، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد { قال } موسى { لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً } قال : فكان للحوت سرباً ، ولموسى ولفتاه عجباً . فقال موسى { ذلك ما كنا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصاً } قال سفيان : يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ، ولا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش . قال : وكان الحوت قد أكل منه ، فلما قطر عليه الماء عاش . قال : فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى ، فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام ؟ قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نَعَم أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً { قال إنك لن تستطيع معي صبراً } يا موسى ، إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلَمُهُ أنت ، وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه . فقال موسى { ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } فقال له الخضر { فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً فانطلقا } يمشيان على ساحل البحر ، فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول ، فلما ركبا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى : قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلَهَا ؟ . { لقد جئت شيئاً إمْرَا } فقال : { ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً } .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كانت الأولى من موسى نسياناً ، قال : وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ، فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل ، إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر بيده فاقتلعه فقتله ، فقال له موسى : { أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } قال : وهذه أشد من الأولى { قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض } قال : مائل ، فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه ، فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } فقال : { هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً } .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما » .

قال سعيد بن جبير : وكان ابن عباس يقرأ «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً » وكان يقرأ «وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين » .

وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق آخر ، عن سعيد بن جبير قال : إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال : سلوني .

قلت : أي أبا عباس ، جعلني الله فداءك ، بالكوفة رجل قاص يقال له نوف ، يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل . قال : كذب عدوّ الله ، حدثني أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوماً ، حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولّى ، فأدركه رجل فقال : أي رسول الله ، هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ قال : لا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى . قيل : بلى . قال : أي رب ، فأين ؟ قال : بمجمع البحرين . قال : أي رب ، اجعل لي علماً أعلم به ذلك . قال : خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح ، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ، فقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت . قال : ما كلفت كثيراً . قال : فبينا هو في ظل صخرة في مكان سريان أن تضرب الحوت وموسى نائم ، فقال فتاه : لا أوقظه . حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره . وتضرب الحوت حتى دخل البحر ، فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر . قال موسى { لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال : قد قطع الله عنك النصب ، فرجعا فوجدا خضراً على طنفسة خضراء على كبد البحر ، مسجى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه ، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال : هل بأرض من سلام . . . ! ؟ من أنت ؟ قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم . قال : فما شأنك ؟ قال : جئت لتعلمني مما علمت رشداً . قال : أما يكفيك أن التوراة بيديك ، وأن الوحي يأتيك يا موسى ؟ إن لي علماً لا ينبغي أن تعلمه ، وإن لك علماً لا ينبغي لي أعلمه . فأخذ طائر بمنقاره من البحر ، فقال : والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر . حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر ، فعرفوه فقالوا : عبد الله الصالح لا نحمله بأجر ، فخرقها ووتد فيها وتداً . قال موسى { أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمْراً قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً } كانت الأولى نسياناً والوسطى والثالثة عمداً { قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله } ووجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين ، فقال : { أقتلت نفساً زكية } لم تعمل الحنث . قال ابن عباس قرأها : { زكية } زاكية مسلمة ، كقولك : غلاماً زكياً . { فانطلقا فوجدا { جداراً يريد أن ينقض فأقامه } قال : بيده هكذا ، ورفع يده فاستقام { قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً } قال : أجراً تأكله { وكان وراءهم ملك } قرأها ابن عباس «وكان أمامهم ملك » يزعمون مدد بن ندد ، والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور { ملك يأخذ كل سفينة } صالحة { غصباً } فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ، ومنهم من يقول سدوها بالقار { فكان أبواه مؤمنين } وكان كافراً { فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً } أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه { فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً } هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر . «وزعم غير سعيد أنهما أُبْدِلا جارية » .

وأخرج عبد بن حميد ومسلم وابن مردويه من وجه آخر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده ، فقال القوم : إن نوفاً الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل ، فكان ابن عباس متكئاً فاستوى جالساً فقال : كذب نوف ، حدثني أبي بن كعب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول «رحمة الله علينا وعلى موسى » لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ، لرأى من صاحبه عجبا » .

قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبياً من الأنبياء بدأ بنفسه فقال : «رحمة الله علينا وعلى صالح ، ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ، ثم قال : إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم ، إذ قال لهم : ما في الأرض أحد أعلم مني . فأوحى الله إليه : أن في الأرض من هو أعلم منك ، وآية ذلك أن تزوّد حوتاً مالحاً فإذا فقدته فهو حبيب تفقده ، فتزوّد حوتاً مالحاً فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به ، فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ، ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } قال فتاه : إذا جاء نبي الله حدثته . فأنساه الشيطان ، فانطلقا فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به ، فقال موسى : { لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال فتاه : يا نبي الله { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت } أن أحدثك { وما أَنْسَانِيهُ إلا الشيطان } { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } { قال ذلك ما كنا نبغي } فرجعا { على آثارهما قصصاً } يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة ، فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه ، فرفع رأسه فقال له : من أنت ؟ قال : موسى . قال : من موسى ؟ قال : موسى بني إسرائيل . قال : فما لك ؟ قال : أخبرت أن عندك علماً فأردت أن أصحبك { قال إنك لن تستطيع معي صبراً } { قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } { قال كيف تصبر على ما لم تحط به خبراً } قال : قد أمرت أن أفعله { قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة } فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها ، فقال له موسى : تخرقها { لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً } فانطلقا ، حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه ، فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال { أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } قال : فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً فانطلقا حتى أتيا أهل قرية } وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما { فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه } قال له موسى مما نزل به من الجهد { لو شئت لاتخذت عليه أجراً قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً } فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال : حدثني : { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها .

وأما الغلام ، فإنه كان طبع يوم طبع كافراً ، وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ، ولو عصياه شيئاً لأرهقهما طغياناً وكفراً ، فأراد ربك أن يبدلهما { خيراً منه زكاة وأقرب رحماً } فوقع أبوه على أمه فعلقت خيراً منه زكاة وأقرب رحماً .

وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال : جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم : إن نوفاً يزعم عن أبي بن كعب ، أن موسى النبي الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا ، فقال ابن عباس : كذب نوف . . . حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال : أي رب ، إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني . قال : نعم ، في عبادي من هو أعلم منك ، فنعت له مكانه فأذن له في لقيه ، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح ، قد قيل : إذا حيي هذا الحوت في مكان ، فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك . فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه ، فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ، ماء الحياة من شرب منه خلد ، ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي . فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } فانطلقا { فلما جاوزا قال } موسى { لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال الفتى وذكر { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً } قال ابن عباس : فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها ، فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له : ما جاء بك ؟ إن كان لك في قومك لشغل ؟ قال له موسى : جئتك لتعلمني مما علمت رشداً .

{ قال إنك لن تستطيع معي صبراً } وكان رجلاً يعلم علم الغيب قد علم ذلك ، فقال موسى : بلى . قال : { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً } أي أن ما تعرف ظاهر ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم ؟ { قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } وإن رأيت ما يخالفني { قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً } فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما ، حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها ، فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما ، فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها ، أخرج منقاراً له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ، ثم أخذ لوحاً فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها ، فقال له موسى - ورأى أمراً أفظع به - { أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً قال لا تؤاخذني بما نسيت } أي بما تركت من عهدك { ولا ترهقني من أمري عسراً } ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية ، فإذا غلمان يلعبون . . . فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه ، فأخذ بيده وأخذ حجراً فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله ، فرأى موسى عليه السلام أمراً فظيعاً لا صبر عليه ، صبي صغير قتله لا ذنب له . . . ! ؟ { قال أقتلت نفساً زكية بغير نفس } أي صغيرة { لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً } أي قد عذرت في شأني { فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض } فهدمه ثم قعد يبنيه ، فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر ، فقال { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا ، واستضفناهم فلم يضيفونا ، ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ؟ ولو شئت لأعطيت عليه أجراً في عملك . { قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة } صالحة { غصباً } - في قراءة أبي بن كعب «كل سفينة صالحة » وإنما عيبها لطرده عنها فَسَلِمَتْ منه حين رأى العيب الذي صنعت بها { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً .

فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً . وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري } أي ما فعلته عن نفسي { ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً } فكان ابن عباس يقول : ما كان الكنز إلا علماً » .

وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قام موسى خطيباً لبني إسرائيل فأبلغ في الخطبة ، وعرض في نفسه أن أحداً لم يؤت من العلم ما أوتي ، وعَلِمَ الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له : «يا موسى ، إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك . قال : فادللني عليه حتى أتعلم منه . قال : يدلك عليه بعض زادك » . فقال لفتاه يوشع { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً } قال : فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء ، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر ، وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر ، فلما جاوز أحضر الغداء فقال : { آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } فذكر الفتى { قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً } فذكر موسى ما كان عهد إليه ، إنه يدلك عليه بعض زادك . { قال ذلك ما كنا نبغي } أي هذه حاجتنا { فارتدا على آثارهما قصصاً } يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل ، فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب { فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما عُلِّمت رشداً } فأقر له بالعلم { قال إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً } يقول : حتى أكون أنا أحدث ذلك لك { فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلَهَا } إلى قوله : { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً } على ساحل البحر في غلمان يلعبون ، فعهد إلى أجودهم وأصبحهم { فقتله قال أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } .

قال ابن عباس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال : { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلَهَا } إلى قوله : { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } قال : وهي في قراءة أبي بن كعب { يأخذ كل سفينة صالحة غصباً } فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك ، فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين } إلى قوله : { ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً } قال : فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر ، فقال له : يا موسى ، ما يقول هذا الطائر ؟ قال : لا أدري . قال : هذا يقول : ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر » .

وأخرج الروياني وابن عساكر من وجه آخر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل ، إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه ، فأوحى الله إليه : «إني قد علمت ما حدثت به نفسك ، فإن من عبادي رجلاً أعلم منك . . . يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزوّد به ، فأينما فقدته فهناك مكانه » .

ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتاً مالحاً في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتاً ، حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر ، فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ، ثم جرى فيه حتى وقع في البحر . فذلك قوله تعالى : { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } فانطلق حتى لحق موسى ، فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه { آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال : ففقد الحوت فقال : { إني نسيت الحوت } الآية . يعني فتى موسى { اتخذ سبيله في البحر عجباً قال ذلك ما كنا نبغي } إلى { قصَصَا } فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئاً ، ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم ، فسلم عليه موسى ، فرفع رأسه فقال : أنى السلام بهذا المكان . . . ! ؟ من أنت ؟ قال : موسى بني إسرائيل . قال : فما كان لك في قومك شغل عني ؟ قال : إني أمرت بك . قال : فقال الخضر : { إنك لن تستطيع معي صبراً } { قال ستجدني إن شاء الله صابراً } الآية .

{ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً } فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر ، فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم ، فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة { قال أخرقتها لتغرق أَهْلَهَا } الآية . { قال ألم أقل } الآية . { قال لا تؤاخذني } الآية . { فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية } فوجدا صبياناً يلعبون يريدون القرية ، فأخذ الخضر غلاماً منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى : { أقتلت نفساً زكية } الآية . { قال ألم أقل لَكَ } الآية . { قال إن سألتك } الآية . فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم ، فرأى الجدار مائلاً فمسحه الخضر بيده فاستوى ، فقال : { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } قال له موسى : قد ترى جهدنا وحاجتنا ، لو سألتهم عليه أجراً أعطوك فنتعشى به { قال هذا فراق بيني وبينك } قال : فأخذ موسى بثوبه فقال : أنشدك الصحبة ، إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت ؟ قال : { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } الآية . خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها ، وأما الغلام ، فإن الله جعله كافراً وكان أبواه مؤمنين ، فلو عاش لأرهقهما { طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة } الآية .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر ، أنزل قومه بمصر ، فلما استقرت بهم الدار أنزل الله { وذكرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 5 ] فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعم ، وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون ، وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض وقال : كلم الله موسى نبيكم تكليماً واصطفاني لنفسه وأنزل عليّ محبة منه ، وآتاكم من كل شيء سألتموه ، فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرون اليوم .

فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا عرفهم إياها ، فقال له رجل من بني إسرائيل : فهل على الأرض أعلم منك يا نبي الله ؟ قال : لا . فبعث الله جبريل إلى موسى فقال : إن الله يقول «وما يدريك أين أضع علمي ؟ . . . بلى على ساحل البحر رجل أعلم » .

قال ابن عباس : هو الخضر . فسأل موسى ربه أن يريه إياه فأوحى الله إليه : أن ائت البحر فإنك تجد على ساحل البحر حوتاً ميتاً فخذه فادفعه إلى فتاك ، ثم الزم شط البحر فإذا نسيت الحوت وذهب منك فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب . فلما طال صعود موسى ونصب فيه ، سأل فتاه عن الحوت : { قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } لك .

قال الفتى . لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا ، فأعجب ذلك موسى فرجع حتى أتى الصخرة فوجد الحوت ، فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت ، وجعل الحوت لا يمس شيئاً من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة ، فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر ، فلقي الخضر بها فسلّم عليه ، فقال الخضر : وعليك السلام . . . وأنى يكون هذا السلام بهذا الأرض . . . ! ؟ ومن أنت ؟ قال : أنا موسى . فقال له الخضر : أصاحب بني إسرائيل ؟ فرحب به وقال : ما جاء بك ؟ قال : جئتك { على أن تعلمني مما علمت رشداً قال إنك لن تستطيع معي صبراً } يقول : لا تطيق ذلك . قال موسى : { ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } فانطلق به وقال له : لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه . فذلك قوله : { حتى أحدث لك منه ذكراً } .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب وابن عساكر من طريق هرون بن عنترة ، عن أبيه عن ابن عباس قال : سأل موسى ربه فقال : «رب ، أي عبادك أحب إليك ؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني . قال : فأي عبادك أقضى ؟ قال : الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى . قال : فأيّ عبادك أعلم ؟ قال : الذي يبتغي علم الناس إلى علمه ، عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى . قال : وقد كان حدث موسى نفسه أنه ليس أحد أعلم منه . قال : رب ، فهل أحد أعلم مني ؟ قال : نعم . قال : فأين هو ؟ قيل له : عند الصخرة التي عندها العين » .

فخرج موسى يطلبه حتى كان ما ذكر الله وانتهى موسى إليه عند الصخرة ، فسلم كل واحد منهما على صاحبه فقال له موسى : إني أريد أن تصحبني . قال : إنك لن تطيق صحبتي . قال : بلى . قال : فإن صحبتني { فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً } فسار به في البحر حتى انتهى إلى مجمع البحرين ، وليس في البحر مكان أكثر ماء منه . قال : وبعث الله الخطاف فجعل يستقي منه بمنقاره ، فقال لموسى : كم ترى هذا الخطاف رزأ بمنقاره من الماء ؟ قال : ما أقل ما رزأ . . . قال : فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء . وذكر تمام الحديث في خرق السفينة وقتل الغلام وإصلاح الجدار ، فكان قول موسى في الجدار لنفسه شيئاً من الدنيا ، وكان قوله في السفينة وفي الغلام لله عز وجل .

وأخرج الدارقطني في الأفراد وابن عساكر من طريق مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الخضر ابن آدم لصلبه ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال .

وأخرج البخاري وأحمد والترمذي وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنما سمي الخضر ؛ لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء » .

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنما سمي الخضر خضراً ؛ لأنه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء » .

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر ، عن مجاهد قال : إنما سمي الخضر ، لأنه إذا صلى اخضر ما حوله .

وأخرج ابن عساكر عن ابن إسحق قال : حدثنا أصحابنا أن آدم عليه السلام لما حضره الموت جمع بنيه فقال : يا بني ، إن الله سينزل على أهل الأرض عذاباً ، فليكن جسدي معكم في المغارة حتى إذا هبطتم فابعثوني وادفنوني بأرض الشام . فكان جسده معهم ، فلما بعث الله نوحاً ضم ذلك الجسد وأرسل الله الطوفان على الأرض فغرقت الأرض زماناً ، فجاء نوح حتى نزل وأوصى بنيه الثلاثة - وهم سام وحام ويافث - أن يذهبوا بجسده إلى الغار الذي أمرهم أن يدفنوه به . فقالوا : الأرض وحشية لا أنيس بها ولا نهتدي لطريق ، ولكن كفّ حتى يعظم الناس ويكثروا . فقال لهم نوح : إن آدم قد دعا الله أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة . فلم يزل جسد آدم حتى كان الخضر عليه السلام هو الذي تولى دفنه ، فأنجز الله له ما وعده فهو يحيا ما شاء الله أن يحيا .

وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيب : «أن الخضر عليه السلام أمه رومية وأبوه فارسي » .

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لما لقي موسى الخضر ، جاء طير فألقى منقاره في الماء ، فقال الخضر لموسى : تدري ما يقول هذا الطائر ؟ قال : وما يقول : قال : يقول : ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من الماء » .

وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي والبزار وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه ، عن أبي الدرداء في قوله : { وكان تحته كنز لهما } قال : أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم ، وأحلت لنا الغنائم وحرمت علينا الكنوز .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبزار ، عن أبي ذر رفعه قال : إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من ذهب مضمن ، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم نصب ، وعجبت لمن ذكر النار ثم ضحك ، وعجبت لمن ذكر الموت ثم غفل . لا إله إلا الله . . . محمد رسول الله .

وأخرج الشيرازي في الألقاب عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : كان اللوح الذي ذكر الله تعالى في كتابه { وكان تحته كنز لهما } حجراً منقوراً فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجباً لمن يعلم أن القدر حق كيف يحزن ؟ ! . . . وعجباً لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح ؟ ! . . . وعجباً لمن يرى الدنيا وغرورها وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ؟ ! لا إله إلا الله محمد رسول الله .

وأخرج الخرائطي في قمع الحرص وابن عساكر من طريق أبي حازم ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { وكان تحته كنز لهما } قال : لوح من ذهب مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجباً لمن يعرف الموت كيف يفرح . . . ! ؟ وعجباً لمن يعرف النار كيف يضحك . . . ! ؟ وعجباً لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها . . . ؟ ! وعجباً لمن أيقن بالقضاء والقدر كيف ينصب في طلب الرزق . . . ! ؟ وعجباً لمن يؤمن بالحساب كيف يعمل الخطايا . . . ! ؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله .

وأخرج ابن مردويه عن علي ، «عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وكان تحته كنز لهما } قال : «لوح من ذهب مكتوب فيه : شهدت أن لا إله إلا الله ، شهدت أن محمداً رسول الله ، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن . . . ! ؟ عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح . . . ! ؟ عجبت لمن تفكر في تقلب الليل والنهار ويأمن فجأتهما حالاً فحالاً » .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { وكان تحته كنز لهما } قال : ما كان ذهباً ولا فضة ، كان صحفاً عليها .

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن علي بن أبي طالب في قول الله عز وجل : { وكان تحته كنز لهما } قال : كان لوح من ذهب مكتوب فيه : لا إله الله إلا الله محمد رسول الله . . . عجباً لمن يذكر أن الموت حق كيف يفرح . . . ! وعجباً لمن يذكر أن النار حق كيف يضحك . . . ! وعجباً لمن يذكر أن القدر حق كيف يحزن . . . ! وعجباً لمن يرى الدنيا وتصرفها بأهلها حالاً بعد حال كيف يطمئن إليها . . .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { وكان أبوهما صالحاً } قال : كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها .

وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن ابن عباس في قوله : { وكان أبوهما صالحاً } قال : حفظ الصلاح لأبيهما وما ذكر عنهما صلاحاً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ويحفظه في ذريته والدويرات حوله ، فما يزالون في ستر من الله وعافية .

وأخرج ابن مردويه عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده وأهل دويرات حوله ، فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم » .

وأخرجه ابن المبارك وابن أبي شيبة عن محمد بن المنكدر موقوفاً .

وأخرج أحمد في الزهد عن كعب قال : إن الله يخلف العبد المؤمن في ولده ثمانين عاماً .

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس قال : بينما موسى يخاطب الخضر يقول : ألست نبي بني إسرائيل ؟ فقد أوتيت من العلم ما تكتفي به ، وموسى يقول له : إني قد أمرت باتباعك . والخضر يقول : { إنك لن تستطيع معي صبراً } فبينما هو يخاطبه إذ جاء عصفور فوقع على شاطئ البحر . فنقر منه نقرة ثم طار فذهب ، فقال الخضر لموسى : يا موسى ، هل رأيت الطير أصاب من البحر ؟ قال : نعم . قال : ما أصبتُ أنا وأنت من العلم في علم الله ، إلا بمنزلة ما أصاب هذا الطير من هذا البحر .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين } قال : حتى انتهى .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { مجمع البحرين } قال : بحر فارس والروم ، هما بحر المشرق والمغرب .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس مثله .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي بن كعب في قوله : { مجمع البحرين } قال : أفريقية .

وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله : { مجمع البحرين } قال : طنجة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { مجمع البحرين } قال : الكر والرس ، حيث يصبان في البحر .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { أو أمضي حقباً } قال : دهراً .

60