( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )والحياة المقطوعة الصلة بالله ورحمته الواسعة ، ضنك مهما يكن فيها من سعة ومتاع . إنه ضنك الانقطاع عن الاتصال بالله والاطمئنان إلى حماه . ضنك الحيرة والقلق والشك . ضنك الحرص والحذر : الحرص على ما في اليد والحذر من الفوت . ضنك الجري وراء بارق المطامع والحسرة على كل ما يفوت . وما يشعر القلب بطمأنينة الاستقرار إلا في رحاب الله . وما يحس راحة الثقة إلا وهو مستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها . . إن طمأنينة الإيمان تضاعف الحياة طولا وعرضا وعمقا وسعة ، والحرمان منه شقوة لا تعدلها شقوة الفقر والحرمان .
( ومن أعرض عن ذكري )وانقطع عن الاتصال بي ( فإن له معيشة ضنكا ) . .
( ونحشره يوم القيامة أعمى ) . . وذلك ضلال من نوع ضلاله في الدنيا . وذلك جزاء على إعراضه عن الذكر في الأولى .
{ ومن أعرض عن ذكري } عن الهدى الذاكر لي والداعي إلى عبادتي { فإن له معيشة ضنكا } ضيقا مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وقرىء " ضنكى " كسكرى ، وذلك لأن مجامع همته ومطامح نظره تكون إلى أعراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفا على انقصاها ، بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقو } الآيات ، وقيل هو الضريع والزقوم في النار ، وقيل عذاب القبر { ونحشره } قرىء بسكون الهاء على لفظ الوقف وبالجزم عطفا على محل { فإن له معيشة ضنكا } لأنه جواب الشرط . يوم القيامة أعمى البصر أو القلب ويؤيد الأول .
{ من أعرض } عن ذكر الله وكفر به { فإن له معيشة ضنكاً } والضنك النكد الشاق من العيش أو المنازل أو مواطن الحرب ونحو هذا ، ومنه قول عنترة وإن نزلوا بضنك أنزل{[8172]} ، وصف به الواحد والجمع والمؤنث ، وقرأت فرقة : [ ضنكى ]{[8173]} ، أتبعت بالصفة لفظة " المعيشة " . واختلف الناس في المعيشة الضنك ، متى هو الوقت الذي هي فيه فقالت فرقة : هي الدنيا ، ومعنى ذلك عندهم أن الكافر وإن كان متسع الحال والمال فمعه من الحرص والأمل والتعذيب بأمور الدنيا والرغبة واتساع صفاء العيش بذلك ما يصير معيشيته ضنكا ، وقالت فرقة : هي ضنك بأكل الحرام ، وقالت فرقة : بل المعيشة الضنك هي في البرزخ ، وهو أن يرى مقعده من النار غدوا ورواحا ، وبالجملة عذاب القبر على ما روي فيه . ذلك من وعيد لهم .
ويدل لهذا مقابلة ضده في قوله { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى } ، إذ رتب على الإعراض عن هدي الله اختلال حَاله في الدنيا والآخرة ، فالمعيشة مراد بها مدة المعيشة ، أي مدّة الحياة .
والضنك : مصدر ضَنُك ، من باب كَرُم ضناكة وضنكاً ، ولكونه مصدراً لم يتغيّر لفظه باختلاف موصوفه ، فوصف به هنا { معيشة وهي مؤنث . والضنك : الضيق ، يقال : مكان ضنك ، أي ضيق . ويستعمل مجازاً في عسر الأمور في الحياة ، قال عنترة :
إن يلحقوا أكرُر وإن يستلحموا *** أشدد وإن نَزلوا بضَنْك أنْزِلِ
أي بمنزل ضنك ، أي فيه عسر على نازله . وهو هنا بمعنى عسر الحال من اضطراب البال وتبلبله . والمعنى : أن مجامع همه ومطامح نظره تكون إلى التحيل في إيجاد الأسباب والوسائل لمطالبه ، فهو متهالك على الازدياد خائف على الانتقاص غير ملتفت إلى الكمالات ولا مأنوس بما يسعى إليه من الفضائل ، يجعله الله في تلك الحالة وهو لا يشعر ، وبعضهم يبدو للناس في حالة حسنة ورفاهية عيش ولكن نفسَه غير مطمئنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.