المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (22)

22- فهل تنعكس الحال ، فيكون مَنْ يمشي منكبا على وجهه أهدى في سيره وقصده . أم من يمشي مستوي القامة على طريق لا اعوجاج فيه ؟ !

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (22)

ولقد كانوا - مع هذا - يتهمون النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه بالضلال ؛ ويزعمون لأنفسهم أنهم أهدى سبيلا ! كما يصنع أمثالهم مع الدعاة إلى الله في كل زمان . ومن ثم يصور لهم واقع حالهم وحال المؤمنين في مشهد حي يجسم حقيقة الحال :

( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ? أم من يمشي سويا على صراط مستقيم ? ) . . والذي يمشي مكبا على وجهه إما أن يكون هو الذي يمشي على وجهه فعلا لا على رجليه في استقامة كما خلقه الله ، وإما أن يكون هو الذي يعثر في طريقه فينكب على وجهه ، ثم ينهض ليعثر من جديد ! وهذه كتلك حال بائسة تعاني المشقة والعسر والتعثر ، ولا تنتهي إلى هدى ولا خير ولا وصول ! وأين هي من حال الذي يمشي مستقيما سويا في طريق لا عوج فيه ولا عثرات ، وهدفه أمامه واضح مرسوم ? !

إن الحال الأولى هي حال الشقي المنكود الضال عن طريق الله ، المحروم من هداه ، الذي يصطدم بنواميسه ومخلوقاته ، لأنه يعترضها في سيره ، ويتخذ له مسارا غير مسارها ، وطريقا غير طريقها ، فهو أبدا في تعثر ، وأبدا في عناء ، وأبدا في ضلال .

والحال الثانية هي حال السعيد المجدود المهتدي إلى الله ، الممتع بهداه ، الذي يسير وفق نواميسه في الطريق اللاحب المعمور ، الذي يسلكه موكب الإيمان والحمد والتمجيد . وهو موكب هذا الوجود كله بما فيه من أحياء وأشياء .

إن حياة الإيمان هي اليسر والاستقامة والقصد . وحياة الكفر هي العسر والتعثر والضلال . .

فأيهما أهدى ? وهل الأمر في حاجة إلى جواب ? إنما هو سؤال التقرير والإيجاب !

ويتوارى السؤال والجواب ليتراءى للقلب هذا المشهد الحي الشاخص المتحرك . . مشهد جماعة يمشون على وجوههم ، أو يتعثرون وينكبون على وجوههم لا هدف لهم ولا طريق . ومشهد جماعة أخرى تسير مرتفعة الهامات ، مستقيمة الخطوات ، في طريق مستقيم ، لهدف مرسوم .

إنه تجسيم الحقائق ، وإطلاق الحياة في الصور ، على طريقة القرآن في التعبير بالتصوير . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (22)

{ أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى } يقال كببته فأكب وهو من الغرائب ، كقشع الله السحاب فأقشع ، والتحقيق أنهما من باب أنفض ، بمعنى صار ذا كب وذا قشع ، وليس مطاوعي كب وقشع ، بل المطاوع لهما انكب وانقشع . ومعنى مكبا أنه يعثر كل ساعة ويخر على وجهه ، لو عورة طريقه واختلاف أجزائه ، ولذلك قابله بقوله : { أمن يمشي سويا } قائما سالما من العثار على صراط مستقيم ، مستوي الأجزاء والجهة . والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين ، والدينين بالمسلكين . ولعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك ، للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقا ، كمشي المتعسف في مكان متعاد غير مستو ، وقيل المراد بالمكب الأعمى ، فإنه يتعسف فينكب ، وبالسوي البصير ، وقيل من يمشي مكبا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ، ومن يمشي سويا الذي يحشر على قدميه إلى الجنة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (22)

واختلف أهل التأويل في سبب قوله : { أفمن يمشي مكباً } الآية ، فقال جماعة من رواة الأسباب : نزلت مثلاً لأبي جهل بن هشام وحمزة بن عبد المطلب ، وقال ابن عباس وابن الكلبي وغيره : نزلت مثلا لأبي جهل بن هشام ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد والضحاك : نزلت مثالاً للمؤمنين والكافرين على العموم ، وقال قتادة : نزلت مخبرة عن حال القيامة ، وإن الكفار يمشون فيها على وجوههم ، والمؤمنون يمشون على استقامة ، وقيل للنبي : كيف يمشي الكافر على وجهه ؟ قال : «إن الذي أمشاه في الدنيا على رجله ، قادر على أن يمشيه في الآخرة على وجهه »{[11221]} .

قال القاضي أبو محمد : فوقف الكفار على هاتين الحالتين حينئذ ، ففي الأقوال الثلاثة المشي مجاز يتخيل ، وفي القول الرابع هو حقيقة يقع يوم القيامة . ويقال : أكب الرجل ، إذا رد وجهه إلى الأرض ، وكبه : غيره ، قال عليه السلام : «وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم »{[11222]} ، فهذا الفعل خلاف للباب : أفعل لا يتعدى وفعل يتعدى ، ونظيره قشعت الريح السحاب فأقشع ، و { أهدى } في هذه الآية أفعل من الهدى .


[11221]:أخرجه البخاري في الرقاق وفي تفسير سورة الفرقان، ومسلم في المنافقين، والترمذي في تفسير سورة الإسراء، وأحمد في مسنده (2/354، 363). ولفظه كما في البخاري عن قتادة: حدثنا أنس بن مالك رضي اله عنه أن رجلا قال: يا نبي الله، يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال : (أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة)؟ قال قتادة: بلى وعزة ربنا.
[11222]:أخرجه البخاري في الإيمان والزكاة والمناقب والأحكام، ومسلم في الإيمان والمساجد والزكاة، وأبو داود في السنة، والترمذي في الديات والإيمان، والنسائي في الإيمان، وابن ماجه في الفتن، والدارمي في السير، وأحمد في مواضع كثيرة من مسنده، منها (5/231)، ولفظه كما ف مسند أحمد عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا نبي الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ قوله تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) حتى بلغ (يعملون)، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فقلت له: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه فقال: كف عليك هذا، فقلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب على وجوههم في النار – أو قال على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟.