وبعد تقرير تلك الكليات الأساسية في التصور الإسلامي ؛ وتقرير الاتجاه إلى الله وحده بالعبادة والاستعانة . . يبدأ في التطبيق العملي لها بالتوجه إلى الله بالدعاء على صورة كلية تناسب جو السورة وطبيعتها : ( اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) . .
( اهدنا الصراط المستقيم ) . . وفقنا إلى معرفة الطريق المستقيم الواصل ؛ ووفقنا للاستقامة عليه بعد معرفته . . فالمعرفة والاستقامة كلتاهما ثمرة لهداية الله ورعايته ورحمته . والتوجه إلى الله في هذا الأمر هو ثمرة الاعتقاد بأنه وحده المعين . وهذا الأمر هو أعظم وأول ما يطلب المؤمن من ربه العون فيه . فالهداية إلى الطريق المستقيم هي ضمان السعادة في الدنيا والآخرة عن يقين . . وهي في حقيقتها هداية فطرة الإنسان إلى ناموس الله الذي ينسق بين حركة الإنسان وحركة الوجود كله في الاتجاه إلى الله رب العالمين .
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }
قراءة الجمهور بالصاد . وقرئ : " السراط " وقرئ بالزاي ، قال الفراء : وهي لغة بني عذرة وبلقين{[937]} وبني كلب .
لما تقدم الثناء على المسؤول ، تبارك وتعالى ، ناسب أن يعقب بالسؤال ؛ كما قال : " فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل " وهذا أكمل أحوال السائل ، أن يمدح مسؤوله ، ثم يسأل حاجته [ وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله : { اهدنا } ]{[938]} ، لأنه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة ، ولهذا أرشد الله تعالى إليه لأنه الأكمل ، وقد يكون السؤال بالإخبار عن حال السائل واحتياجه ، كما قال موسى عليه السلام : { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [ القصص : 24 ] وقد يتقدمه مع ذلك وصف المسؤول ، كقول ذي النون : { لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] وقد يكون بمجرد الثناء على المسؤول ، كقول الشاعر :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني *** حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما *** كفاه من تعرضه الثناء
والهداية هاهنا : الإرشاد والتوفيق ، وقد تعدى الهداية بنفسها كما هنا{[939]} { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } فتضمن معنى ألهمنا ، أو وفقنا ، أو ارزقنا ، أو اعطنا ؛ { وهديناه النجدين } [ البلد : 10 ] أي : بينا له الخير والشر ، وقد تعدى بإلى ، كقوله تعالى : { اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ النحل : 121 ] { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } [ الصافات : 23 ] وذلك بمعنى الإرشاد والدلالة ، وكذلك قوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] وقد تعدى باللام ، كقول أهل الجنة : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } [ الأعراف : 43 ] أي وفقنا لهذا وجعلنا له أهلا{[940]} . وأما الصراط المستقيم ، فقال الإمام أبو جعفر بن جرير : أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعًا على أن " الصراط المستقيم " هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه .
وكذلك ذلك في لغة جميع العرب ، فمن ذلك قول جرير بن عطية الخَطَفي :
أميرُ المؤمنين على صِراطٍ *** إذا اعوج الموارِدُ مُسْتَقيمِ
قال : والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر ، قال : ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله في كل قول وعمل ، وصف باستقامة أو اعوجاج ، فتصف المستقيم باستقامته ، والمعوج باعوجاجه .
ثم اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في تفسير الصراط ، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد ، وهو المتابعة لله وللرسول ؛ فروي أنه كتاب الله ، قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني يحيى بن يمان ، عن حمزة الزيات ، عن سعد ، وهو أبو{[941]} المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث الأعور ، عن الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الصراط المستقيم كتاب الله »{[942]} . وكذلك رواه ابن جرير ، من حديث حمزة بن حبيب الزيات ، وقد [ تقدم في فضائل القرآن فيما ]{[943]} رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث الأعور ، عن علي مرفوعا : " وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم " {[944]} .
وقد روي هذا موقوفا عن علي ، وهو أشبه{[945]} ، والله أعلم .
وقال الثوري ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : الصراط المستقيم . كتاب الله ، وقيل : هو الإسلام . وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قال جبريل لمحمد ، عليهما السلام : قل : يا محمد ، اهدنا الصراط المستقيم . يقول : اهدنا{[946]} الطريق الهادي ، وهو دين الله الذي لا عوج فيه .
وقال ميمون بن مِهْرَان ، عن ابن عباس ، في قوله : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } قال : ذاك الإسلام . وقال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } قالوا : هو الإسلام . وقال عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } قال : الإسلام ، قال : هو أوسع مما بين السماء والأرض . وقال ابن الحنفية في قوله تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } قال هو دين الله ، الذي لا يقبل من العباد غيره . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : اهدنا الصراط المستقيم ، قال : هو الإسلام .
وفي [ معنى ]{[947]} هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، حيث قال : حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء ، حدثنا ليث يعني ابن سعد ، عن معاوية بن صالح : أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، حدثه عن أبيه ، عن النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ضرب الله مثلا صراطًا مستقيما ، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ، ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب ، قال : ويحك ، لا تفتحه ؛ فإنك إن تفتحه تلجه . فالصراط الإسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم » .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير من حديث الليث بن سعد به{[948]} . ورواه الترمذي والنسائي جميعا ، عن علي بن حجر عن بقية ، عن بُجَيْر{[949]} بن سعد ، عن خالد بن مَعْدَان ، عن جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان ، به{[950]} .
وقال مجاهد : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } ، قال : الحق . وهذا أشمل ، ولا منافاة بينه وبين ما تقدم .
وروى ابن أبي حاتم وابن جرير ، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم ؛ حدثنا حمزة بن المغيرة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } قال : هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاحباه من بعده ، قال عاصم : فذكرنا ذلك للحسن ، فقال : صدق أبو العالية ونصح .
وكل هذه الأقوال صحيحة ، وهي متلازمة ، فإن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم ، واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر ، فقد اتبع الحق ، ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام ، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن ، وهو كتاب الله وحبله المتين ، وصراطه المستقيم ، فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا ، ولله الحمد .
وقال الطبراني : حدثنا محمد بن الفضل السقطي ، حدثنا إبراهيم بن مهدي المِصِّيصي ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم{[951]} . ولهذا قال الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله : والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي - أعني { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } - أن يكون معنيًا به : وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له مَنْ أنعمت عليه مِنْ عبادك ، من قول وعمل ، وذلك هو الصراط المستقيم ؛ لأن مَن وفق لما وُفق له من أنعم الله عليهم{[952]} مِن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، فقد وُفق للإسلام ، وتصديق الرسل ، والتمسك بالكتاب ، والعمل بما أمره الله به ، والانزجار عما زجره عنه ، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهاج الخلفاء الأربعة ، وكل عبد صالح ، وكل ذلك من الصراط المستقيم .
فإن قيل : كيف{[953]} يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها ، وهو متصف بذلك ؟ فهل{[954]} هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا ؟
فالجواب : أن لا ولولا احتياجه ليلا ونهارًا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك ؛ فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ، ورسوخه فيها ، وتبصره ، وازدياده منها ، واستمراره عليها ، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق ، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله ؛ فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه ، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار ، وقد قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ } الآية [ النساء : 136 ] ، فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان ، وليس في ذلك تحصيل الحاصل ؛ لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك ، والله أعلم .
وقال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا : { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } وقد كان الصدِّيق رضي الله عنه يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرًا . فمعنى قوله تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } استمر بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره .
{ اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }
قال أبو جعفر : ومعنى قوله : ( اهْدِنا الصّرَاطَ المُسْتَقِيم ) في هذا الموضع عندنا : وَفّقنا للثبات عليه ، كما رُوي ذلك عن ابن عباس .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس قال : قال جبريل لمحمد : «قل يا محمد اهدنا الصراط المستقيم » ، يقول : ألهمنا الطريق الهادي .
وإلهامه إياه ذلك هو توفيقه له كالذي قلنا في تأويله . ومعناه نظير معنى قوله : ( إيّاكَ نَسْتَعِينُ ) في أنه مسألة العبد ربه التوفيق للثبات على العمل بطاعته ، وإصابة الحقّ والصواب فيما أمره به ، ونهاه عنه فيما يستقبل من عمره دون ما قد مضى من أعماله ، وتقضى فيما سلف من عمره ، كما في قوله : ( إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) مسألة منه ربه المعونة على أداء ما قد كلفه من طاعته فيما بقي من عمره . فكان معنى الكلام : اللهم إياك نعبد وحدك لا شريك لك ، مخلصين لك العبادة دون ما سواك من الاَلهة والأوثان ، فأعنا على عبادتك ، ووفقنا لما وفقت له من أنعمت عليه من أنبيائك وأهل طاعتك من السبيل والمنهاج .
فإن قال قائل : وأنّي وجدت الهداية في كلام العرب بمعنى التوفيق ؟ قيل له : ذلك في كلامها أكثر وأظهر من أن يحصى عدد ما جاء عنهم في ذلك من الشواهد ، فمن ذلك قول الشاعر :
لا تَحْرِمَنّي هَدَاكَ اللّهُ مَسألتي *** ولا أكُونَنْ كمَنْ أوْدَى بِهِ السّفَرُ
يعني به : وفقك الله لقضاء حاجتي . ومنه قول الاَخر :
وَلا تُعْجِلَنّي هَدَاكَ المَلِيكُ *** *** فإنّ لِكُلّ مَقامٍ مَقالاَ
فمعلوم أنه إنما أراد : وفقك الله لإصابة الحقّ في أمري . ومنه قول الله جل ثناؤه : ( واللّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ ) في غير آيَةٍ من تنزيله . وقد علم بذلك أنه لم يعن أنه لا يبين للظالمين الواجب عليهم من فرائضه . وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه ، وقد عمّ بالبيان جميع المكلفين من خلقه ؟ ولكنه عنى جلّ وعز ، أنه لا يوفقهم ، ولا يشرح للحق والإيمان صدورهم .
وقد زعم بعضهم أن تأويل قوله : ( اهْدِنا ) زدنا هداية . وليس يخلو هذا القول من أحد أمرين : إما أن يكون قائله قد ظنّ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمسألة ربه الزيادة في البيان ، أو الزيادة في المعونة والتوفيق . فإن كان ظن أنه أمر بمسألة الزيادة في البيان فذلك ما لا وجه له ، لأن الله جل ثناؤه لا يكلف عبدا فرضا من فرائضه إلا بعد تبيينه له وإقامة الحجة عليه به . ولو كان معنى ذلك معنى مسألته البيان ، لكان قد أمر أن يدعو ربه أن يبين له ما فرض عليه ، وذلك من الدعاء خلْف لأنه لا يفرض فرضا إلا مبينا لمن فرضه عليه ، أو يكون أمر أن يدعو ربه أن يفرض عليه الفرائض التي لم يفرضها . وفي فساد وجه مسألة العبد ربه ذلك ما يوضح عن أن معنى : ( اهْدِنا الصّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) غير معنى بين لنا فرائضك وحدودك ، أو يكون ظن أنه أمر بمسألة ربه الزيادة في المعونة والتوفيق . فإن كان ذلك كذلك ، فلن تخلو مسألته تلك الزيادة من أن تكون مسألة للزيادة في المعونة على ما قد مضى من عمله ، أو على ما يحدث . وفي ارتفاع حاجة العبد إلى المعونة على ما قد تَقَضّى من عمله ما يعلم أن معنى مسألة تلك الزيادة إنما هو مسألته الزيادة لما يحدث من عمله . وإذا كان ذلك كذلك صار الأمر إلى ما وصفنا وقلنا في ذلك من أنه مسألة العبد ربه التوفيق لأداء ما كلف من فرائضه فيما يستقبل من عمره . وفي صحة ذلك فساد قول أهل القدر الزاعمين أن كل مأمور بأمر أو مكلف فرضا ، فقد أعطي من المعونة عليه ما قد ارتفعت معه في ذلك الفرض حاجته إلى ربه لأنه لو كان الأمر على ما قالوا في ذلك لبطل معنى قول الله جل ثناؤه : ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنا الصّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) وفي صحة معنى ذلك على ما بينا فسادُ قولهم .
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله : ( اهْدِنا الصّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) : أَسْلِكْنا طريق الجنة في المعاد ، أي قدمنا له وامض بنا إليه ، كما قال جل ثناؤه : ( فاهْدُوهُمْ إلى صِرَاطِ الجَحِيمِ ) أي أدخلوهم النار كما تُهدى المرأة إلى زوجها ، يعني بذلك أنها تدخل إليه ، وكما تُهدى الهدية إلى الرجل ، وكما تَهْدِي الساقَ القدمُ نظير قول طرفة بن العبد :
لَعِبَتْ بَعْدِي السّيُولُ بِهِ *** وجَرَى في رَوْنَقٍ رِهَمُهْ
للفَتى عَقْلٌ يَعِيش بِه *** *** حَيْثُ تَهْدِي ساقَهُ قَدَمُهُ
أي ترد به الموارد . وفي قول الله جل ثناؤه : ( إيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) ما ينبىء عن خطأ هذا التأويل مع شهادة الحجة من المفسرين على تخطئته وذلك أن جميع المفسرين من الصحابة والتابعين مجمعون على أن معنى «الصراط » في هذا الموضع غير المعنى الذي تأوله قائل هذا القول ، وأن قوله : ( إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) مسألة العبد ربه المعونة على عبادته ، فكذلك قوله «اهدنا » ، إنما هو مسألة الثبات على الهدى فيما بقي من عمره . والعرب تقول : هديت فلانا الطريق ، وهديته للطريق ، وهديته إلى الطريق : إذا أرشدته إليه وسددته له . وبكل ذلك جاء القرآن ، قال الله جل ثناؤه : ( وقالُوا الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانَا لَهَذَا ) وقال في موضع آخر : ( اجْتبَاهُ وَهَدَاهُ إلى صِرَاطٍ مسْتَقِيمٍ ) وقال : ( اهْدِنا الصّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) وكل ذلك فاشٍ في منطقها موجود في كلامها ، من ذلك قول الشاعر :
أسْتَغْفِرُ اللّهَ ذَنْبا لَسْتُ مُحْصِيَهُ *** *** رَبّ العِبادِ إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ
يريد : أستغفر الله لذنب ، كما قال جل ثناؤه : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) ومنه قول نابغة بني ذبيان :
فَيَصِيدُنا العَيَر المُدِلّ بِحُضْرِهِ *** *** قَبْلَ الوَنى والأشْعَب النّبّاحا
يريد : فيصيد لنا . وذلك كثير في أشعارهم وكلامهم ، وفيما ذكرنا منه كفاية .
القول في تأويل قوله تعالى : الصّرَاطَ المُسْتَقِيمَ .
قال أبو جعفر : أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه . وكذلك ذلك في لغة جميع العرب فمن ذلك قول جرير بن عطية الخطفي :
أمِيرُ المُؤْمِنِينَ على صِرَاطِ *** إذا اعْوَجّ المَوَارِدُ مُسْتَقِيمِ
يريد على طريق الحقّ . ومنه قول الهذلي أبي ذؤيب :
صَبَحْنا أرضَهُمْ بالخَيْلِ حتّى *** تَرْكْناها أدَقّ مِنَ الصّرَاطِ
*** *** فَصُدّ عَنْ نَهْجِ الصّرَاطِ القَاصِدِ
والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى ، وفيما ذكرنا غنى عما تركنا . ثم تستعير العرب الصراط فتستعلمه في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج ، فتصف المستقيم باستقامته ، والمعوجّ باعوجاجه .
والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي ، أعني : ( اهْدِنا الصّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) أن يكونا معنيا به : وَفّقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقتَ له من أنعمتَ عليه من عبادك ، من قول وعمل . وذلك هو الصراط المستقيم ، لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء ، فقد وفق للإسلام ، وتصديق الرسل ، والتمسك بالكتاب ، والعمل بما أمر الله به ، والانزجار عما زجره عنه ، واتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهاج أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ، وكل عبد لله صالح . وكل ذلك من الصراط المستقيم .
وقد اختلفت تراجمة القرآن في المعنى بالصراط المستقيم ، يشمل معاني جميعهم في ذلك ما اخترنا من التأويل فيه .
ومما قالته في ذلك ، ما رُوي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وذَكَرَ القُرآنَ فَقَال : «هُوَ الصّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ » .
حدثنا بذلك موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : حدثنا حسين الجعفي ، عن حمزة الزيات ، عن أبي المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث ، عن الحارث ، عن عليّ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وحدثنا عن إسماعيل بن أبي كريمة ، قال : حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي سنان ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن الحارث ، عن عليّ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا حمزة الزيات ، عن أبي المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث الأعور ، عن الحارث ، عن عليّ ، قال : «الصّرَاطُ المُسْتَقِيمُ كِتابُ اللّهِ تَعالى » .
حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ح . وحدثنا محمد بن حميد الرازي ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور عن أبي وائل ، قال : قال عبد الله : «الصراط المستقيم كتاب الله » .
حدثني محمود بن خداش الطالقاني ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، قال : حدثنا عليّ والحسن ابنا صالح جميعا ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله . اهدنا الصراط المستقيم قال : الإسلام ، قال : هو أوسع مما بين السماء والأرض .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمار ، قال : حدثنا أبو روق عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : قال جبريل لمحمد : قل يا محمد : اهدنا الصراط المستقيم ، يقول ألهمنا الطريق الهادي وهو دين الله الذي لا عوج له .
وحدثنا موسى بن سهل الرازي ، قال : حدثنا يحيى بن عوف ، عن الفرات بن السائب ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس في قوله : ( اهْدِنا الصرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) قال : ذلك الإسلام .
وحدثني محمود بن خداش ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي ، عن إسماعيل الأزرق ، عن أبي عمر البزار ، عن ابن الحنفية في قوله : ( اهْدِنا الصّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) قال : هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره .
وحدثني موسى بن هارون الهمداني ، قال : حدثنا عمرو بن طلحة القناد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( اهْدِنا الصْرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) قال : هو الإسلام .
وحدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس في قوله : ( اهْدِنا الصرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) قال : الطريق .
حدثنا عبد الله بن كثير أبو صديف الاَملي ، قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، قال : حدثنا حمزة بن أبي المغيرة ، عن عاصم ، عن أبي العالية في قوله : ( اهْدِنَا الصّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) قال : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده : أبو بكر وعمر . قال : فذكرت ذلك للحسن ، فقال : صدق أبو العالية ونصح .
وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم : ( اهْدِنا الصّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) قال : الإسلام .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، أن عبد الرحمن بن جبير ، حدثه عن أبيه ، عن نواس بن سمعان الأنصاري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ضَرَبَ اللّه مَثَلاً صرَاطا مُسْتَقِيما » . وَالصّرَاطُ : الإسْلامُ .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا الليث عن معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه عن نواس بن سمعان الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله .
قال أبو جعفر : وإنما وصفه الله بالاستقامة ، لأنه صواب لا خطأ فيه . وقد زعم بعض أهل الغباء أنه سماه مستقيما لاستقامته بأهله إلى الجنة ، وذلك تأويلٌ لتأويل جميع أهل التفسير خلاف ، وكفى بإجماع جميعهم على خلافه دليلاً على خطئه .
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ( 6 )
وقوله تعالى : { اهدنا } رغبة لأنها من المربوب إلى الرب ، وهكذا صيغة الأمر كلها ، فإذا كانت من الأعلى فهي أمر ، والهداية في اللغة الإرشاد( {[74]} ) ، لكنها تتصرف على وجوه يعبرعنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد ، وكلها إذا تؤملت رجعت إلى الإرشاد ، فالهدى يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ، ومنه قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم }( {[75]} ) [ البقرة : 5 ] وقوله تعالى : { والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }( {[76]} ) [ يونس : 25 ] وقوله تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء }( {[77]} ) [ القصص : 56 ] وقوله تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام }( {[78]} ) [ الأنعام : 125 ] .
قال أبو المعالي : فهذه آية لا يتجه حملها إلا على خلق الإيمان في القلب ، وهو محض الإرشاد .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وقد جاء الهدى بمعنى الدعاء ، من ذلك قوله تعالى : { ولكل قوم هاد }( {[79]} ) [ الرعد : 7 ] أي داع وقوله تعالى : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }( {[80]} ) [ الشورى : 52 ] وهذا أيضاً يبين فيه الإرشاد ، لأنه ابتداء إرشاد ، أجاب المدعو أو لم يجب ، وقد جاء بمعنى الإلهام ، من ذلك قوله تعالى : { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى }( {[81]} ) [ طه : 5 ] .
قال المفسرون : معناه «ألهم الحيوانات كلها إلى منافعها » .
وهذا أيضاً بين فيه معنى الإرشاد ، وقد جاء الهدى بمعنى البيان ، من ذلك قوله تعالى : { وأما ثمود فهديناهم }( {[82]} ) [ فصلت : 17 ] .
قال المفسرون : «معناه بينا لهم » . قال أبو المعالي : معناه دعوناهم ومن ذلك قوله تعالى : { إن علينا للهدى }( {[83]} ) [ الليل : 12 ] أي علينا أن نبين ، وفي هذا كله معنى الإرشاد .
قال أبو المعالي : وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها ، من ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين : { فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم }( {[84]} ) [ محمد :5 ] ومنه قوله تعالى : { فاهدوهم إلى صراط الجحيم }( {[85]} ) [ الصافات : 23 ] معناه فاسلكوهم إليها .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذه الهداية بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا ، وهي ضد الضلال وهي الواقعة في قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } على صحيح التأويل ، وذلك بين من لفظ { الصراط } ، والهدى لفظ مؤنث ، وقال اللحياني : «هو مذكر » قال ابن سيده( {[86]} ) : «والهدى اسم من أسماء النهار »( {[87]} ) قال ابن مقبل : [ البسيط ] .
حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة . . . يخشعن في الآل غلفاً أو يصلينا( {[88]} )
و { الصراط } في اللغة الطريق الواضح فمن ذلك قول جرير : [ الوافر ] .
أمير المؤمنين على صراط . . . إذ اعوج الموارد مستقيم( {[89]} )
ومنه قول الآخر : فصد عن نهج الصراط الواضح( {[90]} ) .
وحكى النقاش : «الصراط الطريق بلغة الروم » .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف جداً . واختلف القراء في { الصراط } فقرأ ابن كثير وجماعة من العلماء : «السراط » بالسين ، وهذا هو أصل اللفظة .
قال الفارسي : «ورويت عن ابن كثير بالصاد » . وقرأ باقي السبعة غير حمزة بصاد خالصة وهذا بدل السين بالصاد لتناسبها مع الطاء في الإطباق فيحسنان في السمع( {[91]} ) ، وحكاها سيبويه لغة .
قال أبو علي : روي عن أبي عمرو السين والصاد ، والمضارعة بين الصاد والزاي ، رواه عنه العريان بن أبي سفيان . وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأها بزاي خالصة .
قال بعض اللغويين : «ما حكاه الأصمعي من هذه القراءة خطأ منه ، إنما سمع أبا عمرو يقرأ بالمضارعة فتوهمها زاياً ، ولم يكن الأصمعي نحوياً فيؤمن على هذا » .
قال القاضي أبو محمد : وحكى هذا الكلام أبو علي عن أبي بكر بن مجاهد . وقرأ حمزة بين الصاد والزاي . وروي أيضاً عنه أنه إنما يلتزم ذلك في المعرفة دون النكرة .
قال ابن مجاهد : «وهذه القراءة تكلف حرف بين حرفين ، وذلك أصعب على اللسان ، وليس بحرف يبنى عليه الكلام ولا هو من حروف المعجم ، ولست أدفع أنه من كلام فصحاء العرب ، إلا أن الصاد أفصح وأوسع » .
وقرأ الحسن والضحاك : «اهدنا صراطاً مستقيماً »( {[92]} ) دون تعريف وقرأ جعفر بن محمد الصادق : «اهدنا صراطَ المستقيم » بالإضافة وقرأ ثابت البناني : «بصرنا الصراط » .
واختلف المفسرون في المعنى الذي استعير له { الصراط } في هذا الموضع وما المراد به ، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «{ الصراط المستقيم } هنا القرآن » وقال جابر : «هو الإسلام يعني الحنيفية( {[93]} ) . وقال : سعته ما بين السماء والأرض . وقال محمد بن الحنفية : «هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره » وقال أبو العالية( {[94]} ) : «هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر »( {[95]} ) . وذكر ذلك للحسن بن أبي الحسن ، فقال : صدق أبو العالية ونصح .
قال القاضي أبو محمد : ويجتمع من هذه الأقوال كلها أن الدعوة إنما هي في أن يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين في معتقداته ، وفي التزامه لأحكام شرعه ، وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام ، وهو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه( {[96]} ) ، وهذا الدعاء إنما أمر به المؤمنون وعندهم المعتقدات وعند كل واحد بعض الأعمال ، فمعنى قولهم { اهدنا } فيما هو حاصل عندهم طلب التثبيت والدوام ، وفيما ليس بحاصل إما من جهة الجهل به أو التقصير في المحافظة عليه طلب الإرشاد إليه . وأقول إن كل داع فإنما يريد { الصراط } بكماله في أقواله وأفعاله ومعتقداته ، فيحسن على هذا أن يدعو في الصراط على الكمال من عنده بعضه ولا يتجه أن يراد ب { اهدنا } في هذه الآية اخلق الإيمان في قلوبنا ، لأنها هداية مقيدة إلى صراط ولا أن يراد بها ادعنا ، وسائر وجوه الهداية يتجه ، و { الصراط } نصب على المفعول الثاني ، و { المستقيم } الذي لا عوج فيه ولا انحراف ، والمراد أنه استقام على الحق وإلى غاية الفلاح ، ودخول الجنة ، وإعلال { مستقيم } أن أصله مستقوم نقلت الحركة إلى القاف وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها .