المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (106)

106- ولقد طلبوا منك - يا محمد - أن تأتيهم بالمعجزات التي جاءهم بها موسى وأنبياء بني إسرائيل ، وحسبنا أننا أيدناك بالقرآن ، وأننا إذا تركنا تأييد نبي متأخر بمعجزة كانت لنبي سابق ، أو أنسينا الناس أثر هذه المعجزة فإننا نأتي على يديه بخير منها أو مثلها في الدلالة على صدقه ، فالله على كل شيء قدير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (106)

104

وليس أعظم من نعمة النبوة والرسالة ؛ وليس أعظم من نعمة الإيمان والدعوة إليه . وفي هذا التلميح ما يستجيش في قلوب الذين آمنوا الشعور بضخامة العطاء وجزالة الفضل ، وفي التقرير الذي سبقه عما يضمره الذين كفروا للذين آمنوا ما يستجيش الشعور بالحذر والحرص الشديد . . وهذا الشعور وذاك ضروريان للوقوف في وجه حملة البلبلة والتشكيك التي قادها - ويقودها - اليهود ، لتوهين العقيدة في نفوس المؤمنين ، وهي الخير الضخم الذي ينفسونه على المسلمين !

وكانت الحملة - كما أسلفنا - تتعلق بنسخ بعض الأوامر والتكاليف . وبخاصة عند تحويل القبلة إلى الكعبة . الأمر الذي أبطل حجتهم على المسلمين :

( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) . .

وسواء كانت المناسبة هي مناسبة تحويل القبلة - كما يدل سياق هذه الآيات وما بعدها - أم كانت مناسبة أخرى من تعديل بعض الأوامر والتشريعات والتكاليف ، التي كانت تتابع نمو الجماعة المسلمة ، وأحوالها المتطورة . أم كانت خاصة بتعديل بعض الأحكام التي وردت في التوراة مع تصديق القرآن في عمومه للتوراة . . سواء كانت هذه أم هذه أم هذه ، أم هي جميعا المناسبة التي اتخذها اليهود ذريعة للتشكيك في صلب العقيدة . . فإن القرآن يبين هنا بيانا حاسما في شأن النسخ والتعديل ؛ وفي القضاء على تلك الشبهات التي أثارتها يهود ، على عادتها وخطتها في محاربة هذه العقيدة بشتى الأساليب .

فالتعديل الجزئي وفق مقتضيات الأحوال - في فترة الرسالة - هو لصالح البشرية ، ولتحقيق خير أكبر تقتضيه أطوار حياتها . والله خالق الناس ، ومرسل الرسل ، ومنزل الآيات ، هو الذي يقدر هذا . فإذا نسخ آية القاها في عالم النسيان - سواء كانت آية مقروءة تشتمل حكما من الأحكام ، أو آية بمعنى علامة وخارقة تجيء لمناسبة حاضرة وتطوى كالمعجزات المادية التي جاء بها الرسل - فإنه يأتي بخير منها أو مثلها ! ولا يعجزه شيء ، وهو مالك كل شيء ، وصاحب الأمر كله في السماوات وفي الأرض . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (106)

قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } ما نبدل من آية .

وقال ابن جُرَيج ، عن مجاهد : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } أي : ما نمح من آية .

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } قال : نثبت خطها ونبدل حكمها . حَدَّث به عن أصحاب عبد الله بن مسعود .

وقال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي العالية ، ومحمد بن كعب القرظي ، نحو ذلك .

وقال الضحاك : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } ما نُنْسِكَ . وقال عطاء : أما { مَا نَنْسَخْ } فما نترك{[2484]} من القرآن . وقال ابن أبي حاتم : يعني : تُرِكَ فلم ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال السدي : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } نسخها : قبضها . وقال ابن أبي حاتم : يعني : قبضها : رفعها ، مثل قوله : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة . وقوله : " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثًا " .

وقال ابن جرير : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } ما ينقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره ، وذلك أن يُحوَّل الحلالُ حرامًا والحرام حلالا والمباح محظورًا ، والمحظور مباحًا . ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة . فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ . وأصل النسخ من نسخ الكتاب ، وهو نقله من نسخة أخرى إلى غيرها ، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره ، إنما هو تحويله ونقل عبَادَة إلى غيرها . وسواء نسخ حكمها أو خطها ، إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة . وأما علماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد النسخ ، والأمر في ذلك قريب ؛ لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء ولخَّص{[2485]} بعضهم أنه رفع الحكم بدليل شرعي متأخر . فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل ، وعكسه ، والنسخ لا إلى بدل . وأما تفاصيل أحكام النسخ وذكر أنواعه وشروطه فمبسوط في فَنِّ أصول الفقه .

وقال الطبراني : حدثنا أبو شبيل{[2486]} عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد ، حدثنا أبي ، حدثنا العباس بن الفضل ، عن سليمان بن أرقم ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرآن بها ، فقاما ذات ليلة يصليان ، فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها مما نسخ وأنسي ، فالهوا عنها " . فكان الزهري يقرؤها : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا }{[2487]} بضم النون خفيفة{[2488]} . سليمان بن أرقم ضعيف .

[ وقد روى أبو بكر بن الأنباري ، عن أبيه ، عن نصر بن داود ، عن أبي عبيد ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن يونس وعبيد وعقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف مثله مرفوعًا ، ذكره القرطبي{[2489]} ]{[2490]} .

وقوله تعالى : { أَوْ نُنْسِهَا }{[2491]} فقرئ على وجهين : " ننسأها ونُنْسها " . فأما من قرأها : " نَنسأها " - بفتح النون والهمزة بعد السين - فمعناه : نؤخرها . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسئهَا } يقول : ما نبدل من آية ، أو نتركها لا نبدلها .

وقال مجاهد عن أصحاب ابن مسعود : { أَوْ نُنسِئَهَا } نثبت خطها ونبدل حكمها . وقال{[2492]} عبيد بن عمير ، ومجاهد ، وعطاء : { أَوْ نُنسِئَهَا } نؤخرها ونرجئها . وقال عطية العوفي : { أَوْ نُنسِئَهَا } نؤخرها فلا ننسخها . وقال السدي مثله أيضا ، وكذا [ قال ]{[2493]} الربيع بن أنس . وقال الضحاك : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِئَهَا } يعني : الناسخ من المنسوخ . وقال أبو العالية : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِئَهَا } أي : نؤخرها عندنا .

وقال ابن حاتم : حدثنا عبيد الله بن إسماعيل البغدادي ، حدثنا خلف ، حدثنا الخفاف ، عن إسماعيل - يعني ابن مسلم - عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :

خطبنا عمر ، رضي الله عنه ، فقال : يقول الله عز وجل : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا } أي : نؤخرها .

وأما على قراءة : { أَوْ نُنْسِهَا } فقال عبد الرزاق ، عن قتادة في قوله : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا } قال : كان الله تعالى ينسي نبيه ما يشاء وينسخ ما يشاء .

وقال ابن جرير : حدثنا سواد{[2494]} بن عبد الله ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا عوف ، عن الحسن أنه قال في قوله : { أَوْ نُنْسِهَا }{[2495]} قال : إن نبيكم صلى الله عليه وسلم أقرئ قرآنا ثم نسيه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نُفَيل ، حدثنا محمد بن الزبير الحراني ، عن الحجاج - يعني الجزري{[2496]} - عن عِكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار ، فأنزل الله ، عز وجل : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }

قال أبو حاتم : قال لي أبو جعفر بن نفيل : ليس هو الحجاج بن أرطاة ، هو شيخ لنا جَزَري .

وقال عبيد بن عمير : { أَوْ نُنْسِهَا } نرفعها من عندكم .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هُشَيْم ، عن يعلى بن عطاء ، عن القاسم بن ربيعة قال : سمعت سعد بن أبي وقاص يقرأ : " ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَو تَنْسَهَا " قال : قلت له : فإن سعيد بن المسيَّب يقرأ : " أَو تُنْسَأها " . قال : فقال{[2497]} سعد : إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا على آل المسيب ، قال الله ، جل ثناؤه : { سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى } [ الأعلى : 6 ]{ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [ الكهف : 24 ]{[2498]} .

وكذا رواه عبد الرزاق ، عن هشيم{[2499]} وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث أبي حاتم الرازي ، عن آدم ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، به . وقال : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .

قال ابن أبي حاتم : وروي عن محمد بن كعب ، وقتادة وعكرمة ، نحو قول سعيد .

وقال الإمام أحمد : أخبرنا يحيى ، حدثنا سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال عمر : عليٌّ أقضانا ، وأُبيٌّ أقرؤنا ، وإنا لندع بعض ما يقول أُبيُّ ، وأبيّ يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فلن أدعه لشيء . والله يقول : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِئَها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } .

قال البخاري : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال عمر : أقرؤنا أُبيٌّ ، وأقضانا علي ، وإنا لندع من قول أبيّ ، وذلك أن

أبيا يقول : لا أدع شيئًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد قال الله : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا }{[2500]}

وقوله : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } أي : في الحكم بالنسبة إلى مصلحة المكلفين ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا } يقول : خير لكم في المنفعة ، وأرفق بكم .

وقال أبو العالية : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } فلا نعمل بها ، { أَوْ نُنسئهَا } أي : نرجئها{[2501]} عندنا ، نأت بها أو نظيرها .

وقال السدي : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } يقول : نأت بخير من الذي نسخناه ، أو مثل الذي تركناه .

وقال قتادة : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } يقول : آية فيها تخفيف ، فيها رخصة ، فيها أمر ، فيها نهي .

107


[2484]:في أ: "فما ترك".
[2485]:في ط: "ويخص".
[2486]:في هـ: "أبو سنبل" وهو خطأ.
[2487]:في ط: "أو ننسيها".
[2488]:المعجم الكبير (12/288).
[2489]:ورواه الطحاوى في مشكل الآثار برقم (2034) من طريق ابن وهب، عن يونس عن ابن شهاب، عن أبي أمامة به، وبرقم (2035) من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن أبي أمامة به.
[2490]:زيادة من جـ، ط.
[2491]:في ط، ب، أ: "أو ننساها".
[2492]:في جـ، ط، أ: "وكما قال".
[2493]:زيادة من أ.
[2494]:في جـ، ط، ب، أ، و: "حدثنا سوار".
[2495]:في جـ، ب، أ: "أو ننسئها".
[2496]:في جـ: "الجوزي".
[2497]:في جـ: "فقال قال".
[2498]:تفسير الطبري (2/475).
[2499]:تفسير عبد الرزاق (1/75).
[2500]:صحيح البخاري برقم (4481).
[2501]:في جـ: "نؤخرها"، وفي أ: "نركثها".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (106)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

يعني جل ثناؤه بقوله : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } إلى غيره ، فنبدله ونغيره . وذلك أن يحوّل الحلال حراما والحرام حلالاً ، والمباح محظورا والمحظور مباحا ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة ، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ . وأصل النسخ من «نَسْخَ الكتاب » وهو نَقْلُه من نُسخة إلى أخرى غيرها ، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره إنما هو تحويله ونقل عبارته عنه إلى غيره . فإذا كان ذلك معنى نسخ الآية فسواء إذا نسخ حكمها فغُير وبُدّل فرضها ونقل فرض العباد عن اللازم كان لهم بها أوفر حَظها فتُرك ، أو مُحي أثرها ، فُعفّي ونُسي ، إذ هي حينئذٍ في كلتا حالتيها منسوخة . والحكم الحادث المبدل به الحكم الأوّل والمنقول إليه فرض العباد هو الناسخ ، يقال منه : نسخ الله آية كذا وكذا ينسخه نسخا ، والنسخة الاسم . وبمثل الذي قلنا في ذلك كان الحسن البصري يقول .

حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : حدثنا خالد بن الحارث ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن أنه قال في قوله : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها نأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا }قال : إن نبيّكم صلى الله عليه وسلم أقرىء قرآنا ثم نسيه فلم يكن شيئا ، ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرءونه .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { ما نَنْسَخْ } فقال بعضهم بما :

حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن عمار ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ } أما نسخُها فقَبْضُها . وقال آخرون بما :

حدثني به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } بقول : ما نبدّل من آية . وقال آخرون بما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن أصحاب عبد الله بن مسعود أنهم قالوا : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ }نثبت خطها ونبدل حكمها .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { ما نَنْسَخُ مِنْ آيَةٍ }نثبت خطها ، ونبدل حكمها ، حُدثت به عن أصحاب ابن مسعود .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثني بكر بن شوذب ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أصحاب ابن مسعود : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ }نثبت خطها .

القول في تأويل قوله تعالى : أوْ نُنْسِها .

اختلفت القراءة في قوله ذلك ، فقرأها قرّاء أهل المدينة والكوفة : أوْ نُنْسِها ولقراءة من قرأ ذلك وجهان من التأويل ، أحدهما : أن يكون تأويله : ما ننسخ يا محمد من آية فنغير حكمها أو ننسها . وقد ذكر أنها في مصحف عبد الله : «ما نُنْسِكَ من آية أو ننسخها نجيء بمثلها » ، فذلك تأويل النسيان . وبهذا التأويل قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أوْ مِثْلِها }كان ينسخ الآية بالآية بعدها ، ويقرأ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم الآية أو أكثر من ذلك ثم تُنسى وتُرفع .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها }قال : كان الله تعالى ذكره ينسي نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء وينسخ ما شاء .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كان عبيد بن عمير يقول :

{ نُنْسِها }نرفعها من عندكم .

حدثنا سوار بن عبد الله ، قال : حدثنا خالد بن الحارث ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن أنه قال في قوله : { أوْ نُنْسِها }قال : إن نبيكم صلى الله عليه وسلم أقرىء قرآنا ، ثم نسيه .

وكذلك كان سعد بن أبي وقاص يتأوّل الآية إلا أنه كان يقروها : { أو تَنْسَها } بمعنى الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأنه عني أو تَنْسَها أنت يا محمد . ذكر الأخبار بذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يعلى بن عطاء ، عن القاسم ، قال : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ تَنْسَها ، قلت له : فإن سعيد بن المسيب يقرؤها : «أَو تُنْسَها » قال : فقال سعد : إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا على آل المسيب ، قال الله : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى } ، { وَاذْكُرْ رَبّكَ إذَا نَسِيتَ } .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : حدثنا يعلى بن عطاء ، قال : حدثنا القاسم بن ربيعة بن قائف الثقفي ، قال : سمعت ابن أبي وقاص يذكر نحوه .

حدثنا محمد بن المثنى وآدم العسقلاني قالا جميعا ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، قال : سمعت القاسم بن ربيعة الثقفي يقول : قلت لسعد بن أبي وقاص : إني سمعت ابن المسيب يقرأ : «ما نَنَسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ تُنْسَها » فقال سعد : إن الله لم ينزل القرآن على المسيب ولا على ابنه ، إنما هي : «ما ننسخ من آية أو تَنْسَها » يا محمد . ثم قرأ : { سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى } ، { وَاذْكُرْ رَبّكَ إذَا نَسِيتَ } .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها }يقول : نُنسها : نرفعها وكان الله تبارك وتعالى أنزل أمورا من القرآن ثم رفعها .

والوجه الاَخر منهما أن يكون بمعنى الترك ، من قول الله جل ثناؤه : { نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ } يعني به تركوا الله فتركهم . فيكون تأويل الآية حينئذٍ على هذا التأويل : ما ننسخ من آية فنغير حكمها ونبدّل فرضها نأت بخير من التي نسخناها أو مثلها . وعلى هذا التأويل تأوّل جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { أوْ نُنْسِها } يقول : أو نتركها لا نبدّلها .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : { أوْ نُنْسِها } نتركها لا ننسخها .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها } قال : الناسخ والمنسوخ .

قال : وكان عبد الرحمن بن زيد يقول في ذلك ما :

حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { نُنْسِها } نمحها .

وقرأ ذلك آخرون : «أو ننسأها » بفتح النون وهمزة بعد السين بمعنى نؤخرها ، من قولك : نسأت هذا الأمر أنسؤه نسأً ونساءً إذا أخرته ، وهو من قولهم : بعته بنسَاءٍ ، يعني بتأخير . ومن ذلك قول طَرَفَة بن العبد :

لعَمْرُكَ إِنّ المَوْتَ ما أنْسأ الفَتى *** لكالطّوَلِ المُرْخَى وثِنْياهُ باليَدِ

يعني بقوله أنسأ : أخّر .

وممن قرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ، وقرأه جماعة من قرّاء الكوفيين والبصريين ، وتأوّله كذلك جماعة من أهل التأويل ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء في قوله : «ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نَنْسأها » قال نؤخرها .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، قال : سمعت ابن أبي نجيح ، يقول في قول الله : «أوْ نَنْسأها » قال : نُرْجئها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : «أوْ نَنْسأها » نرجئها ونؤخرها .

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا فضيل ، عن عطية : «أوْ نَنْسأها » قال : نؤخرها فلا ننسخها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن كثير عن عبيد الأزدي ، عن عبيد بن عمير «أوْ نَنْسأها » إرجاؤها وتأخيرها . هكذا حدثنا القاسم عن عبد الله بن كثير ، عن عبيد الأزدي . وإنما هو عن عليّ الأزدي .

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن عليّ الأزدي ، عن عبيد بن عمير أنه قرأها : «نَنْسأها » .

قال : فتأويل من قرأ ذلك كذلك : ما نبدّل من آية أنزلناها إليك يا محمد ، فنبطل حكمها ونثبت خطها ، أو نؤخرها فنرجئها ونقرّها فلا نغيرها ولا نبطل حكمها نأت بخير منها أو مثلها .

وقد قرأ بعضهم ذلك : «ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أو تُنْسَها » وتأويل هذه القراءة نظير تأويل قراءة من قرأ أوْ نُنْسِها إلا أن معنى «أو تُنْسَها » أنت يا محمد .

وقد قرأ بعضهم : «ما نُنْسِخْ مِنْ آيَةٍ » بضم النون وكسر السين ، بمعنى : ما نُنسخك يا محمد نحن من آية ، من أنسختك فأنا أُنسخك . وذلك خطأ من القراءة عندنا لخروجه عما جاءت به الحجة من القراءة بالنقل المستفيض . وكذلك قراءة من قرأ «تُنسَها » أو «تَنْسَها » لشذوذها وخروجها عن القراءة التي جاءت بها الحجة من قرّاء الأمة . وأولى القراءات في قوله : ( أوْ نُنْسِها ) بالصواب من قرأ : أو نُنْسِها ، بمعنى نتركها لأن الله جل ثناؤه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه مهما بدّل حكما أو غيره أو لم يبدّله ولم يغيره ، فهو آتيه بخير منه أو بمثله . فالذي هو أولى بالآية إذ كان ذلك معناها ، أن يكون إذ قدّم الخبر عما هو صانع إذا هو غير وبدّل حكم آية أن يعقب ذلك بالخبر عما هو صانع ، إذا هو لم يبدّل ذلك ولم يغير . فالخبر الذي يجب أن يكون عقيب قوله : ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ قوله : أو نترك نسخها ، إذ كان ذلك المعروف الجاري في كلام الناس . مع أن ذلك إذا قرىء كذلك بالمعنى الذي وصفت ، فهو يشتمل على معنى الإنساء الذي هو بمعنى الترك ، ومعنى النّساء الذي هو بمعنى التأخير ، إذْ كان كل متروك فمؤخر على حال مّا هو متروك . وقد أنكر قوم قراءة من قرأ : «أوْ تُنْسَها » إذا عني به النسيان ، وقالوا : غير جائز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نسي من القرآن شيئا مما لم ينسخ إلا أن يكون نسي منه شيئا ثم ذكره . قالوا : وبعد ، فإنه لو نسي منه شيئا لم يكن الذين قرءوه وحفظوه من أصحابه بجائز على جميعهم أن ينسوه .

قالوا : وفي قول الله جل ثناؤه : { وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبنّ بِالّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ } ما ينبىء عن أن الله تعالى ذكره لم يُنْسِ نبيه شيئا مما آتاه من العلم .

قال أبو جعفر : وهذا قول يشهد على بطوله وفساده الأخبار المتظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بنحو الذي قلنا .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : حدثنا أنس بن مالك : إن أولئك السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة قرأنا بهم وفيهم كتابا : «بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا » . ثم إن ذلك رفع .

فالذي ذكرنا عن أبي موسى الأشعري أنهم كانوا يقرءون : «لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى لهما ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب » ثم رُفع وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بإحصائها الكتاب . وغير مستحيل في فطرة ذي عقل صحيح ولا بحجة خبر أن ينسي الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعض ما قد كان أنزله إليه . فإذا كان ذلك غير مستحيل من أحد هذين الوجهين ، فغير جائز لقائل أن يقول ذلك غير جائز .

وأما قوله : { وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبنّ بالّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ } فإنه جلّ ثناؤه لم يخبر أنه لا يذهب بشيء منه ، وإنما أخبر أنه لو شاء لذهب بجميعه ، فلم يذهب به والحمد لله بل إنما ذهب بما لا حاجة بهم إليه منه ، وذلك أن ما نسخ منه فلا حاجة بالعباد إليه ، وقد قال الله تعالى ذكره : سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى إِلاّ ما شاءَ اللّهُ فأخبر أنه ينسي نبيه منه ما شاء ، فالذي ذهب منه الذي استثناه الله . فأما نحن فإنما اخترنا ما اخترنا من التأويل طلب اتساق الكلام على نظام في المعنى ، لا إنكار أن يكون الله تعالى ذكره قد كان أنسى نبيه بعض ما نسخ من وحيه إليه وتنزيله .

القول في تأويل قوله تعالى : { نأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أوْ مِثْلِها } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أوْ مِثْلِها } ، فقال بعضهم بما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس :

{ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أوْ مِثْلِها } يقول : خير لكم في المنفعة وأرفق بكم . وقال آخرون بما :

حدثني به الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أوْ مِثْلِها } يقول : آية فيها تخفيف ، فيها رحمة ، فيها أمر ، فيها نهي .

وقال آخرون : نأت بخير من التي نسخناها ، أو بخير من التي تركناها فلم ننسخها . ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : نَأتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا يقول : نأت بخير من التي نسخناها أو مثلها أو مثل التي تركناها . فالهاء والألف اللتان في قوله : مِنْهَا عائدتان على هذه المقالة على الآية في قوله : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } والهاء والألف اللتان في قوله : أوْ مِثلِها عائدتان على الهاء والألف اللتين في قوله : أوْ نُنْسِها . وقال آخرون بما :

حدثني به المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كان عبيد بن عمير يقول : نُنْسِها نرفعها من عندكم ، نأت بمثلها أو خير منها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : أوْ نُنْسِها نرفعها نأت بخير منها أو بمثلها .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا بكر بن شوذب ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أصحاب ابن مسعود ، مثله .

والصواب من القول في معنى ذلك عندنا : ما نبدّل من حكم آية فنغيره أو نترك تبديله فنقرّه بحاله ، نأت بخير منها لكم من حكم الآية التي نسخنا فغيرنا حكمها ، إما في العاجل لخفته عليكم ، من أجل أنه وضع فرض كان عليكم فأسقط ثقله عنكم ، وذلك كالذي كان على المؤمنين من فرض قيام الليل ، ثم نسخ ذلك فوضع عنهم ، فكان ذلك خيرا لهم في عاجلهم لسقوط عبء ذلك وثقل حمله عنهم . وإما في الاَجل لعظم ثوابه من أجل مشقة حمله وثقل عبئه على الأبدان ، كالذي كان عليهم من صيام أيام معدودات في السنة ، فنُسخ وفرض عليهم مكانه صوم شهر كامل في كلّ حَوْل ، فكان فرض صوم شهر كامل كل سنة أثقل على الأبدان من صيام أيام معدودات . غير أن ذلك وإن كان كذلك ، فالثواب عليه أجزل والأجر عليه أكثر ، لفضل مشقته على مكلفيه من صوم أيام معدودات ، فذلك وإن كان على الأبدان أشقّ فهو خير من الأوّل في الاَجل لفضل ثوابه وعظم أجره الذي لم يكن مثله لصوم الأيام المعدودات . فذلك معنى قوله : نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها لأنه إما بخير منها في العاجل لخفته على من كلفه ، أو في الاَجل لعظم ثوابه وكثرة أجره . أو يكون مثلها في المشقة على البدن واستواء الأجر والثواب عليه ، نظير نسخ الله تعالى ذكره فرض الصلاة شطر بيت المقدس إلى فرضها شطر المسجد الحرام . فالتوجه شطر بيت المقدس ، وإن خالف التوجه شطر المسجد ، فكلفة التوجه شطر أيهما توجه شطره واحدة لأن الذي على المتوجه شطر البيت المقدّس من مؤنة توجهه شطره ، نظير الذي على بدنه مؤنة توجهه شطر الكعبة سواء . فذلك هو معنى المثل الذي قال جل ثناؤه : { أوْ مِثْلِها } .

وإنما عنى جل ثناؤه بقوله : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها } ما ننسخ من حكم آية أو نُنْسِه . غير أن المخاطبين بالآية لما كان مفهوما عندهم معناها اكتفي بدلالة ذكر الآية من ذكر حكمها . وذلك نظير سائر ما ذكرنا من نظائره فيما مضى من كتابنا هذا ، كقوله : { وأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ } بمعنى حُبّ العجل ونحو ذلك . فتأويل الآية إذا : ما نغير من حكم آية فنبدّله أو نتركه فلا نبدّله ، نأت بخير لكم أيها المؤمنون حكما منها ، أو مثل حكمها في الخفة والثقل والأجر والثواب .

فإن قال قائل : فإنا قد علمنا أن العجل لا يُشْرَبُ في القلوب وأنه لا يلتبس على من سمع قوله : { وأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ } أن معناه : وأشربوا في قلوبهم حُبّ العجل ، فما الذي يدلّ على أن قوله : { ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِهَا نَأتِ بِخَيْرٍ مِنْها } لذلك نظير ؟

قيل : الذي دلّ على أن ذلك كذلك قوله : { نأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أوْ مِثْلِها } وغير جائز أن يكون من القرآن شيء خير من شيء لأن جميعه كلام الله ، ولا يجوز في صفات الله تعالى ذكره أن يقال بعضها أفضل من بعض وبعضها خير من بعض .

القول في تأويل قوله تعالى : { ألَمْ تَعْلَمْ أنّ اللّهَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

يعني جل ثناؤه بقوله : ألَمْ تَعْلَمْ أنّ اللّهَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ألم تعلم يا محمد أني قادر على تعويضك مما نسخت من أحكامي وغيرته من فرائضي التي كنت افترضتها عليك ما أشاء مما هو خير لك ولعبادي المؤمنين معك وأنفع لك ولهم ، إما عاجلاً في الدنيا وإما آجلاً في الاَخرة . أو بأن أبدّل لك ولهم مكانه مثله في النفع لهم عاجلاً في الدنيا وآجلاً في الاَخرة وشبيهه في الخفة عليك وعليهم . فاعلم يا محمد أني على ذلك وعلى كل شيء قدير . ومعنى قوله : قَدِير في هذا الموضع : قويّ ، يقال منه : «قد قَدَرْت على كذا وكذا » . إذا قويت عليه «أقدْرُ عليه وأَقْدُرُ عليه قُدْرة وقِدْرانا ومَقْدِرةً » . وبنو مُرّة من غطفان تقول : «قَدِرْت عليه » بكسر الدال . فأما من التقدير من قول القائل : «قَدَرْتُ الشيء » فإنه يقال منه : «قَدَرْتُه أَقْدِرُه قَدْرا وقَدَرا » .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (106)

{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }( 106 )

وقوله تعالى : { ما ننسخ من آية أو ننسها } الآية( {[1057]} ) ، النسخ في كلام العرب على وجهين : أحدهما النقل كنقل كتاب من آخر ، والثاني الإزالة ، فأما الأول فلا مدخل له في هذه الآية ، وورد في كتاب الله تعالى في قوله تعالى : { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون }( {[1058]} )

[ الجاثية : 29 ] ، وأما الثاني الذي هو الإزالة فهو الذي في هذه الآية ، وهو منقسم في اللغة على ضربين : أحدهما يثبت الناسخ بعد المنسوخ( {[1059]} ) كقولهم نسخت الشمس الظل ، والآخر لا يثبت كقولهم «نسخت الريح الأثر » ، وورد النسخ في الشرع حسب هذين الضربين ، والناسخ حقيقة هو الله تعالى ، ويسمى الخطاب الشرعي ناسخاً( {[1060]} ) إذ به يقع النسخ ، وحد الناسخ عند حذاق أهل السنة : الخطاب( {[1061]} ) الدال على ارتفاع الحكم الثابت ، بالخطاب المتقدم على وجهٍ لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه . ( {[1062]} )

والنسخ جائز على الله تعالى عقلاً لأنه ليس يلزم عنه محال ولا تغيير صفة من صفاته تعالى ، وليست الأوامر متعلقة بالإرادة فيلزم من النسخ أن الإرادة تغيرت ، ولا النسخ لطروّ علم ، بل الله تعالى يعلم إلى أي وقت ينتهي أمره بالحكم الأول ويعلم نسخه بالثاني . والبداء( {[1063]} ) لا يجوز على الله تعالى لأنه لا يكونه إلا لطروّ علم أو لتغير إرادة ، وذلك محال في جهة الله تعالى ، وجعلت اليهود النسخ والبداء واحداً ، ولذلك لم يجوزوه فضلُّوا .

والمنسوخ عند أئمتنا : الحكم الثابت نفسه : لا ما ذهبت إليه المعتزلة ، من أنه مثل الحكم الثابت فيما يستقبل( {[1064]} ) ، والذي قادهم إلى ذلك مذهبهم في أن الأوامر مرادة( {[1065]} ) ، وأن الحسن صفة نفسية للحسن ، ومراد الله تعالى حسن ، وقد قامت الأدلة على أن الأوامر لا ترتبط بالإرادة ، وعلى أن الحسن القبح في الأحكام إنما هو من جهة الشرع لا بصفة نفسية . ( {[1066]} )

والتخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به( {[1067]} ) ، لأن المخصص لم يتناوله العموم قط ، ولو ثبت قطعاً تناول العموم لشيء ما ثم أخرج ذلك الشيء عن العموم لكان نسخاً لا تخصيصاً . والنسخ لا يجوز في الإخبار ، وإنما هو مختص بالأوامر والنواهي( {[1068]} ) ، وردّ بعض المعترضين الأمر خبراً بأن قال : أليس معناه : «واجب عليكم أن تفعلوا كذا » ؟ فهذا خبر ، والجواب أن يقال : إن في ضمن المعنى إلا أن أنسخه عنكم وأرفعه ، فكما تضمن لفظ الأمر ذلك الإخبار كذلك تضمن هذا الاستثناء .

وصور النسخ تختلف ، فقد ينسخ الأثقل إلى الأخف كنسخ الثبوت لعشرة بالثبوت لاثنين( {[1069]} ) ، وقد ينسخ الأخف إلى الأثقل كنسخ يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان( {[1070]} ) ، وقد ينسخ المثل بمثلة ثقلاً وخفة كالقبلة ، وقد ينسخ الشيء لا إلى بدل كصدقة النجوى ، والنسخ التام أن تنسخ التلاوة والحكم وذلك كثير ، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه : «كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر » ، وقد تنسخ التلاوة دون الحكم كآية الرجم ، وقد ينسخ الحكم دون التلاوة كصدقة النجوى ، وكقوله تعالى : { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا }( {[1071]} ) [ الممتحنة : 11 ] ، والتلاوة والحكم حكمان ، فجائز نسخ أحدهما دون الآخر .

وينسخ القرآن بالقرآن ، والسنة بالسنة( {[1072]} ) ، وهذه العبارة يراد بها الخبر المتواتر القطعي ، وينسخ خبر الواحد بخبر الواحد ، وهذا كله متفق عليه ، وحذاق الأئمة على أن القرآن ينسخ بالسنة( {[1073]} ) ، وذلك موجود في قوله صلى الله عليه وسلم : «لا وصية لوارث » ، وهو ظاهر مسائل مالك رحمه الله ، وأبى ذلك الشافعي رحمه الله ، والحجة عليه من قوله إسقاطه الجلد في حد الزنى عن الثيب الذي يرجم ، فإنه لا مسقط لذلك إلا السنة . فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك حذاق الأئمة على أن السنة تنسخ بالقرآن ، وذلك موجود في القبلة فإن الصلاة إلى الشام لم تكن قط في كتاب الله ، وفي قوله تعالى : { فلا ترجعوهن إلى الكفار }( {[1074]} ) [ الممتحنة : 10 ] ، فإن رجوعهن إنما كان يصلح النبي صلى الله عليه وسلم لقريش ، والحذاق على تجويز نسخ القرآن بخبر الواحد عقلاً( {[1075]} ) ، واختلفوا هل وقع شرعاً ، فذهب أبو المعالي وغيره إلى وقوعه في نازلة مسجد قباء في التحول إلى القبلة( {[1076]} ) ، وأبى ذلك قوم ، ولا يصح نسخ نص بقياس إذ من شروط القياس أن لا يخالف نصاً ، وهذا كله في مدة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما بعد موته واستقرار الشرع فأجمعت أنه لا نسخ .

ولهذا كان الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ لأنه إنما ينعقد بعد النبي صلى عليه وسلم ، فإذا وجدنا إجماعاً يخالف نصاً فنعلم أن الإجماع استند إلى نص ناسخ لا نعلمه نحن .

وقال بعض المتكلمين : «النسخ الثابت متقرر في جهة كل أحد علم الناسخ أو لم يعلمه » ، والذي عليه الحذاق أنه من لم يبلغه الناسخ فهو متعبد بالحكم الأول ، فإذا بلغه الناسخ طرأ عليه حكم النسخ ، والحذاق على جواز نسخ الحكم قبل فعله ، وهو موجود في كتاب الله تعالى في قصة الذبيح .

وقرأ جمهور الناس «ما نَنْسخ » بفتح النون ، من نسخ ، وقرأت طائفة «نُنسخ » ، بضم النون من «أنسخ » ، وبها قرأ ابن عامر وحده من السبعة ، قال أبو علي الفارسي : ليست لغة لأنه لا يقال نسخ وأنسخ بمعنى ، لا هي للتعدية لأن( {[1077]} ) المعنى يجيء ما نكتب من آية أي ما ننزل فيجيء القرآن كله على هذا منسوخاً ، وليس الأمر كذلك ، فلم يبق إلا أن يكون المعنى ما نجده منسوخاً ، كما تقول : أحمدت الرجل وأبخلته بمعنى وجدته محموداً أو بخيلاً ، قال أبو علي : وليس نجده منسوخاً إلا بأن ننسخه فتتفق القراءتان في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله : وقد خرج قرأة هذه القرءاة المعنى على وجهين( {[1078]} ) أحدهما أن يكون المعنى ما نكتب وننزل من اللوح المحفوظ ، أو ما نؤخر فيه ونترك فلا ننزله أي ذلك فعلنا فإنا نأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله ، فيجيء الضميران في { منها } و

{ مثلها } عائدين على الضمير في { ننسأها }( {[1079]} ) ، والمعنى الآخر أن يكون { ننسخ } من النسخ بمعنى الإزالة ويكون التقدير ما ننسخك أي نبيح لك نسخه ، كأنه لما نسخها الله أباح لنبيه تركها بذلك النسخ ، فسمى تلك الإباحة إنساخاً ، و { ما } شرطية وهي مفعولة ب { ننسخ } ، و { ننسخ } جزم بالشرط .

واختلف القراء في قراءة قوله { ننسها } ، فقرأ نافع وحمزة والكسائي وعاصم وابن عامر وجمهور من الناس «نُنْسِها » بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر السين وترك الهمزة ، وهذه من أنسى المنقول من نسي ، وقرأت ذلك فرقة كما تقدم إلا أنها همزت بعد السين ، فهذه بمعنى التأخير ، تقول العرب أنسأت الدين وغيره أنسؤه إنساء إذا أخرته ، وقرأت طائفة «أو نَنْسَها » بفتح النون الأولى وسكون الثانية وفتح السين ، وهذه بمعنى الترك ، ذكرها مكي ولم ينسبها ، وذكرها أبو عبيد البكري في كتاب اللآلي( {[1080]} ) عن سعد بن أبي وقاص ، وأراه وهمَ ، وقرأ سعد بن أبي وقاص( {[1081]} ) «أو تُنْسَها » بتاء على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ونون بعدها ساكنة وفتح السين ، هكذا قال أبو الفتح وأبو عمرو الداني ، فقيل لسعد إن سعيد بن المسيب يقرؤها بنون أولى مضمومة وسين مكسورة فقال : إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا على آل المسيب ، وتلا

{ سنقرئك فلا تنسى }( {[1082]} ) [ الأعلى : 6 ] ، { واذكر ربك إذا نسيت }( {[1083]} ) [ الكهف : 24 ] ، وقرأ سعيد بن المسيب فيما ذكر عنه أيضاً «أو تُنْسَها » بضم التاء أولاً وفتح السين وسكون النون بينهما ، وهذه من النسيان ، وقرأ الضحاك بن مزاحم وأبو رجاء «نُنَسِّها » بضم النون الأولى وفتح الثانية وسين مكسورة مشددة ، وهذه أيضاً من النسيان .

وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عباس وإبراهيم النخغي وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وعبيد ابن عمير وابن كثير وأبو عمرو «نَنْسَأها » بنون مفتوحة وأخرى بعدها ساكنة وسين مفتوحة وألف بعدها مهموزة ، وهذه من التأخير ، تقول العرب : نسأت الإبل عن الحوض أَنْسَؤُها نَسْأَ أي أخرتها ، وكذلك يقال : أنسأ الإبل إذا زاد في ظمئها يوماً أو يومين أو أكثر من ذلك بمعنى أخرها عن الورد ، وقرأت فرقة مثل هذه القراءة إلا أنها بتاء مفتوحة أولاً على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وإسناد الفعل إليه ، وقرأ أبو حيوة مثل ذلك إلا أنه ضم التاء أولاً ، وقرأ أبي بن كعب «أو نُنْسِك » بضم النون الأولى وسكون الثانية وسين مكسورة وكاف مخاطبة ، وفي مصحف سالم مولى أبي حذيفة «أو ننسكها » مثل قراءة أبيّ إلا أنه زاد ضمير الآية .

وقرأ الأعمش «ما ننسك من آية أو ننسخها نجىء بمثلها » وهكذا ثبتت في مصحف عبد الله بن مسعود .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذه القراءات( {[1084]} ) لا تخلو كل واحدة منها أن تكون من النسء أو الإنساء بمعنى التأخير ، أو تكون من النسيان .

والنسيان في كلام العرب يجيء في الإغلب ضد الذكر ، وقد يجيء بمعنى الترك ، فالمعاني الثلاثة مقولة في هذه القراءات ، فما كان منها يترتب في لفظة النسيان( {[1085]} ) الذي هو ضد الذكر .

فمعنى الآية : ما ننسخ من آية أو نقدر نسيانك لها فتنساها حتى ترتفع جملة وتذهب فإنا نأتي بما هو خير منها لكم أو مثله في المنفعة .

وما كان من هذه القراءات يحمل على معنى الترك فإن الآية معه تترتب فيها أربعة معان :

أحدها : ما ننسخ على وجوه النسخ( {[1086]} ) أو نترك غير منزل عليك فإنا لا بد أن ننزل رفقاً بكم خيراً من ذلك أو مثله حتى لا ينقص الدين عن حد كماله .

والمعنى الثاني أو نترك تلاوته وإن رفعنا حكمه فيجيء النسخ على هذا رفع التلاوة والحكم( {[1087]} ) .

والمعنى الثالث أو نترك حكمه وإن رفعنا تلاوته فالنسخ أيضاً ، على هذا رفع التلاوة والحكم .

والمعنى الرابع أو نتركها غير منسوخة الحكم ولا التلاوة ، فالنسخ على هذا المعنى هو على جميع وجوهه ، ويجيء الضميران في { منها أو مثلها } عائدين على المنسوخة فقط( {[1088]} ) ، وكان الكلام إن نسخنا أو أبقينا فإنا نأتي بخير من المنسوخة أو مثلها .

وما كان من هذه القراءات يحمل على معنى التأخير فإن الآية معه تترتب فيها المعاني الأربعة التي في الترك ، أولها ما ننسخ أو نؤخر إنزاله( {[1089]} ) ، والثاني ما ننسخ النسخ الأكمل أو نؤخر حكمه وإن أبقينا تلاوته ، والثالث ما ننسخ النسخ الأكمل أو نؤخر تلاوته وإن أبقينا حكمه ، والرابع ما ننسخ أو نؤخره مثبتاً لا ننسخه( {[1090]} ) ، ويعود الضميران كما ذكرنا في الترك( {[1091]} ) ، وبعض هذه المعاني أقوى من بعض ، لكن ذكرنا جميعها لأنها تحتمل ، وقد قال «جميعها » العلماء إما نصاً وإما إشارة فكملناها .

وقال الزجاج : إن القراءة «أو نُنْسِها » بضم النون وسكون الثانية وكسر السين لا يتوجه فيها معنى الترك لأنه لا يقال أنسأ بمعنى ترك ، وقال أبو علي وغيره : ذلك متجه لأنه بمعنى نجعلك تتركها( {[1092]} ) ، وكذلك ضعف الزجاج أن تحمل الآية على النسيان الذي هو ضد الذكر ، وقال : إن هذا لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولا نسي قرآناً ، وقال أبو علي وغيره : ذلك جائز وقد وقع ولا فرق بين أن ترفع الآية بنسخ أو بتنسئة ، واحتج الزجاج بقوله تعالى : { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك }( {[1093]} ) [ الإسراء : 86 ] ، أي لم نفعل ، قال أبو علي معناه لم نذهب بالجميع .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله : على معنى إزالة النعمة كما توعد ، وقد حكى الطبري القول عن أقدم من الزجاج ، ورد عليه ، والصحيح( {[1094]} ) في هذا أن نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الله ، تعالى أن ينساه ولم يرد أن يثبت قرآناً جائز .

فأما النسيان الذي هو آفة في البشر فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم منه قبل التبليغ وبعد التبليغ ما لم يحفظه أحد من أصحابه ، وأما بعد أن يحفظ فجائز عليه ما يجوز على البشر( {[1095]} ) لأنه قد بلغ وأدى الأمانة ، ومنه الحديث حين أسقط آية ، فلما فرغ من الصلاة قال : أفي القوم أبيّ ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : فلم لم تذكرني ؟ قال : حسبت أنها رفعت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لم ترفع ولكني نسيتها . ( {[1096]} )

ولفظة خير في الآية صفة تفضيل ، والمعنى بأنفع لكم أيها الناس في عاجل إن كانت الناسخة أخف ، وفي آجل إن كانت أثقل ، وبمثلها إن كانت مستوية ، وقال قوم «خير » في الآية مصدر و «من » لابتداء الغاية .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : ويقلق هذا القول لقوله تعالى { أو مثلها } إلا أن يعطف المثل على الضمير في { منها } دون إعادة حرف الجر ، وذلك( {[1097]} ) معترض .

وقوله تعالى : { ألم تعلم أن } ظاهره الاستفهام ومعناه التقرير( {[1098]} ) ، والتقرير محتاج إلى معادل كالاستفهام المحض ، فالمعادل هنا على قول جماعة { أم تريدون } [ البقرة : 18 ] ، وقال قوم { أم } هنا منقطعة ، فالمعادل على قولهم محذوف تقديره أم علمتم ، وهذا كله على أن القصد بمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة أمته ، وأما إن كان هو المخاطب وحده فالمعادل محذوف لا غير ، وكلا القولين مروي .

ومعنى الآية أن الله تعالى ينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء ويفعل في أحكامه ما يشاء ، هو قدير على ذلك وعلى كل شيء ، وهذا( {[1099]} ) لإنكار اليهود النسخ .

وقوله تعالى { على كل شيء } لفظ عموم معناه الخصوص ، إذ لم تدخل فيه الصفات القديمة بدلالة العقل ولا المحالات لأنها ليست بأشياء ، والشيء في كلام الموجود( {[1100]} ) ، و { قدير } اسم فاعل على المبالغة من «قَدَر » بفتح العين «يقدِر » بكسرها . ومن العرب من يقول قَدِرَ بكسر العين يقدَر بفتحها .


[1057]:- هذه آية عظيمة من آيات الأحكام، تتناول النسخ في شريعة الإسلام، وترد على من ينكره من اليهود وأشباههم- ولمعرفة الناسخ والمنسوخ مقام كبير، لما يترتب على من ينكره من اليهود وأشباههم- ولمعرفة الناسخ والمنسوخ مقام كبير، لما يترتب على ذلك من وضع الأحكام في مواضعها، ولذلك حذر علماء الإسلام من الجهل به والخطأ فيه، ومن المعقول أن التبدل في الكائنات ناموس طبيعي، فهذه الخلية الإنسانية تتنقل في أطوار وأحوال كل واحد منها ينسخ ما قبلها، وإذا كان هذا النسخ موجودا في الكائنات فكيف يستنكر إبدال حكم سابق بحكم لاحق في أمة هي في حال نمو وتدرج من أدنى إلى أرقى؟ وفوق ذلك فالله قادر على كل شيء، ومالك لكل شيء، يفعل ما يريد، ويحكم كما يشاء، فالنسخ يهيء النفوس لما هو أرقى وأسمى.
[1058]:- أي: نأمر بنسخه وإثباته. وهي من الآية 29 من سورة الجاثية.
[1059]:- أي يقوم مقامه ويحل محله.
[1060]:- أي مجازا لأنه سبب النسخ.
[1061]:- يخرج عن الخطاب القياس والإجماع، فإنهما لا ينسخان ولا ينسخ بهما- ويشمل الخطاب سائر الدلالات، وقوله: على وجه أي مغاير للخطاب السابق، ولولا ذلك الوجه لكان الحكم السابق ثابتا وقائما.
[1062]:- قيد في الناسخ، إذ لو كان متصلا بالمنسوخ لكان بيانا لغاية الحكم لا ناسخا له، أو لكان آخر الكلام يرفع أوله.
[1063]:- البداء بفتح الباء والمد: اسم من بدا له في الأمر: ظهر له ما لم يظهر أولا، والفرق بين النسخ والبداء أن الحكم الثاني معلوم عند الحكم الأول في النسخ، وفي البداء إنما ظهر في ثاني حال.
[1064]:- تعرض ابن عطية رحمه الله لمباحث جليلة لها علاقة بالنسخ، ولأقسام النسخ والنسء لأن من الآيات ما هو من قبيل المنسوخ، ومنها ما هو من قبيل المنسوء، كما قال تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) والأولى بهذه المباحث علم الأصول. ولهذا لم يتكلم أبو (ح) في حقيقة النسخ كما فعل ابن عطية، وأما القرطبي فقد نقل كلام ابن عطية في الموضوع.
[1065]:- فقد يأمر الله بالشيء و لا يريده، وفي جمع الجوامع: "والأمر غير الإرادة خلافا للمعتزلة".
[1066]:- يعني أن الحُسن والقبح في الأحكام إنما يدرك بالشرع، وليس صفة ذاتية تُدرك بمجرد العقل.
[1067]:- كثيرا ما يتوسعون في تسمية التخصيص نسخا، وبذلك وسعوا دائرة النسخ، ولو كانوا يتحرون في التسمية لما اتسع ذلك، والحق أن النسخ بمعناه الخاص قليل جدا، وقد أوضح ابن عطية رحمه الله الفرق بين التخصيص والنسخ، والنسخ في اصطلاح السلف أعم منه في اصطلاح الخلف، وهذا أبو مسلم الصبهاني المعتزلي يسمي النسخ تخصيصا، وقال أبو اسحق الشاطبي في الموافقات: "الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين، فقد يطلقون على تقييد المطلق وتخصيص العام- بدليل متصل أو منفصل- نسخا، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي- بدليل شرعي متأخر- نسخا، لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد وهو بيان المراد". انتهى.
[1068]:- الخبر الحقيقي لا يدخله نسخ سواء كان مما يتغير كإيمان زيد وكفر عمرو أو مما لا يتغير كالإخبار بوجود الله وصفاته، وأما نسخ تلاوة الخبر، أو نسخ تكليفنا به، كما إذا كلفنا بأن نخبر بشيء ثم ورد نسخ التكليف بذلك- فكل من هذين جائز، لأنه من التكليف فيدخله النسخ، وكذلك الخبر الذي يتضمن الأمر فإنه يدخل النسخ، وابن عطية رحمه الله أطلق القول ولم يقيد، ونحوه قول أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره هنا حيث قال: «واعلم أن النسخ إنما يعرض للأوامر والنواهي دون الأخبار، لأن الخبر إذا نسخ صار المخبر كاذبا». انتهى.
[1069]:- أي نسخ قوله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) الآية، بقوله تعالى: (الآن خفف الله عنهك و علم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) الآية.
[1070]:- نسخ صيام عاشوراء برمضان موجود في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، والأيام المعدودة في قول ابن عباس هي ثلاثة أيام من كل شهر، وكان ذلك في أول الإسلام.
[1071]:- نسخ هذا الحكم، وصرنا بعده لا نعطي الذين ذهبت أزواجهم إلى الكفار شيئا، بل ننتظر، فإن عثرنا عليها استتبناها، فإن تابت وإلا قُتلت، وكذلك التي فرت إلينا لا نعطي الكفار شيئا. والآية هي رقم 11 من سورة الممتحنة.
[1072]:- يريد (والله أعلم) أن السنة المتواترة تنسخ بالسنة المتواترة.
[1073]:- قال مختصره رحمه الله: «ويعني بالسنة الناسخة للقرآن الخبر المتواتر القطعي، وقد أشار إلى أن هذا الحديث متواتر، ذكره عند تفسير قوله تعالى: (إذا حضر أحدكم الموت)» انتهى.
[1074]:- من الآية 10 من سورة الممتحنة.
[1075]:- المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن، ولا الخبر المتواتر، لأنه رفع للمقطوع به بالمظنون. وإنما قبلوا تخصيص المتواتر بالآحاد، ولم يقبلوا نسخه به، لأن الأول بيان وجمع، بخلاف النسخ فإنه رفع وإبطال.
[1076]:- روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، و كانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة)، هذا لفظ الإمام مسلم في المساجد ومواضع الصلاة- وهذا الذي قاله أبو المعالي إنما يأتي على قول ابن عباس إن استقبال بيت المقدس كان بوحي متلو- روي عنه أنه قال: أول ما نسخ من القرآن القبلة.
[1077]:- تعليل لقوله: "ولا هي للتعدية"، يعني أن المعنى يتغير بذلك، ويصير: ما نُنسخك من آية يا محمد، وإنساخه إياها إنزالها عليه- فيؤول المعنى إلى أن كل آية أنزلت أتي بخير منها أو مثلها، و بذلك يصبح القرآن كله منسوخا، وهذا غير واقع، لأنه لم يُنسخ منه إلا القليل.
[1078]:- كلاهما الهمزة فيه للتعدية، إلا أنه من الوجه الأول مأخوذ من نسخ الكتاب بمعنى الإنزال، وفي الوجه الثاني من النسخ بمعنى الإزالة، تأمل.
[1079]:- أي عائدين على المنسوء لا على المنسوخ من اللوح المحفوظ، بخلاف ما سبق، فإن الضميرين عائدان على المنسوخ والمنسوء، لكن على هذا الوجه يبقى ما ننسخ من آية بدون جواب، إذ لا رابط يربط بين الشرط والجواب، وذلك لا يجوز.
[1080]:- شرح أمالي القالي لأبي عبيد البكري الوزير المتوفي سنة 487هـ.
[1081]:- أحد العشرة المبشرين بالجنة، وواحد من الفرسان المعدودين في الفتوحات الإسلامية الأولى، روى عن النبي صلى الله عليه و سلم كثيرا من الأحاديث، توفي سنة 55 هـ.
[1082]:- الآية رقم 6 من سورة الأعلى.
[1083]:- من الآية رقم 24 من سورة الكهف.
[1084]:- هي إحدى عشرة قراءة بدون قراءة الأعمش.
[1085]:- يؤيد هذا ما روي عن قتادة أنه قال: كانت الآية تنسخ بالآية، وينسي الله نبيه من ذلك شيئا. وقبل الدخول في سياق ابن عطية رحمه الله ننقل كلام العلامة القاسمي، نقلا عن الراغب الأصبهاني: في حل الآية الكريمة- قال: (ما ننسخ من آية) أي ما نبدل من آية بغيرها كنسخ آيات التوراة بآيات القرآن، أو ننسها، أي نذهبها من القلوب كما أخبر بقوله: (ونسوا حظا مما ذكروا به) وقرئ (أو ننسأها) أي نؤخرها ونتركها بلا نسخ كما أبقى كثيرا من أحكام التوراة في القرآن- (نأت بخير منها)، أي من المنسوخة المبدلة كما فعل في الآيات التي شرعت في الملة الحنيفية ما فيه من اليسر و رفع الحرج والعنت فكان خيرا من تلك الآصار والأغلال، (أو مثلها أي) مثل الآيات الموحدة قبل كما يرى في كثير من الآيات في القرآن الموافقة لما بين يديها مما اقتضت الحكمة بقاءه واستمراره- قال الراغب: فإن قيل: إن الذي ترك ولم ينسخ هو مثله، بل هو هو. فكيف قال: بمثلها؟ قيل: الحكم الذي أنزل في القرآن، وكان ثابتا في الشرع الذي قبلنا، يصح أن يقال: هو هو إذا اعتبر بنفسه، ولم يعتبر بلفظه، ويصح أن يقال: هو مثله إذا لم يعتبر بنفسه، بل بلفظه، ونحو ذلك أن يقال: ماء البئر هو ماء النهر إذا اعتبر جنس الماء، وتارة يقال: مثل ماء النهر إذا اعتبر قرار الماء. اهـ. على أن إرادة العين بالمثل شائعة كما في قولهم: مثلك لا يبخل.
[1086]:- وهي ثلاثة –نسخ التلاوة والحكم، أو نسخ أحدهما وبقاء الآخر.
[1087]:- أي أن قوله تعالى: (ما ننسخ من آية) يحمل على ذلك، وقوله: (أو ننسها) يحمل على بقاء التلاوة ورفع الحكم، والمعنى الثالث كذلك إلا أن المتروك فيه الحكم والمرفوع التلاوة.
[1088]:- أي دون قوله: (أو ننسها) لأن النسيان بمعنى الترك، أو ترك لفظها وحكمها.
[1089]:- هذا ضعيف، إذ لا فائدة في تأخير ما لم يعرفه الناس ولا علموه ولا سمعوه.
[1090]:- أي إلى مدة.
[1091]:- أي على المنسوخ دون المنسوء.
[1092]:- وليس بمعنى نتركك.
[1093]:- من الآية 86 من سورة الإسراء.
[1094]:- يشير القاضي ابن عطية رحمه الله إلى تأييد أبي علي الفارسي رحمه الله في أن النسيان جائز وواقع، ويؤكد ذلك ما سبق عن قتادة رحمه الله.
[1095]:- في الصحيحين، و غيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: (إنما أنا بشر، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني). وبهذا الحديث الصحيح يرد حديث: (لا أنسى ولكن أنسى لأسن)، وقد ذكر الإمام مالك رحمه الله في الموطأ هذا الحديث بلاغا بغير إسناد، ونصه: (عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لأنسى وأنسى لأسن). فأثبت النوعين معا. قال أبو عمر: "حديث (إني لأنسى وأُنسى لأسن)، أحد الأحاديث الأربعة في الموطأ التي لا توجد في غيره مسندة ولامرسلة". وقال الحافظ في الفتح: "لا أصل له، فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد". وقال في الشفاء: إنه حديث صحيح، أي من جهة المعنى، وقد ورد في الصحيحن عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد، فقال: يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا، آية من سورة كذا). قال الحافظ بن حجر: "لم أقف على تعيين الآيات المذكورة". وفي رواية: زيادة كنت أسقطتها. وفي رواية أخرى: كنت أنسيتها.
[1096]:- روى أبو داود، على المسور بن يزيد المالكي أنه قال: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة فترك شيئا لم يقرأه، فقال رجل: يا رسول الله تركت آية كذا كذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا ذكرتنيها، قال: كنت أراها نسخت). وفيه أيضا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة، فقرأ فيها، فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: أصليْت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك. اهـ وتأمل.
[1097]:- أي العطف من دون إعادة الجار لا يجوز، فالأحسن أنه أفعل تفضيل لا مصدر بمعنى خير من الخيور.
[1098]:- الاستفهام هنا للتقرير، والاستفهام التقريري كما هو معلوم لا يحتاج إلى معادل، وما أكثر ذلك في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[1099]:- أي قوله تعالى: (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) جاء ردا لإنكار اليهود النسخ.
[1100]:- حسا كالأجسام او حكما كالأقوال، نحو رأيت شيئا، وقلت شيئا، والمراد بالموجود الممكن.