الآية 106 وقوله تعالى : { ما ننسخ من آية أو ننسها } قال بعض أهل الكلام : { ننسخ } من اللوح المحفوظ { أو ننسها } ندعها في اللوح . وقيل : { ما ننسخ من آية } أي نرفع بآية أخرى أو نتركها في الأخرى ، وقيل : { ننسخ من آية } فنرفع حكمها والعمل بها { أو ننسها } [ أي ]{[1249]} نترك قراءتها وتلاوتها ، [ فيجوز رفع عينها ]{[1250]} ، ويجوز رفع حكمها وإبقاء عينها لأوجه :
أحدها : ظهور المنسوخ فبطل قول من أنكر إذ وجد{[1251]} ، ومن أنكر ذلك فإنما أنكر لجهل بالمنسوخ ، لأن النسخ بيان حكم إلى وقت ليس على البداء كما قالت اليهود .
والثاني : أن للتلاوة [ فيها فضلا ]{[1252]} كما للعمل ، فيجوز رفع فضل العمل وبقاء فضل التلاوة .
والثالث : على جعل الأول في حالة الاضطرار والثاني في وقت السعة كقوله : { حرمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] .
ثم يجوز أن ترفع عينها ، فينسى ذكرها كما روي عن عمر [ بن الخطاب ]{[1253]} رضي الله عنه أنه قال : ( كنا نعدل سورة الأحزاب بسورة البقرة حتى [ رفع منها ]{[1254]} آيات ؛ منها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) .
وأما قوله : { نأت بخير منها أو مثلها } [ فاختلف فيه : قيل : ( نأت بخير منها أو مثلها ) ]{[1255]} أي أخف وأهون على الأبدان . كقوله : { وعلى الذين يطيقونه } [ البقرة : 184 ] . إن الأمر بالصوم كان لوقت دون وقت ؛ إذ رجع الحكم عند الطاقة إلى غيره{[1256]} ، وكذا ما كان من الحكم في تحريم الأكل عند النوم والجماع ، وكذا تحريم الميتة [ لو ]{[1257]} لم يرد فيها الإباحة والحل عند الضرورة ، لكنا نعرفه بالحرمة ، وذلك أخف وأهون ، [ والله أعلم ]{[1258]}
وقيل : { نأت بخير منها } في الثواب في العاقبة ، وقيل : { نأت بخير منها } في المنفعة أو مثلها في المنفعة ، وقيل : { نأت بخير منها } وهو أن يظهر لكم [ به الخير في حق الاتباع والمثل في حق الأمر ، فيشترك أصحاب المنكرين للنسخ في حق الائتمار بالمثل ، ويفضلونه بظهور الأخير ]{[1259]} ؛ وهو كالصلاة إلى بيت المقدس ، كان لهم مثل ما لليهود في حق الائتمار ما كان ظهر لهم الأخير في وقت ظهور الأمر ، وأبهم الخير ، وظهر عنده في من أبى أن اتباعه لم يكن لأجل حق المتابعة بل لما كان عنده الحجة .
فأما من جعله خيرا على البدل ، فاستبدل{[1260]} بها الآخر رخصة وإباحة ؛ والإباحة ورودها للتخفيف . ومن استدل على أن النسخ أبدا يرد على ما هو أغلظ [ فقد عورض ]{[1261]} بقوله : { فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت } [ النساء : 15 ] فأبدل بعقوبة أشد من الأول ، وهو الرجم ، بقوله صلى الله عليه وسلم : خذوا عني " [ مسلم : 169 ] .
ويحتمل قوله : { نأت بخير منها } [ وجها آخر ، وهو آية ، والآيات هي الحجج فيكون معناه : ما نرفع من حجة ، فننفيها عن الأبصار إلا { نأت بخير منها } ]{[1262]} يعني أقوى منها في إلزام الحجة { أو مثلها } . ولا شك أن ما يعترض هو أقوى حالة الاعتراض في لزوم الحجة على ما غاب{[1263]} عن الأبصار ، فيكون قوله : { نأت بخير منها } على هذا الوزن ؛ أي نأت بحجة ، هي أقوى وأكثر من الأولى أو مثلها في القوة .
فإن قيل : ما الحكمة في النسخ ؟ وما وجهه ؟ قيل : محنة يمتحن بها الخلق . ولله أن يمتحن خلقه بما يشاء في أي وقت شاء ؛ يأمر بأمر في وقت ، ثم ينهى عن ذلك ، ويأمر بآخر ، وليس في ذلك خروج عن الحكمة ، ولا كان ذلك منه لبداء يبدو له ، بل لم يزل عالما بما كان ، ويكون ، حكيما ، يحكم بالحق والعدل ، فنعوذ بالله من السرف في القول .
وقوله : { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } يحتمل أن يكون الخطاب [ له صلى الله عليه وسلم والمراد بالخطاب ]{[1264]} الذين سبق ذكرهم في قوله { ما يود الذين كفروا } [ البقرة : 105 ] أنه قادر على إنزال الخير على من يشاء واختصاص بعض على بعض وتفضيل بعضهم على بعض . ويحتمل أن يكون المراد في الخطاب له عليه السلام على حقيقة العلم على التذكير والتنبيه ؛ أي : تعلم أنت أن الله على كل شيء قدير ، وهو كقوله : { فاعلم أن لا إله إلا الله } [ محمد : 19 ] على حقيقة العلم ، ويحتمل على الإعلام والإخبار لقومه{[1265]} ، وقد ذكرنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.