18- وقالت اليهود والنصارى : إننا المفضلون ، لأننا أبناء الله والمحببون لديه فقل لهم - أيها الرسول - : فلماذا يعذبكم بذنوبكم ، ويصليكم نار جهنم ؟ لقد كذبتم لأنكم كسائر البشر مخلوقون ومحاسبون على أعمالكم ، وبيد الله - وحده - المغفرة لمن يشاء أن يغفر له ، والعذاب لمن يشاء أن يعذبه ، لأن لله ملك السماوات والأرض وما بينهما ، وإليه المنتهي .
واليهود والنصارى يقولون : إنهم أبناء الله وأحباؤه :
( وقالت اليهود والنصارى : نحن أبناء الله وأحباؤه ) . .
فزعموا لله - سبحانه - أبوة ، على تصور من التصورات ، إلا تكن أبوة الجسد فهي أبوة الروح . وهي أيا كانت تلقي ظلا على عقيدة التوحيد ؛ وعلى الفصل الحاسم بين الألوهية والعبودية . هذا الفصل الذي لا يستقيم التصور ، ولا تستقيم الحياة ، إلا بتقريره . كي تتوحد الجهة التي يتوجه إليها العباد كلهم بالعبودية ؛ وتتوحد الجهة التي تشرع للناس ؛ وتضع لهم القيم والموازين والشرائع ؛ والقوانين ، والنظم والأوضاع ، دون أن تتداخل الاختصاصات ، بتداخل الصفات والخصائص ، وتداخل الألوهية والعبودية . . فالمسألة ليست مسألة انحراف عقيدي فحسب ، إنما هي كذلك فساد الحياة كلها بناء على هذا الانحراف !
واليهود والنصارى بادعائهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ، كانوا يقولون - تبعا لهذا - إن الله لن يعذبهم بذنوبهم ! وإنهم لن يدخلوا النار - إذا دخلوا - إلا أياما معدودات . ومعنى هذا أن عدل الله لا يجري مجراه ! وأنه سبحانه - يحابي فريقا من عباده ، فيدعهم يفسدون في الأرض ثم لا يعذبهم عذاب المفسدين الاخرين ! فأي فساد في الحياة يمكن أن ينشأ عن مثل هذا التصور ؟ وأي اضطراب في الحياة يمكن أن ينشئه مثل هذا الانحراف ؟
وهنا يضرب الإسلام ضربته الحاسمة على هذا الفساد في التصور ، وكل ما يمكن أن ينشئه من الفساد في الحياة ، ويقرر عدل الله الذي لا يحابي ؛ كما يقرر بطلان ذلك الادعاء :
( قل : فلم يعذبكم بذنوبكم ؟ بل أنتم بشر ممن خلق ، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) . .
بذلك يقرر الحقيقة الحاسمة في عقيدة الإيمان . يقرر بطلان ادعاء البنوة ؛ فهم بشر ممن خلق . ويقرر عدل الله وقيام المغفرة والعذاب عنده على أصلها الواحد . على مشيئته التي تقرر الغفران بأسبابه وتقرر العذاب بأسبابه . لا بسبب بنوة أو صلة شخصية !
ثم يكرر أن الله هو المالك لكل شيء ، وأن مصير كل شيء إليه :
( ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير ) . .
والمالك غير المملوك . تتفرد ذاته - سبحانه - وتتفرد مشيئته ، ويصير إليه الجميع . .
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَللّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } . .
وهذا خبر من الله جلّ وعزّ عن قوم من اليهود والنصارى أنهم قالوا هذا القول . وقد ذكر عن ابن عباس تسمية الذين قالوا ذلك من اليهود .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد مولي زيد بن ثابت ، قال : ثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحريّ بن عمرو ، وشأس بن عديّ ، فكلموه ، فكلّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وحذّرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوّفنا يا محمد ، نحن والله أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى ، فأنزل الله جلّ وعزّ فيهم : وَقَالَتِ اليَهُودُ وَالنّصَارَى نَحْنُ أبْناءُ اللّه وأحِبّاؤُهُ . . . إلى آخر الاَية . وكان السديّ يقول في ذلك بما :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَقالَتِ اليَهُودُ والنّصَارَى نَحْنُ أبْناءُ اللّهِ وأحبّاؤُهُ أما أبناء الله فإنهم قالوا : إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدا من ولدك أدخلهم النار فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم ، ثم ينادي مناد : أن أخرجوا كلّ مختون من ولد إسرائيل ، فأُخْرجهم . فذلك قوله : لَنْ تَمَسّنا النّارُ إلاّ أيّاما مَعْدُوداتٍ . وأما النصارى ، فإن فريقا منهم قال للمسيح : ابن الله .
والعرب قد تخرج الخبر إذا افتخرت مُخْرج الخبر عن الجماعة ، وإن كان ما افتخرت به من فعل واحد منهم ، فتقول : نحن الأجواد الكرام ، وإنما الجواد فيهم واحد منهم وغير المتكلم الفاعل ذلك ، كما قال جرير :
نَدسْنا أبا مَندوسة القَيْنَ بالقَنَا ***وَما رَدَمٌ من جارِ بَيْبَةَ ناقعُ
فقال : «ندسنا » ، وإنما النادس : رجل من قوم جرير غيره ، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن جماعة هو أحدهم . فكذا أخبر الله عزّ ذكره عن النصارى أنها قالت ذلك على هذا الوجه إن شاء الله . وقوله : وأحِبّاؤُهُ وهو جمع حبيب ، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الكذبة المفترين على ربهم فَلِمَ يُعَذّبُكُمْ رَبّكُمْ ؟ يقول : فلأيّ شيء يعذّبكم ربكم بذنوبكم إن كان الأمر كما زعمتم أنكم أبناؤه وأحباؤه ، فإن الحبيب لا يعذّب حبيبه ، وأنتم مقرّون أنه معذّبكم . وذلك أن اليهود قالت : إن الله معذّبنا أربعين يوما عدد الأيام التي عبدنا فيه العجل ، ثم يخرجنا جميعا منها فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم : إن كنتم كما تقولون أبناءُ الله وأحباؤه ، فلم يعذّبكم بذنوبكم ؟ يُعلمهم عزّ ذكره أنهم أهل فِرية وكذب على الله جلّ وعزّ .
القول في تأويل قوله تعالى : بَلْ أنْتُمْ بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يشاءُ .
يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم : ليس الأمر كما زعمتم أنكم أبناء الله وأحباؤه بل أنتم بشر ممن خلق ، يقول : خلق من بني آدم ، خلقكم الله مثل سائر بني آدم ، إن أحسنتم جُوزيتم بإحسانكم كما سائر بني آدم مَجْزِيّون بإحسانهم ، وإن أسأتم جوزيتم بإساءتكم كما غيركم مجزىّ بها ، ليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه ، فإنه يغفر لمن يشاء من أهل الإيمان به ذنوبه ، فيصفح عنه بفضله ، ويسترها عليه برحمته ، فلايعاقبه بها . وقد بينا معنى المغفرة في موضع غير هذا بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . وَيُعَذّبُ مَنْ يَشاءُ يقول : ويعدل على من يشاء من خلقه ، فيعاقبه على ذنوبه ، ويفضحه بها على رءوس الأشهاد ، فلا يسترها عليه ، وإنما هذا من الله عزّ وجلّ وعيد لهؤلاء اليهود والنصارى ، المتكلين على منازل سلفهم الخيار عند الله ، الذين فضلهم الله بطاعتهم إياه ، واجتنابهم معصيته ، لمسارعتهم إلى رضاه ، واصطبارهم على ما نابهم فيه . يقول لهم : لا تغتروا بمكان أولئك مني ، ومنازلهم عندي ، فإنهم إنما نالوا مني بالطاعة لي ، وإيثار رضاي على محابهم ، لا بالأماني ، فجِدّوا في طاعتي ، وانتهوا إلى أمري ، وانزجروا عما نهيتهم عنه ، فإني إنما أغفر ذنوب من أشاء أن أغفر ذنوبه من أهل طاعتي ، وأعذّب من أشاء تعذيبه من أهل معصيتي ، لا لمن قرُبت زلفة آبائه مني ، وهو لي عدوّ ولأمري ونهيي مخالف . وكان السديّ يقول في ذلك بما :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قوله : يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشاءُ يقول : يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له ، ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذّبه .
القول في تأويل قوله تعالى : ولِلّهِ مُلْكُ السّمَواتِ والأرْضه وَما بَيْنَهُما وإلَيْهِ المَصِيرُ .
يقول : لله تدبير ما في السموات وما في الأرض وما بينهما ، وتصريفه ، وبيده أمره ، وله ملكه ، يصرّفه كيف يشاء ويدبره كيف أحبه ، لا شريك له في شيء منه ولا لأحد معه فيه ملك ، فاعلموا أيها القائلون : نحن أبناء الله وأحباؤه ، أنه إن عذّبكم بذنوبكم ، لم يكن لكم منه مانع ولا لكم عنه دافع لأنه لا نسب بين أحد وبينه فيحابيَه لسبب ذلك ، ولا لأحد في شيء ومرجعه . فاتقوا أيها المفترون عقابه إياكم على ذنوبكم بعد مرجعكم إليه ، ولا تغترّوا بالأماني وفضائل الاَباء والأسلاف .
{ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه } أشياع ابنيه عزيرا والمسيح كما قيل لأشياع ابن الزبير الحبيبون أو المقربون عنده قرب الأولاد من والدهم وقد سبق لنحو ذلك مزيد بيان في سورة " آل عمران " . { قل فلم يعذبكم بذنوبكم } أي فإن صح ما زعمتم فلم يعذبكم بذنوبكم فإن من كان بهذا المنصب لا يفعل ما يوجب تعذيبه ، وقد عذبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ واعترفتم بأنه سيعذبكم بالنار أياما معدودات . { بل أنتم بشر ممن خلق } ممن خلقه الله تعالى . { يغفر لمن يشاء } وهم من آمن به وبرسله . { ويعذب من يشاء } وهم من كفر ، والمعنى أنه يعاملكم معاملة سائر الناس لا مزية لكم عنده . { ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما } كلها سواء في كونها خلقا وملكا له . { وإليه المصير } فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .
في الكلام لف وإيجاز يحال المستمع على تفريقه بذهنه وذلك أن ظاهر اللفظ يقتضي أن جميع { اليهود والنصارى } يقولون عن جميعهم : { نحن أبناء والله وأحباؤه } وليس الأمر كذلك بل كل فرقة تقول خاصة { نحن أبناء الله وأحباؤه } والبنوة في قولهم هذا بنوة الحنان والرأفة ، وذكروا أن الله تعالى أوحى إلى إسرائيل أن أول أولادك بكري فضلوا بذلك وقالوا { نحن أبناء الله وأحباؤه } ولو صح ما رووا لكان معناه بكراً في التشريف أو النبوة ونحوه ، وأحباء جمع حبيب ، وكانت هذه المقالة منهم عندما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به وخوفهم العذاب ، فقالوا نحن لا نخاف ما تقول لأننا { أبناء الله وأحباؤه } وذكر ذلك ابن عباس ، وقد كانوا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم في غير ما موطن نحن ندخل النار فنقيم بها أربعين يوماً ثم تخلفوننا فيها ، فرد الله عليهم بقولهم فقال لمحمد صلى الله عليه وسلم : { قل فلم يعذبكم بذنوبكم } أي لو كانت منزلتكم فوق منازل البشر لما عذبكم وأنتم قد أقررتم أنه يعذبكم .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا على أن التعذيب هو بنار الآخرة ، وقد تحتمل الآية أن يكون المراد ما كان الله تعالى «يعذبهم » به في الدنيا . وذلك أن بني إسرائيل كانوا إذا أصاب الرجل منهم خطيئة أصبح مكتوباً على بابه ذكر ذنبه وذكر عقوبته فينفذ ذلك عليه ، فهذا تعذيب في الدنيا على الذنوب ينافي أنهم أبناء وأحباء . ثم ترك الكلام الأول وأضرب عنه غير مفسد له ، ودخل في غيره من تقرير كونهم بشراً كسائر الناس ، والخلق أكرمهم أتقاهم ، يهدي من يشاء للإيمان فيغفر له ، ويورط من يشاء في الكفر فيعذبه ، وله ملك السماوات الأرض وما بينهما ، فله بحق الملك أن يفعل ما شاء لا معقب لحكمه وإليه مصير العالم بالحشر والمعاد .
مقال آخر مشترك بينهم وبين اليهود يدلّ على غباوتهم في الكفر إذ يقولون ما لا يليق بعظمة الله تعالى ، ثمّ هو مناقض لمقالاتهم الأخرى . عُطف على المقال المختصّ بالنصارى ، وهو جملة { لقد كَفَر الّذين قالوا إنّ الله هو المسيح } [ المائدة : 17 ] . وقد وقع في التّوراة والإنجيل التعبير بأبناء الله ؛ ففي سفر التثنية أوّل الفصل الرابع عشر قول موسى « أنتُم أولاد للربّ أبيكم » . وأمّا الأناجيل فهي مملوءة بوصف الله تعالى بأبي المسيح ، وبأبي المؤمنين به ، وتسمية المؤمنين أبناءَ الله في متّى في الإصحاح الثّالث « وصوت من السماء قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت » وفي الإصْحاح الخامس « طوبى لصانعي السلام لأنّهم أبناءَ الله يُدعون » . وفي الإصحاح السادس « وأبوكم السماوي يقُوتها » . وفي الإصحاح العاشر « لأِنْ لستم أنتم المتكلّمين بل روح أبيكم الّذي يتكلّم فيكم » . وكلّها جائية على ضرب من التشبيه فتوهّمها دهماؤهم حقيقة فاعتقدوا ظاهرها .
وعطف { وأحبّاؤه } على { أبناءُ الله } أنّهم قصدوا أنّهم أبناء محبوبون إذ قد يكون الابن مغضوباً عليه .
وقد علَّم الله رسوله أن يبطل قولهم بنقْضَيْن : أولهما من الشريعة ، وهو قوله { قل فلِمَ يعذّبكم بذنوبكم } يعنِي أنّهم قائلون بأنّ نصيباً من العذاب ينالهم بذنوبهم ، فلو كانوا أبناء الله وأحبّاءه لما عذّبهم بذنوبهم ، وشأن المحبُّ أن لا يعذّب حبيبه وشأن الأب أن لا يعذّب أبناءه . رُوي أنّ الشِّبْلي سأل أبا بكر بن مجاهد : أين تَجد في القرآن أنّ المُحبّ لا يعذِّب حبيبَه فلم يهتد ابن مجاهد ، فقال له الشبلي في قوله : { قل فلِم يعذّبكم بذنوبكم } . وليس المقصود من هذا أنّ يَردّ عليهم بوقوع العذاب عليهم في نفس الأمر ، مِن تقدير العذاب لهم في الآخرة على كفرهم ، لأنّ ذلك لا يعترفون به فلا يصلح للردّ به ، إذ يصير الردّ مُصَادَرَة ، بل المقصود الردّ عليهم بحصول عذاب يعتقدون حصوله في عقائد دينهم ، سواء كان عذاب الآخرة أم عذاب الدّنيا . فأمّا اليهود فكُتبهم طافحة بذكر العذاب في الدنيا والآخرة ، كما في قوله تعالى : { وقالوا لَنْ تمسّنا النّار إلاّ أيّاماً معدودة } [ البقرة : 80 ] . وأمّا النّصارى فلم أر في الأناجيل ذكراً لِعذاب الآخرة إلاّ أنّهم قائلون في عقائدهم بأنّ بني آدم كلّهم استحقّوا العذاب الأخروي بخطيئة أبيهم آدم ، فجاء عيسى ابن مريم مخلّصاً وشافعاً وعرّض نفسه للصلب ليكفّر عن البشر خطيئتهم الموروثة ، وهذا يُلزمهم الاعترافَ بأنّ العذاب كان مكتوباً على الجميع لولا كفّارة عيسى فحصل الرّدّ عليهم باعتقادهم به بله اعتقادنا .
ثم أُخذت النتيجةُ من البرهان بقوله : { بل أنتم بشر ممّن خلق } أي يَنالكم ما ينال سائر البشر . وفي هذا تعريض أيضاً بأنّ المسيح بَشَر ، لأنّه ناله ما ينال البشر من الأعراض والخوف ، وزعموا أنّه ناله الصلب والقتل .
وجملة قوله : { يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء } كالاحتراس ، لأنّه لمّا رتّب على نوال العذاب إيّاهم أنهم بشر دفع توهّم النصارى أنّ البشريّة مقتضية استحقاق العذاب بوراثة تَبِعة خطيئة آدم فقال : { يغفر لمن يشاء } ، أي من البشر { ويعذّب من يشاء } .