وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير( 18 )
{ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه }-حكاية لما صدر من الفريقين من الدعوى الباطلة لأنفسهم ، وبيان لبطلانها ، إثر ذكر ما صدر عن أحدهما من الدعوى الباطلة لغيره ، وبيان بطلانها ، أي قال كل من الطائفتين هذا القول الباطل ؛ ومرادهم بالأبناء : المقربون ، أي : نحن مقربون عند الله تعالى قرب الأولاد من والدهم ، وبالأحباء : جمع حبيب ، بمعنى محب أو محبوب ، ويجوز أن يكون أرادوا من الأبناء : الخاصة ، كما يقال : أبناء الدنيا ، وأبناء الآخرة ، . . . وعن الحسن أن النصارى تأولوا ما في الإنجيل من قول المسيح إني ذاهب إلى أبي وأبيكم ، فقالوا ما قالوا- ( {[1713]} ) ؛ { قل فلم يعذبكم بذنوبكم } بين الكتاب الحكيم سبيل إبطال ما افتروه ، فعلمنا أن نرد عليهم إلزاما لهم وتبكيتا ، فنقول : إن كان ما زعمتموه صحيحا وأنكم أبناؤه وأحباؤه فكيف يعذبكم ؟ ! ( وهكذا اثبتوا لأنفسهم أنهم أحباء الله بمجرد الدعوى الباطلة والأماني العاطلة ، فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرد عليهم فقال : { قل فلم يعذبكم بذنوبكم } أي إن كنتم كما تزعمون ، فما باله يعذبكم بما تقترفونه من الذنوب بالقتل والمسخ ، وبالنار في يوم القيامة كما تعترفون بذلك لقولكم : ( . . لن تمسنا النار إلا أياما معدودة . . ) ( {[1714]} ) فإن الابن من جنس أبيه ، لا يصدر عنه ما يستحيل على الأب وأنتم تذنبون ، والحبيب لا يعذب حبيبه وأنتم تعذبون ، فهذا يدل على أنكم كاذبون في هذه الدعوى ؛ وهذا البرهان هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف ) ( {[1715]} ) ؛ { بل أنتم بشر ممن خلق } ، { بل } للإضراب ، أي ليس الأمر كما زعمتم من أن لكم فضلا على الناس ومزية ، وإنما أنتم كسائر الآدميين ، ويحاسبكم على الطاعة والمعصية ، ويحكم فيكم ما يريد ؛ { يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } يتجاوز عمن يريد رحمته ، ويستر عليه خطيئته ، فلا يفضحه بها ؛ ويحل غضبه وشديد عقابه على من أراد أن يؤاخذه بما اكتسب ، وهو سبحانه لا يظلم مثقال ذرة ؛ { ولله ملك السموات والأرض وما بينهما } فهو يقضي في خلقه وملكه ، ويحكم لا معقب لحكمه ؛ -وكل ذلك له تعالى ، لا ينتمي إليه سبحانه شيء إلا بالمملوكية والعبودية ، والمقهورية تحت ملكوته ، يتصرف فيه كيف يشاء إيجادا وإعداما ، وإحياء وإماتة ، وإثابة وتعذيبا ، فأنى لهؤلاء ادعاء ما زعموا ؟ ! ، وربما يقال : إن هذا مع ما تقدم رد لكونهم أبناء لله تعالى بمعنى أشياع نبيه ، ففي أولا كونهم أشياعا ، وثانيا وجود بنين له عز شأنه ، { وإليه المصير } أي : الرجوع في الآخرة { إليه }- لا إلى غيره استقلالا أو اشتراكا- فيجازى كلا من المحسن والمسيء بما يستدعيه علمه من غير صارف يثنيه ، ولا عاطف يلويه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.