بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَـٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّـٰٓؤُهُۥۚ قُلۡ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُمۖ بَلۡ أَنتُم بَشَرٞ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

قوله تعالى :

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أبْنَاءُ الله وأَحِبَّاؤُه } يعني : نحن من الله تعالى بمنزلة الأبناء من الآباء في المنزلة والكرامة ، والوالد إذا سخط على ولده في وقت يرضى عنه في وقت آخر . ويقال : معناه نحن أبناء الله وأحباؤه . قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم } يعني يحرقكم لأنهم كانوا مقرِّين بأنه يحرقهم أربعين يوماً أياماً معدودة ، قل لهم فهل رأيتم والداً يحرق ولده أو يحرق مُحِبَّه ؟ ففي الآية دليل أن الله تعالى إذا أحب عبده يغفر ذنوبه ، ولا يعذبه بذنوبه ، لأنه احتج عليهم فقال : { فَلِمَ يُعَذّبُكُم } إن كنتم أحباء الله تعالى ، وقال في آية أخرى : { وَيَسْألُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النساء فِي المحيض وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين } [ البقرة : 222 ] ففيه دليل على أنه لا يعذب التوابين بذنوبهم ، ولا المجاهدين الذين يجاهدون لقوله تعالى : { إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون في سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بنيان مَّرْصُوصٌ } [ الصف : 4 ] ثم قال : { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } يعني أنتم لستم بأبناء الله ولا أحبائه ، ولكن أنتم خلق كسائر خلق الله تعالى . ثم قال : { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء } أي يتجاوز عمن يشاء فيهديه لدينه { وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } فيهينه ويتركه على الكفر { وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا } من الخلق { وَإِلَيْهِ المصير } يعني إليه المرجع ، فيجزيهم بأعمالهم .