30- قل - يا أيها النبي - للمؤمنين - محذراً لهم مما يوصل إلي الزنا ويعرض للتهم - : إنهم مأمورون ألا ينظروا إلي ما يحرم النظر إليه من عورات النساء ومواطن الزينة منهن ، وأن يصونوا فروجهم بسترها وبعدم الاتصال غير المشروع ، ذلك الأدب أكرم بهم وأطهر لهم وأبعد عن الوقوع في المعصية والتهم . إن الله عالم أتم العلم بجميع ما يعملون ومجازيهم على ذلك .
( قل للمؤمنين : يغضوا من أبصارهم ، ويحفظوا فروجهم . ذلك أزكى لهم . إن الله خبير بما يصنعون ) . .
وغض البصر من جانب الرجال أدب نفسي ، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام . كما أن فيه إغلاقا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية . ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السهم المسموم !
وحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر . أو هو الخطوة التالية لتحكيم الإرادة ، ويقظة الرقابة ، والاستعلاء على الرغبة في مراحلها الأولى . ومن ثم يجمع بينهما في آية واحدة ؛ بوصفهما سببا ونتيجة ؛ أو باعتبارهما خطوتين متواليتين في عالم الضمير وعالم الواقع . كلتاهما قريب من قريب .
( ذلك أزكى لهم ) . . فهو أطهر لمشاعرهم ؛ وأضمن لعدم تلوثها بالانفعالات الشهوية في غير موضعها المشروع النظيف ، وعدم ارتكاسها إلى الدرك الحيواني الهابط . وهو أطهر للجماعة وأصون لحرماتها وأعراضها ، وجوها الذي تتنفس فيه .
والله هو الذي يأخذهم بهذه الوقاية ؛ وهو العلم بتركيبهم النفسي وتكوينهم الفطري ، الخبير بحركات نفوسهم وحركات جوارحهم : ( إن الله خبير بما يصنعون ) . .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَىَ لَهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ للمؤْمِنينَ بالله وبك يا محمد يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ يقول : يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه مما قد نهاهم الله عن النظر إليه . وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ أن يراها مَنْ لا يحلّ له رؤيتها ، بلبس ما يسترها عن أبصارهم . ذلكَ أزْكَى لَهُمْ يقول : فإنّ غضها من النظر عما لا يحلّ النظر إليه وحفظ الفرج عن أن يظهر لأبصار الناظرين ، أطهر لهم عند الله وأفضل . إنّ اللّهُ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ يقول : إن الله ذو خبرة بما تصنعون أيها الناس فيما أمركم به من غضّ أبصاركم عما أمركم بالغضّ عنه وحفظ فروجكم عن إظهارها لمن نهاكم عن إظهارها له .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ بن سهل الرّمليّ ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله : قُلْ للْمُؤمِنينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ قال : كل فرج ذُكِر حفظة في القرآن فهو من الزنا ، إلا هذه : وَقُلْ للْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنّ وَيحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ فإنه يعني الستر .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : قُلْ للْمُؤْمِنِينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وَقُلْ للْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنّ وَيحفَظْنَ فُرُوجَهُنّ قال : يغضوا أبصارهم عما يكره الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قُلْ للْمُؤْمِنِينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ قال : يغضّ من بصره : أن ينظر إلى ما لا يحلّ له ، إذا رأى ما لا يحلّ له غضّ من بصره ، لا ينظر إليه ، ولا يستطيع أحد أن يغضّ بصره كله ، إنما قال الله : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ .
{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } أي ما يكون نحو محرم . { ويحفظوا فروجهم } إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم ، ولما كان المستثنى منه كالشاذ النادر بخلاف الغض أطلقه وقيد الغض بحرف التبعيض ، وقيل حفظ الفروج ها هنا خاصة سترها . { ذلك أزكى لهم } أنفع لهم أو أطهر لما فيه من البعد عن الريبة . { إن الله خبير بما يصنعون } لا يخفى عليه إجالة أبصارهم واستعمال سائر حواسهم وتحريك جوارحهم وما يقصدون بها ، فليكونوا على حذر منه في كل حركة وسكون .
قوله { قل للمؤمنين } بمنزلة قوله إنهم ، فقوله { يغضوا } جواب الأمر ، وقال المازني المعنى قل لهم غضوا { يغضوا } . ويلحق هذين من الاعتراض أن الجواب خبر من الله وقد يوجد من لا يغض وينفصل بأن المراد يكونون في حكم من يغض ، وقوله { من أبصارهم } أظهر ما في { من } أن تكون للتبعيض وذلك أن أول نظرة لا يملكها الإنسان وإنما يغض فيما بعد ذلك فقد وقع التبعيض ، ويؤيد هذا التأويل ما روي من قوله عليه السلام لعلي بن أبي طالب «لا تتبع النظرة فإن الأولى لك وليست لك الثانية » الحديث{[8673]} . وقال جرير بن عبد الله سألت النبي عليه السلام عن نظرة الفجأة فقال «اصرف بصرك »{[8674]} ويصح أن تكون { من } لبيان الجنس{[8675]} ، ويصح أن تكون لابتداء الغاية ، والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه ، و «حفظ الفروج » يحتمل أن يريد في الزنى ويحتمل أن يريد في ستر العورة والأظهر أن الجميع مراد واللفظ عام ، وبهذه الآية حرم العلماء دخول الحمام بغير مئزر وقال أبو العالية كل فرج ذكر في القرآن فهو من الزنا إلا هذه الآيتين فإنه يعني التستر .
قال الفقيه الإمام القاضي : ولا وجه لهذا التخصيص عندي وباقي الآية بين وظاهره والتوعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.