المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (106)

106- ذلك العذاب العظيم في اليوم الذي تبيض بالسرور فيه وجوه المؤمنين ، وتسود بالكآبة والحزن وجوه الكافرين ، ويقال لهم توبيخاً : أكفرتم بعد أن فطرتم على الإيمان والإذعان للحق وجاءتكم البينات عليه ؟ ، فذوقوا العذاب بسبب كفركم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (106)

93

( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه . فأما الذين اسودت وجوههم : أكفرتم بعد إيمانكم ؟ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون . وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون )

وهنا يرسم السياق مشهدا من المشاهد القرآنية الفائضة بالحركة والحيوية . . فنحن في مشهد هول . هول لا يتمثل في الفاظ ولا في أوصاف . ولكن يتمثل في آدميين أحياء . في وجوه وسمات . . هذه وجوه قد أشرقت بالنور ، وفاضت بالبشر ، فابيضت من البشر والبشاشة ، وهذه وجوه كمدت من الحزن ، وغبرت من الغم ، واسودت من الكآبة . . وليست مع هذا متروكة إلى ما هي فيه . ولكنه اللذع بالتبكيت والتأنيب :

( أكفرتم بعد إيمانكم ؟ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ! ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (106)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَوْمَ تَبْيَضّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدّ وُجُوهٌ فَأَمّا الّذِينَ اسْوَدّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمّا الّذِينَ ابْيَضّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : أولئك لهم عذاب عظيم في يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه . وأما قوله : { فأمّا الّذِينَ اسْوَدّتْ وُجُوهُهُمْ أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ } فإن معناه : فأما الذين اسودّت وجوههم ، فيقال لهم : { أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } . ولا بدّ ل «أمّا » من جواب بالفاء ، فلما أسقط الجواب سقطت الفاء معه ، وإنما جاز ترك ذكر «فيقال » لدلالة ما ذكر من الكلام عليه . وأما معنى قوله جلّ ثناؤه : { أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ } فإن أهل التأويل اختلفوا فيمن عُني به ، فقال بعضهم : عُني به أهل قبلتنا من المسلمين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَوْمَ تَبْيَضّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدّ وُجُوه } . . . الاَية ، لقد كفر أقوام بعد إيمانهم كما تسمعون ، ولقد ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ ، لَيَرِدَنّ عَليّ الحَوْضَ مِمّنْ صَحِبَنَي أقْوَامٌ ، حتى إذَا رُفِعُوا إليّ ورأيْتُهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي ، فلأَقُولَنّ رَبّ أصحابِي أصحَابِي ، فَلَيُقالَنّ إنّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ » . وقوله : { وأمّا الّذِينَ ابْيَضّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ } هؤلاء أهل طاعة الله والوفاء بعهد الله ، قال الله عز وجل : { فَفِي رحْمة اللّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ } .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { يَوْمَ تَبْيَضّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدّ وُجُوه فأمّا الّذِينَ اسْوَدّتْ وُجُوهُهُمْ أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } فهذا من كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن حماد بن سلمة والربيع بن صبيح ، عن أبي مجالد ، عن أبي أمامة : { فأمّا الّذِينَ اسْوَدّتْ وُجُوهُهُمْ أكَفَرْتُم بَعْدَ إيَمانِكُمْ } قال : هم الخوارج .

وقال آخرون : عنى بذلك كل من كفر بالله بعد الإيمان الذي آمن حين أخذ الله من صلب آدم ذريته وأشهدهم على أنفسهم بما بين في كتابه . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عليّ بن الهيثم ، قال : أخبرنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبيّ بن كعب ، في قوله : { يَوْمَ تَبْيَضّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدّ وُجُوه } قال : صاروا يوم القيامة فريقين ، فقال لمن اسودّ وجهه وعيرهم : { أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } قال : هو الإيمان الذي كان قبل الاختلاف في زمان آدم ، حين أخذ منهم عهدهم وميثاقهم ، وأقرّوا كلهم بالعبودية ، وفطرهم على الإسلام ، فكانوا أمة واحدة مسلمين ، يقول : أكفرتم بعد إيمانكم ، يقول بعد ذلك الذي كان في زمان آدم ، وقال في الاَخرين : الذين استقاموا على إيمانهم ذلك ، فأخلصوا له الدين والعمل ، فبيض الله وجوههم ، وأدخلهم في رضوانه وجنته .

وقال آخرون : بل الذين عنوا بقوله : { أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ } : المنافقون . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن : { يَوْمَ تَبْيَضّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدّ وُجُوه } . . . الاَية ، قال : هم المنافقون كانوا أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم ، وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم .

وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن أبيّ بن كعب أنه عنى بذلك جميع الكفار ، وأن الإيمان الذي يوبخون على ارتدادهم عنه ، هو الإيمان الذي أقرّوا به يوم قيل لهم : { ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلَى شَهِدْنا } . وذلك أن الله جلّ ثناؤه جعل جميع أهل الاَخرة فريقين : أحدهما سوداء وجوهه ، والاَخر بيضاء وجوهه ، فمعلوم إذ لم يكن هنالك إلا هذان الفريقان أن جميع الكفار داخلون في فريق من سوّد وجهه ، وأن جميع المؤمنين داخلون في فريق من بيض وجهه ، فلا وجه إذا لقول قائل عنى بقوله : { أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ } بعض الكفار دون بعض ، وقد عمّ الله جلّ ثناؤه الخبر عنهم جميعهم ، وإذا دخل جميعهم في ذلك ثم لم يكن لجميعهم حالة آمنوا فيها ، ثم ارتدوا كافرين بعد إلا حالة واحدة ، كان معلوما أنها المرادة بذلك .

فتأويل الاَية إذا : أولئك لهم عذاب عظيم في يوم تبيضّ وجوه قوم ، وتسودّ وجوه آخرين¹ فأما الذين اسودّت وجوههم ، فيقال : أجحدتم توحيد الله وعهده وميثاقه الذي واثقتموه عليه ، بأن لا تشركوا به شيئا ، وتخلصوا له العبادة بعد إيمانكم ، يعني : بعد تصديقكم به ، { فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } يقول : بما كنتم تجحدون في الدنيا ما كان الله قد أخذ ميثاقكم بالإقرار به والتصديق¹ وأما الذين ابيضت وجوههم ممن ثبت على عهد الله وميثاقه ، فلم يبدل دينه ، ولم ينقلب على عقبيه بعد الإقرار بالتوحيد ، والشهادة لربه بالألوهة ، وأنه لا إله غيره { ففي رَحْمَةِ اللّهِ } يقول : فهم في رحمة الله ، يعني في جنته ونعيمها ، وما أعدّ الله لأهلها فيها ، { هُمْ فيها خَالِدُونَ } أي باقون فيها أبدا بغير نهاية ولا غاية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (106)

{ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } نصب بما في لهم من معنى الفعل ، أو بإضمار اذكر . وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الخوف فيه . وقيل يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة وإشراق البشرة وسعي النور بين يديه وبيمينه ، وأهل الباطل بأضداد ذلك . { فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم } على إرادة القول أي فيقال لهم أكفرتم ، والهمزة للتوبيخ والتعجيب من حالهم ، وهم المرتدون أو أهل الكتاب كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم به قبل مبعثه ، أو جميع الكفار كفروا بعدما أقروا به حين أشهدهم على أنفسهم أو تمكنوا من الإيمان بالنظر في الدلائل والآيات . { فذوقوا العذاب } أمر إهانة . { بما كنتم تكفرون } بسبب كفركم أو جزاء لكفركم .