التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (106)

قوله تعالى : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانهم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) ذلك كائن يوم القيامة حيث القواصم والشدائد وهول الحساب والميزان . هنالك تجد كل نفس ما عملت من خير أو سوء محضرا ، وعندئذ يستيقن المرء من مآله إن كان في زمرة الناجين الفائزين بالنعيم أو كان في زمرة الخاسرين المكبكبين في سجّين . فإذا استيقن أنه ناج من العذاب استبشر وتهلل وغشيت وجهه غمرة من الإشراق والنضرة وعلائم الحبور ، أما إذا استيقن أنه خاسر وأنه في الأذلين المعذبين غشيته غاشية من الاغتمام والعبوس وتظلل وجهة بظلة من سواد الإياس والابتئاس والعياذ بالله .

أولئك الخاسرون المبثورون يقال لهم حينئذ : ( أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) ذلك استفهام بمعنى الإنكار وفيه من التقريع والتوبيخ ما يليق بهذا الصنف الشقي من الناس ، وهم الكافرون والمنافقون وغيرهم من المضلين المفسدين الذين زاغوا عن محجة الإسلام وعن طريقه السوي السليم وهم يحسبون أنهم على شيء ، لكنهم ليسوا في الحقيقة غير مضللين مخادعين ، أولئك عن أهل الأهواء والبدع الكافرة ، كالدهرية والسبأية والغرابية والعلوية والباطنية والمجسمة والمشبهة والثنوية والحشاشين والدروز . إلى غير هؤلاء من الزنادقة وأولي الأهواء الجانحة الضاربة في أغوار الضلالة والفسق .

إن هؤلاء جميعا سيقرّعون يوم القيامة تقريعا وسوف يبوءون بالمهانة والتهكم اللاذع ما يزيدهم إيلاما وحسرة .