التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (106)

يجوز أن يكون { يوم تبيض وجوه } منصوباً على الظرف ، متعلّقاً بما في قوله { لهم عذاب } من معنى كائنٍ أو مستقرّ : أي يكون عذاب لهم يوم تبيضّ وجوه وتسْودّ وجوه ، وهذا هو الجاري على أكثر الاستعمال في إضافة أسماء الزمان إلى الجُمل . ويجوز أن يكون منصوباً على المفعول به لفعل اذْكر محذوفاً ، وتكون جملة { تبيضّ وجوه } صفة ل ( يوم ) على تقدير : تبيضّ فيهِ وجوه وتسودّ فيه وجوه .

وفي تعريف هذا اليوم بحصول بياض وجوه وسواد وجوه فيه ، تهويل لأمره ، وتشويق لما يرِد بعده من تفصيل أصحاب الوجوه المبيضّة ، والوجوه المسودّة : ترهيباً لفريق وترغيباً لفريق آخر . والأظهر أن عِلْم السامعين بوقوع تبييض وجوه وتسويد وجوه في ذلكَ اليوم حاصل من قبل : في الآيات النازلة قبل هذه الآية ، مثل قوله تعالى : { ويوم القيامة ترى الَّذين كذبوا على الله وجوههم مسودّة } [ الزمر : 60 ] وقوله : { وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذٍ عليها غبرة ترهقها قترَة } [ عبس : 38 41 ] .

والبياض والسواد بياض وسواد حقيقيان يوسم بهما المؤمن والكافر يوم القيامة ، وهما بياض وسواد خاصّان لأن هذا م أحوال الآخرة فلا داعي لصرفه عن حقيقته .

وقوله تعالى : { فأما الذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم } تفصيل للإجمال السابق ، سُلك فيه طريق النشَّر المعكوس ، وفيه إيجاز لأنّ أصل الكلام ، فأمّا الَّذين اسودّت وجوههم فهم الكافرون يقال لهم أكفرتم إلى آخره : { وأمّا الَّذين ابيضّت وجوههم فهم المؤمنون وفي رحمة الله هم فيها خالدون } .