فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (106)

يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون 106 وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون 107

( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) أي اذكر يوم القيامة حين يبعثون من قبورهم تكون وجوه المؤمنين مبيضة ، ووجوه الكافرين مسودة ، يقال إن ذلك عند قراءة الكتاب إذا قرأ المؤمن كتابه رأى حسناته فاستبشر وابيض وجهه . وإذا قرأ الكافر كتابه رأى سيآته فحزن واسود وجهه ، والتنكير في وجوه للتكثير أي وجوه كثيرة .

عن ابن عباس قال تبيض وجوه أهل السنة والجماعة . وتسود وجوه أهل البدعة والضلالة ، وروي نحوه عن ابن عمر وأبي سعيد ، قيل إن البياض كناية عن الفرح والسرور ، والسواد عن الغم والحزن ، وقيل هما حقيقة تحصلان في الوجه .

( فأما الذين اسودت وجوههم ) تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإشارة إليها إجمالا وتقديم بيان حال الكفار لما أن المقام مقام التحذير عن التشبه بهم مع ما فيه من الجمع بين الإجمال والتفصيل ، والإفضاء إلى ختم الكلام بحسن حال المؤمنين كما بدأ بذلك الإجمال ، ففي الآية حسن ابتداء وحسن اختتام ، قيل هم أهل الكتاب ، وقيل المرتدون ، وقيل المبتدعون ، وقيل الكافرون فيلقون في النار ويقال لهم "

( أكفرتم ) الهمزة للتوبيخ والتعجيب من حالهم ( بعد إيمانكم ) قال أبو السعود والظاهر ان المخاطبين بهذا القول أهل الكتابين ، وكفرهم بعد إيمانهم كفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إيمان أسلافهم ، أو إيمان أنفسهم به قبل مبعثه ، أو جميع الكفرة حيث كفروا بعدما أقروا بالتوحيد يوم أخذ الميثاق في عالم الذر ، أو بعدما تمكنوا من الإيمان بالنظر الصحيح و الدلائل الواضحة والآيات البينة انتهى .

وقال الحسن هم المنافقون ، وقال عكرمة هم أهل الكتاب آمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه ثم كفروا به . وقيل الذين ارتدوا زمن أبي بكر ( فذوقوا العذاب ) أمر إهانة وهو من باب الاستعارة ففي ( فذوقوا ) استعارة تبعية تخيلية وفي العذاب استعارة مكنية حيث شبه العذاب بشئ يدرك بحاسة الأكل والذوق تصورا بصورة ما يذاق ، وأثبت له الذوق تخيلا ، قاله الكرخي .

( بما كنتم تكفرون ) صريح في أن نفس الذوق معلل بذلك ، فهو مسبب عنه ، بخلاف دخول الجة الآتي فلم يذكر له سبب إشارة انه بمحض فضل الله .