{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } ، { يَوْمَ } نصب على الظرف ، أي في يوم ، وانتصاب الظرف على التشبيه بالمفعول وقرأ يحيى بن وثّاب ( تِبيض وتِسود ) بكسر التاءين على لغة تميم . وقرأ الزهري : ( تبياض وتسواد ) . فأما الذين [ اسوادت ] .
و( المعنى ) تبيض وجوه المؤمنين ، وتسود وجوه الكافرين . وقيل : يوم تبيض وجوه المخلصين ، وتسود وجوه المنافقين .
وقال عطاء : تبيض وجوه المهاجرين والأنصار ، وتسود وجوه قريظة والنضير . سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } قال : تبيض وجوه أهل السنة ، وتسود وجوه أهل البدعة .
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : إذا كان يوم القيامة رفع لكل قوم مما كانوا يعبدونه فيسعى كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ، وهو قوله تعالى :
{ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى } [ النساء : 115 ] ، فإذا انتهوا إليه حزنوا فيسود وجوههم من الحزن . ويبقى أهل القبلة واليهود والنصارى لم يعرفوا شيئاً مما رفع لهم ، فيأتهم الله عز وجل فيسجد له من كان سجد في دار الدنيا مطيعاً مؤمناً ، ويبقى أهل الكتاب والمنافقون كأنهم لا يستطيعون السجود ثم يؤذن لهم فيرفعون رؤوسهم ووجوه المؤمنين مثل الثلج بياضاً ، والمنافقون وأهل الكتاب قيام كأن في ظهورهم السفافيد فإذا نظروا إلى وجوه المؤمنين وبياضها حزنوا حزناً شديداً واسودت وجوههم فيقولون : ربنا سوّدت وجوه من يعبد غيرك فما لنا مسودة وجوهنا فوالله ربنا ما كنا مشركين ؟ فيقول الله للملائكة : انظروا كيف كذبوا على أنفسهم .
وقال أهل المعاني : ابيضاض الوجوه : إشراقها واستبشارها وسرورها بعملها وثواب الله عز وجل ، واسودادها حزنها وكآبتها وكسوفها بعملها وبعذاب الله تعالى يدل عليه :
{ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] الآية وقوله :
{ وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } [ يونس : 27 ] ، وقوله :
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } [ القيامة : 22 ] ،
{ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } [ القيامة : 24 ] .
ثم بين حالهم ومآلهم فقال { فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ } ، فيه اختصار يعني : فيقال لهم : أكفرتم بعد إيمانكم ؟ واختلفوا فيه ؛ فروى الربيع عن أبي العالية عن أُبيّ بن كعب أنهم كل من كفر بعد إيمانه بالله يوم الميثاق حين أخرجهم من صلب آدم( عليه السلام ) وقال لهم :
{ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى } [ الأعراف : 172 ] ، فيعرفهم الله عز وجل يوم القيامة بكفرهم فيقول : { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } يوم الميثاق .
قال الحسن : هم المنافقون أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم ، وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم . وقال يونس بن أبي مسلم : سألت عكرمة عن هذه الآية فقال : لو فسرتها لم أخرج من تفسيرها ثلاثة أيام ، ولكني سأُجمل لك : هؤلاء قوم من أهل الكتاب كانوا مصدقين بأنبيائهم ، مصدقين بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ، ولما بعث كفروا به ، فذلك قوله { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } .
وقال الآخرون : هم من أهل ملتنا .
قال الحارث الأعور : سمعت علياً ( رضي الله عنه ) على المنبر يقول : " إن الرجل ليخرج من أهله فما يؤوب إليهم حتى يعمل عملاً يستوجب به الجنة ، وإنّ الرجل ليخرج من أهله فما يعود إليهم حتى يعمل عملاً يستوجب به النار " . ثمّ قرأ { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } الآية .
ثم نادى الذين كفروا بعد الإيمان [ أكفرتم ] ، يدل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " يأتي على أُمتي زمان يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً يبيع دينه بعرض يسير من الدنيا " .
وقال أبو أُمامة الباهلي : هم الخوارج . وقال قتادة : هم أهل البدع كلهم .
{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } [ الزمر : 60 ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ليردنّ الحوض من صحبتي أقوام حتى إذا رأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولن : أصحابي ، أصحابي ، فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.