الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (106)

ثم أخبر أن هؤلاء المختلفين لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه أي : عذاب عظيم في هذا : اليوم الذي تبيض فيه وجوه وتسود فيه وجوه .

ويجوز في غير القرآن كسر التاء في ( تَبْيَضُّ ) و( تَسْوَدُّ )( {[10567]} ) .

ومعنى تبيض : تشرق كما قال : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ )( {[10568]} ) فهي تشرق لما تصير إليه من [ النعيم( {[10569]} ) ، وتسود وجوه من أجل ما تصير إليه ]( {[10570]} ) من العذاب .

قوله ( أَكَفَرْتُمْ ) معناه : فيقال لهم أكفرتم ؟ قال جماعة من العلماء : عنى بهذا بعض أهل القبلة من المسلمين( {[10571]} ) وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ليردن على الحوض ممن صحبني أقوام حتى إذا رفعوا إلي ورأيتهم اختلجوا دوني فأقول : يا رب ، أصحابي أصحابي . فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك( {[10572]} ) .

قال أبو أمامة( {[10573]} ) ( فَأَمَّا الذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمُ ) : ( هم ) ( {[10574]} ) الخوارج( {[10575]} ) .

وعن أبي بن كعب أنه قال صاروا يوم القيامة فريقين : يقال لمن اسود وجهه( {[10576]} ) : أكفرتم بعد إيمانكم وذلك الإيمان هو الذي كان قبل الاختلاف حين أخرجهم من ظهور آدم وأخذ منهم( {[10577]} ) عهدهم وميثاقهم ، فقال الله : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى )( {[10578]} ) فأقروا كلهم بالعبودية ، وفطرهم على الإسلام ، ثم لما خرجوا إلى الدنيا كفروا ، فيقال لهم يوم القيامة : ( أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) فالآية عنده للكفار خاصة . قال : والآخرون فقاموا على إيمانهم المتقدم فهم في رحمة الله خلوداً( {[10579]} ) .

وقال الحسن : ( فَأَمَّا الذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُم ) هم المنافقون أظهروا الإيمان وأسروا الكفر( {[10580]} ) . واختار الطبري قول أبي بن كعب أن يكون للكفار ، ويكون الإيمان هو الذي أخذه الله عليهم حين أخرجهم من ظهور آدم كالذر فأقروا بأنه ربهم ثم كفروا بعد ذلك( {[10581]} ) .

وذكر النحاس في قوله : ( أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) قال : عنى بها اليهود بشروا بالنبي صلى الله عليه وسلم واستفتحوا( {[10582]} ) به قبل بعثه فكان ذلك منهم إيماناً ، فلما بعث كفروا به هذا معنى قوله( {[10583]} ) .


[10567]:- هي قراءة تنسب ليحيى بن وثاب 3/190، ولابن رزين العقيلي وأبو نهيك في البحر 3/22 وفي تبيض وتسود قراءة شاذة تبياض وتسواد بفتح التاء وكسرها، انظر: إعراب النحاس 1/356 ومختصر الشواذ 22، والبحر 3/22.
[10568]:- عبس آية 3-39.
[10569]:- (د): النعم وهو تحريف.
[10570]:- ساقط من (أ).
[10571]:- انظر: جامع البيان 4/40.
[10572]:- أخرجه البخاري في كتاب الرقائق 7/206 ومسلم في كتاب الفضائل 7/66 والمسند لأحمد 1/235، انظر: شرح الحديث في الفتح 11/463 ومعنى رفعوا إلي: أظهرهم الله، ومعنى اختلجوا ينزعون مني ويجذبون.
[10573]:- هو أبو أمامة بن سهل سماه الرسول باسم جده، صحابي له رواية، انظر: أسد الغابة 5/18 والإصابة 4/10.
[10574]:- ساقط من (د).
[10575]:- الخوارج هم الذين خرجوا عن طاعة الإمام علي رضي الله عنه، حينما قبل التحكيم ولهم مقالة، انظر: الملل والنحل 1/171.
[10576]:- كذا في كل النسخ وهو خطأ صوابه وجههم.
[10577]:- (ج): أخذهم.
[10578]:- الأعراف آية 172.
[10579]:- انظر: جامع البيان 4/40 والدر المنثور 2/292.
[10580]:- انظر: جامع البيان 440 والدر المنثور 2/292.
[10581]:- انظر: جامع البيان 4/41.
[10582]:- (أ): استحوا.
[10583]:- انظر: إعراب النحاس 1/356.