المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَتَيۡتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٖ مَّا تَبِعُواْ قِبۡلَتَكَۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ وَمَا بَعۡضُهُم بِتَابِعٖ قِبۡلَةَ بَعۡضٖۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (145)

145- وما كان إنكار أهل الكتاب عليكم لشبهة تزيلها الحُجة ، بل هو إنكار عناد ومكابرة فلئن جئتهم - أيها الرسول - بكل حُجة قطعية على أن قبلتك هي الحق ما تبعوا قبلتك ، وإذا كان اليهود منهم يطمعون في رجوعك إلى قبلتهم ويعلِّقون إسلامهم على ذلك فقد خاب رجاؤهم وما أنت بتابع قبلتهم ، وأهل الكتاب أنفسهم يتمسك كل فريق منهم بقبلته : فلا النصارى يتبعون قبلة اليهود ولا اليهود يتبعون قبلة النصارى ، وكل فريق يعتقد أن الآخر ليس على حق ، فاثبت على قبلتك ولا تتبع أهواءهم ، فمن اتبع أهواءهم - بعد العلم ببطلانها والعلم بأن ما عليه هو الحق - فهو من الظالمين الراسخين في الظلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَئِنۡ أَتَيۡتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٖ مَّا تَبِعُواْ قِبۡلَتَكَۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ وَمَا بَعۡضُهُم بِتَابِعٖ قِبۡلَةَ بَعۡضٖۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (145)

142

( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ) . .

فهم في عناد يقوده الهوى ، وتؤرثه المصلحة ، ويحدوه الغرض . . وإن كثيرا من طيبي القلوب ليظنون أن الذي يصد اليهود والنصارى عن الإسلام أنهم لا يعرفونه ، أو لأنه لم يقدم إليهم في صورة مقنعة . . وهذا وهم . . إنهم لا يريدون الإسلام لأنهم يعرفونه ! يعرفونه فهم يخشونه على مصالحهم وعلى سلطانهم ؛ ومن ثم يكيدون له ذلك الكيد الناصب الذي لا يفتر ، بشتى الطرق وشتى الوسائل . عن طريق مباشر وعن طرق أخرى غير مباشرة . يحاربونه وجها لوجه ، ويحاربونه من وراء ستار . ويحاربونه بأنفسهم ويستهوون من أهله من يحاربه لهم تحت أي ستار . . وهم دائما عند قول الله تعالى لنبيه الكريم : ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ) .

وفي مواجهة هذا الإصرار من أهل الكتاب على الاعراض عن قبلة الإسلام ومنهجه الذي ترمز هذه القبلة له ، يقرر حقيقة شأن النبي [ ص ] وموقفه الطبيعي :

( وما أنت بتابع قبلتهم ) . .

ليس من شأنك أن تتبع قبلتهم أصلا . واستخدام الجملة الأسمية المنفية هنا أبلغ في بيان الشأن الثابت الدائم للرسول [ ص ] تجاه هذا الأمر . وفيه إيحاء قوي للجماعة المسلمة من ورائه . فلن تختار قبلة غير قبلة رسولها التي اختارها له ربه ورضيها له ليرضيه ؛ ولن ترفع راية غير رايتها التي تنسبها إلى ربها ؛ ولن تتبع منهجا إلا المنهج الإلهي الذي ترمز له هذه القبلة المختارة . . هذا شأنها ما دامت مسلمة ؛ فإذا لم تفعل فليست من الإسلام في شيء . . إنما هي دعوى . .

ويستطرد فيكشف عن حقيقة الموقف بين أهل الكتاب بعضهم وبعض ؛ فهم ليسوا على وفاق ، لأن الأهواء تفرقهم :

( وما بعضهم بتابع قبلة بعض ) . .

والعداء بين اليهود والنصارى ، والعداء بين الفرق اليهودية المختلفة ، والعداء بين الفرق النصرانية المختلفة أشد عداء .

وما كان للنبي [ ص ] وهذا شأنه وهذا شأن أهل الكتاب ، وقد علم الحق في الأمر ، أن يتبع أهواءهم بعدما جاءه من العلم :

( ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ) . .

ونقف لحظة أمام هذا الجد الصارم ، في هذا الخطاب الإلهي من الله سبحانه إلى نبيه الكريم الذي حدثه منذ لحظة ذلك الحديث الرفيق الودود . .

إن الأمر هنا يتعلق بالاستقامة على هدي الله وتوجيهه ؛ ويتعلق بقاعدة التميز والتجرد إلا من طاعة الله ونهجه . ومن ثم يجيء الخطاب فيه بهذا الحزم والجزم ، وبهذه المواجهة والتحذير . . ( إنك إذا لمن الظالمين ) . .

إن الطريق واضح ، والصراط مستقيم . . فإما العلم الذي جاء من عند الله . وإما الهوى في كل ما عداه . وليس للمسلم أن يتلقى إلا من الله . وليس له أن يدع العلم المستيقن إلى الهوى المتقلب . وما ليس من عند الله فهو الهوى بلا تردد .

وإلى جانب هذا الإيحاء الدائم نلمح كذلك أنه كانت هناك حالة واقعة من بعض المسلمين ، في غمرة الدسائس اليهودية وحملة التضليل الماكرة ، تستدعي هذه الشدة في التحذير ، وهذا الجزم في التعبير .