فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَئِنۡ أَتَيۡتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٖ مَّا تَبِعُواْ قِبۡلَتَكَۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ وَمَا بَعۡضُهُم بِتَابِعٖ قِبۡلَةَ بَعۡضٖۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (145)

{ ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض } قد تكون الواو للعطف على القول الكريم { وإن الذين أوتوا الكتاب } واللام موطئة للقسم هذا بيان من المولى الحكيم أن اليهود والنصارى لن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم الخاتم وما جاء به -إلا من رحم الله وقليل ماهم- ومهما ساق من البرهان والحجة البالغة على أنه مبلغ عن ربنا العظيم فلن يتبعوه ولن يستقبلوا قبلته { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم } {[518]}- والمعنى أنهم ما تركوا قبلتك لشبهة تدفعها بحجة وإنما خالفوك لمحض العناد ومحض المكابرة . . . { وما أنت بتابع قبلتهم } أي لا يكون ذلك منك فالجملة خبرية لفظا ومعنى سبقت لتأكيد حقيقة أمر القبلة كل التأكيد وقطع تمني أهل الكتاب فإنهم قالوا يا محمد عد إلى قبلتنا ونؤمن بك – ونتبعك مخادعة منهم لعنهم الله تعالى - وفيها إشارة إلى أن هذه القبلة لا تصير منسوخة أبدا وقيل إنها خبرية لفظا إنشائية معنى ، ومعناها النهي ؛ أي لا تتبع قبلتهم أي داوم على عدم اتباعها وأفرد القبلة وإن كانت مثناة- إذ لليهود قبلة وللنصارى قبلة- لأنهما اشتركتا في كونهما باطلتين . . . ويؤيد ذلك أنه ليس في الإنجيل استقبال الشرق . . . { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } أي أن اليهود لا تتبع قبلة النصارى ولا النصارى تتبع قبلة اليهود . . . وفي ذلك بيان لتصلبهم في الهوى وعنادهم بأن هذه المخالفة والعناد لا يختص بك بل حالهم فيما بينهم أيضا كذلك . . . { ولئن اتبعت أهواءهم } أي على سبيل الفرض وإلا فلا معنى لاستعمال { إن } الموضوعة للمعاني المحتملة . . . { من بعد ما جاءك من العلم } أي المعلوم الذي أوحي إليك . . . والمراد بعدما بأن لك الحق { إنك إذن لمن الظالمين } أي المرتكبين الظلم الفاحش . . . . وفي هذه المبالغات{[519]} تعظيم لأمر الحق وتحريض على اقتفائه وتحذير على متابعة الهوى واستعظام لصدور الذنب عن الأنبياء وذوو المرتبة الرفيعة إلى تجديد الإنذار عليه أحوج حفظا لمرتبته وصيانة لمكانته فلا حاجة إلى القول أن الخطاب للنبي والمعني به غيره -–


[518]:من سورة يونس الآيتان 96-67.
[519]:ومنها {إن} التحقيقية المؤكدة واللام الموطئة للقسم و{إذن} الجزائية والجملة الإسمية.