هذه السورة هي الثامنة وثلاثون من سور القرآن الكريم ، وهي مكية وآياتها ثمان وثمانون آية . وقد صورت لنا لونا من عناد المشركين لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وحسدهم على ما كرمه الله به من شرف الرسالة ونزول القرآن . فردت عليهم ما تعلقوا به من أوهام باطلة ، وبينت أن الذي حملهم على محاربة الدعوة ما هم فيه من أنفة كاذبة وحب للمخالفة والشقاق ، وأنه لو نزل بهم عذاب الله لما كان موقفهم من الرسول صلوات الله وسلامه عليه هذا الموقف . ثم ضرب الله الأمثال بالأمم السابقة ، ليكون ذلك زجرا لهم عن العناد واللجاج ، وتثبيتا لرسوله صلى الله عليه وسلم على ؟ إبلاغ الدعوة مهما يلاقي في سبيلها من عنت المشركين ومكرهم ، وليشكر الله على ما يفيء عليه من نعم ، كما فعل إخوانه من الأنبياء والمرسلين . وعقب هذا ذكر ما أعده الله للمتقين من حسب المآب ، وما أعده للطاغين من شر المآل ، ثم ذكرهم بما كان بين أبيهم آدم عليه السلام وعدوه إبليس ، ليعلموا أن ما يدعوهم إليه من التكبر عن اتباع الحق خلق من أخلاقه ، وأن هذا الاستكبار كان سببا لطرده من رحمة الله .
ص : حرف بدئت به السورة على طريقة القرآن في بدء بعض السور بالحروف المقطعة ، أقسم بالقرآن ذي الشرف والشأن العظيم إنه لحق لا ريب فيه .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } :
هذا بيان من اللّه تعالى لحال القرآن ، وحال المكذبين به معه ومع من جاء به ، فقال : { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } أي : ذي القدر العظيم والشرف ، المُذَكِّرِ للعباد كل ما يحتاجون إليه من العلم ، بأسماء اللّه وصفاته وأفعاله ، ومن العلم بأحكام اللّه الشرعية ، ومن العلم بأحكام المعاد والجزاء ، فهو مذكر لهم في أصول دينهم وفروعه .
وهنا لا يحتاج إلى ذكر المقسم عليه ، فإن حقيقة الأمر ، أن المقسم به وعليه شيء واحد ، وهو هذا القرآن ، الموصوف بهذا الوصف الجليل ، فإذا كان القرآن بهذا الوصف ، علم ضرورة العباد إليه ، فوق كل ضرورة ، وكان الواجب عليهم تَلقِّيه بالإيمان والتصديق ، والإقبال على استخراج ما يتذكر به منه .
بسم الله الرحمن الرحيم { ص } وقرئ بالكسر لالتقاء الساكنين ، وقيل إنه أمر من المصاداة بمعنى المعارضة ، ومنه الصدى فإنه يعارض الصوت الأول أي عارض القرآن بعملك ، وبالفتح لذلك أو لحذف حرف القسم وإيصال فعله إليه ، أو إضماره والفتح في موضع الجر فإنها غير مصروفة لأنها علم السورة وبالجر والتنوين على تأويل الكتاب . { والقرآن ذي الذكر } الواو للقسم إن جعل { ص } اسما للحرف أو مذكور للتحدي ، أو للرمز بكلام مثل صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، أو للسورة خبر المحذوف أو لفظ الأمر ، وللعطف إن جعل مقسما به كقولهم : الله لأفعلن بالجر والجواب محذوف دل عليه ما في { ص } من الدلالة على التحدي ، أو الأمر بالمعادلة أي إنه لمعجز أو لواجب العمل به ، أو إن محمدا صادق أو قوله :{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا }
قرأ الحسن وأبي بن كعب وابن أبي إسحاق : «صادِ » بكسر الدال على أنه أمر من صادى يصادي إذا ضاهى وماثل ، أي صار كالصدى الذي يحكي الصياح ، والمعنى : ماثل القرآن بعلمك وقارنه بطاعتك ، وهكذا فسر الحسن ، أي انظر أين عملك منه ؟ ، وقال جمهور الناس : إنه حرف المعجم المعروف ، ويدخله ما يدخل سائر أوائل السور من الأقوال ، ويختص هذا الموضع بأن قال بعض الناس : معناه صدق محمد ، وقال الضحاك معناه : صدق الله ، وقال محمد بن كعب القرظي : هو مفتاح أسماء الله : صمد صادق الوعد ، صانع المصنوعات ، وقرأها الجمهور : «صادْ » بسكون الدال ، وقرأ ابن أبي إسحاق بخلاف عنه «صادٍ » بكسر الدال وتنوينها على القسم ، كما تقول : الله لأفعلن . وحكى الطبري وغيره عن ابن أبي إسحاق : «صادِ » بدون تنوين ، وألحقه بقول العرب : خاث باث ، وخار وباز . وقرأ فرقة منها عيسى بن عمر : «صادَ » بفتح الدال ، وكذلك يفعل في نطقه بكل الحروف ، يقول : قافَ ، ونونَ ، ويجعلها كأين وليت : قال الثعلبي ، وقيل معناه : صاد محمد القلوب ، بأن استمالها للإيمان .
وقوله : { والقرآن ذي الذكر } قسم . وقال السدي وابن عباس وسعيد بن جبير ، معناه ذي الشرف الباقي المخلد . وقال قتادة والضحاك : ذي التذكرة للناس والهداية لهم . وقالت فرقة معناه : ذي الذكر لأمم والقصص والغيوب . وأما جواب القسم فاختلف فيه ، فقالت فرقة : الجواب في قوله : { ص } إذ هو بمعنى صدق محمد ، أو صدق الله . وقال الكوفيون والزجاج ، الجواب قوله : { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } [ ص : 64 ] . وقال البصريين ومنهم الأخفش ، الجواب في قوله : { إن كل كذب الرسل } [ ص : 14 ] .
قال القضي أبو محمد : وهذان القولان بعيدان .
وقال قتادة والطبري : الجواب مقدر قبل بل ، وهذا هو الصحيح ، تقديره : والقرآن ما الأمر كما يزعمون ، ونحو هذا من التقدير فتدبره .
وحكى الزجاج عن قوم أن الجواب قوله : { كم أهلكنا } وهذا متكلف جداً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.