المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

3- إننا ابتدأنا إنزال القرآن في ليلة وفيرة الخير ، كثيرة البركات ، لأن من شأننا الإنذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

أنه أنزله { فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } أي : كثيرة الخير والبركة وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، فأنزل أفضل الكلام بأفضل الليالي والأيام على أفضل الأنام ، بلغة العرب الكرام لينذر به قوما عمتهم الجهالة وغلبت عليهم الشقاوة فيستضيئوا بنوره ويقتبسوا من هداه ويسيروا وراءه فيحصل لهم الخير الدنيوي والخير الأخروي ولهذا قال : { إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا } أي : في تلك الليل الفاضلة التي نزل فيها القرآن

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

يقول تعالى مخبرا عن القرآن العظيم : إنه أنزله في ليلة مباركة ،

وهي ليلة القدر ، كما قال تعالى : { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] وكان ذلك في شهر رمضان ، كما قال : تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [ البقرة : 185 ]

وقد ذكرنا الأحاديث {[26165]} الواردة في ذلك في " سورة البقرة " بما أغنى عن إعادته .

ومن قال : إنها ليلة النصف من شعبان - كما روي عن عكرمة - فقد أبعد النَّجْعَة فإن نص القرآن أنها في رمضان . والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن عقيل عن الزهري : أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان ، حتى إن الرجل لينكح ويولد له ، وقد أخرج اسمه في الموتى " {[26166]} فهو حديث مرسل ، ومثله لا يعارض به النصوص .

وقوله : { إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ } أي : معلمين الناس ما ينفعهم ويضرهم شرعًا ، لتقوم حجة الله على عباده .


[26165]:- (1) في ت: "ألآثار".
[26166]:- (2) رواه الطبراني في تفسيره (25/65) والبيهقي في شعب الإيمان برقم (3839) من طريق الليث عن عقيل به.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

ومعنى الفعل في { أنزلناه } ابتداء إنزاله فإن كل آية أو آيات تنزل من القرآن فهي منضمة إليه انضمام الجزء للكل ، ومجموع ما يبلغ إليه الإنزال في كل ساعة هو مسمّى القرآن إلى أن تم نزول آخر آية من القرآن .

وتنكير { ليلة } للتعظيم ، ووصفها ب { مباركة } تنويه بها وتشويق لمعرفتها . فهذه الليلة هي الليلة التي ابتدُىء فيها نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم في الغار من جَبل حِرَاءٍ في رمضان قال تعالى : { شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن } [ البقرة : 185 ] .

والليلة التي ابتدىء نزول القرآن فيها هي ليلة القدر قال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } [ القدر : 1 ] . والأصح أنها في العشر الأواخر من رمضان وأنها في ليلة الوتر . وثبت أن الله جعل لنظيرتها من كل سنة فضلاً عظيماً لكثرة ثواب العبادة فيها في كل رمضان كرامة لذكرى نزول القرآن وابتداء رسالة أفضل الرسل صلى الله عليه وسلم إلى النّاس كافة . قال تعالى : { تنزَّل الملائكةُ والروحُ فيها بإذن ربّهم من كل أمرٍ سلامٌ هي حتى مطلع الفجر } [ القدر : 4 ، 5 ] . وذلك من معاني بركتها وكم لها من بركات للمسلمين في دينهم ، ولعل تلك البركة تسري إلى شؤونهم الصالحة من أمور دنياهم .

فبركة الليلة التي أنزل فيها القرآن بركة قدَّرها الله لها قبل نزول القرآن ليكون القرآن بابتداء نزوله فيها مُلابساً لوقت مبارك فيزداد بذلك فضلاً وشرفاً ، وهذا من المناسبات الإلهية الدقيقة التي أنبأنا الله ببعضها . والظاهر أن الله أمدّها بتلك البركة في كل عام كما أومأ إلى ذلك قوله : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } إذ قاله بعد أن مضى على ابتداء نزول القرآن بضْعَ عشرة سنة . وقولُه { ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهرٍ } [ القدر : 3 ] وقوله { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر وقوله : { فيها يفرق كل أمر حكيم } . وعن عكرمة : أن الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان وهو قول ضعيف .

واختلف في الليلة التي ابتدىء فيها نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم من ليالي رمضان ، فقيل : هي ليلة سبعَ عشرة منه ذكره ابن إسحاق عن الباقر أخذاً من قوله تعالى : { إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } [ الأنفال : 41 ] فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة صبيحة سبعَ عشرة ليلة من رمضان اهـ . أي تأول قوله : { وما أنزلنا على عبدنا } [ الأنفال : 41 ] أنه ابتداء نزول القرآن . وفي المراد ب { ما أنزلنا } احتمالات ترفع الاحتجاج بهذا التأويل بأن ابتداء نزول القرآن كان في مثل ليلة يوم بدر .

والذي يجب الجزم به أن ليلة نزول القرآن كانت في شهر رمضان وأنه كان في ليلة القدر . ولما تضافرت الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر « اطلبوها في العشر الأواخر من رمضان في ثالثة تبقى في خامسة تبقى في سابعة تبقى في تاسعة تبقى » . فالذي نعتمده أن القرآن ابتدىء نزوله في العشر الأواخر من رمضان ، إلاّ إذا حُمل قول النبي صلى الله عليه وسلم « اطلبوها في العشر الأواخر » على خصوص الليلة من ذلك العام . وقد اشتهر عند كثير من المسلمين أنّ ليلة القدر ليلة سبع وعشرين باستمرار وهو مناف لحديث « اطلبوها في العشر الأواخر » على كل احتمال .

وجملة { إنا كنا منذرين } معترضة . وحرف ( إنَّ ) يجوز أن يكون للتأكيد ردًّا لإنكارهم أن يكون الله أرسل رسلاً للناس لأن المشركين أنكروا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بزعمهم أن الله لا يرسل رسولاً من البشر قال تعالى : { إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } [ الأنعام : 91 ] ، فكان ردّ إنكارهم ذلك ردًّا لإنكارهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فتكون جملة { إنا كنّا منذرين } مستأنفة . ويجوز أن تكون ( إنَّ ) لمجرد الاهتمام بالخبر فتكون مغنية غناء فاء التسبب فتفيد تعليلاً ، فتكون جملة { إنا كنا منذرين } تعليلاً لجملة { أنزلناه } أي أنزلناه للإنذار لأن الإنذار شأننا ، فمضمون الجملة علة العلة وهو إيجاز وإنما اقتصر على وصف { منذرين } مع أن القرآن منذر ومُبشّر اهتماماً بالإنذار لأنه مقتضى حال جمهور الناس يومئذٍ ، والإنذار يقتضي التبشير لمن انتذر . وحذف مفعول { منذرين } لدلالة قوله : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } عليه ، أي منذرين المخاطبين بالقرآن .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إنا أنزلناه} يعني القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا... حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر.

{في ليلة مباركة} وهي ليلة مباركة... وسميت ليلة القدر ليلة مباركة، لما فيها من البركة والخير.

ثم قال: {إنا كنا منذرين}، يعني بالقرآن...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ" أقسم جلّ ثناؤه بهذا الكتاب، أنه أنزله في ليلة مباركة. اختلف أهل التأويل في تلك الليلة، أيّ ليلة من ليالي السنة هي؟ فقال بعضهم: هي ليلة القدر...

وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان.

والصواب من القول في ذلك قول من قال: عنى بها ليلة القدر؛ لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أن ذلك كذلك لقوله تعالى: "إنّا كُنّا مُنْذِرِينَ "خَلْقَنا بهذا الكتاب الذي أنزلناه في الليلة المباركة عقوبتنا أن تحلّ بمن كفر منهم، فلم ينب إلى توحيدنا، وإفراد الألوهة لنا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {في ليلة مباركة} وهي ليلة القدر، سمّاها مباركة، والمبارك هو الذي عنده تُدرَك كل الخيرات. والبركة هي اسم كل خير يكون أبدا على الزيادة والنماء، فسمّى تلك الليلة مباركة لما جعل فيها من الخيرات والبركات.

{إنا كنا منذِرين} يحتمل {إنا كنا منذرين} الخلق إذا أُنشئوا، وبلغوا المبلغ الذي يستوجبون الإنذار.

ويحتمل {إنا كنا منذرين} الخلق بالرسل؛ هذا هو الظاهر أن هذا القول من الله تعالى.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

في تسميتها مباركة وجهان:...

الثاني: لما يجاب فيها من الدعاء.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(إنا كنا منذرين) فالإنذار: الاعلام بموضع الخوف ليتقى، وموضع الأمن ليرتجى، فالله تعالى قد أنذر العباد بأتم الإنذار من طريق العقل والسمع...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

تَعْيِينُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ: وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ من شَعْبَانَ؛ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ الصَّادِقِ الْقَاطِعِ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} فَنَصَّ عَلَى أَنَّ مِيقَاتَ نُزُولِهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ عَبَّرَ عَنْ زَمَانِيَّةِ اللَّيْلِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ: {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ حَدِيثٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، لَا فِي فَضْلِهَا، وَلَا فِي نَسْخِ الْآجَالِ فِيهَا، فَلَا تَلْتَفِتُوا إلَيْهَا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{إنا} أي على ما نحن عليه من الجلال {كنا} بما لنا من العظمة دائماً لعبادنا {منذرين} لا نؤاخذهم من غير إنذار، فلأجل رحمتنا لهؤلاء القوم وهم أرق الناس طبعاً وأصفاهم قلوباً وأوعاهم سمعاً؛ نوصلهم بما هيأناهم به من ذلك إلى ما لم يصل غيرهم إليه ولم يقاربه من المعالي في الأخلاق والشمائل والاكتساب لجميع الفضائل.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

بين السبب في إنزاله فقال: {إنا كنا منذرين} أي إنا كنا معلمين الناس ما ينفعهم فيعملون به، وما يضرهم فيجتنبونه، لتقوم حجة الله على عباده...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

القرآن لم ينزل كله في تلك الليلة؛ كما أنه لم ينزل كله في رمضان؛ ولكنه بدأ يتصل بهذه الأرض؛ وكانت هذه الليلة موعد هذا الاتصال المبارك. وهذا يكفي في تفسير إنزاله في الليلة المباركة. وإنها لمباركة حقاً تلك الليلة التي يفتح فيها ذلك الفتح على البشرية، والتي يبدأ فيها استقرار هذا المنهج الإلهي في حياة البشر؛ والتي يتصل فيها الناس بالنواميس الكونية الكبرى مترجمة في هذا القرآن ترجمة يسيرة، تستجيب لها الفطرة وتلبيها في هوادة؛ وتقيم على اساسها عالماً إنسانياً مستقراً على قواعد الفطرة واستجاباتها، متناسقاً مع الكون الذي يعيش فيه، طاهراً نظيفاً كريماً بلا تعمل ولا تكلف؛ يعيش فيه الإنسان على الأرض موصولاً بالسماء في كل حين. ولقد عاش الذين أنزل القرآن لهم أول مرة فترة عجيبة في كنف السماء، موصولين مباشرة بالله؛ يطلعهم أولاً بأول على ما في نفوسهم؛ ويشعرهم أولاً بأول بأن عينه عليهم، ويحسبون هم حساب هذه الرقابة، وحساب هذه الرعاية، في كل حركة وكل هاجسة تخطر في ضمائرهم؛ ويلجؤون إليه أول ما يلجؤون، واثقين أنه قريب مجيب...

أنزل الله هذا القرآن في هذه الليلة المباركة.. أولاً للإنذار والتحذير: (إنا كنا منذرين). فالله يعلم غفلة هذا الإنسان ونسيانه وحاجته إلى الإنذار والتنبيه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

معنى الفعل في {أنزلناه} ابتداء إنزاله فإن كل آية أو آيات تنزل من القرآن فهي منضمة إليه انضمام الجزء للكل، ومجموع ما يبلغ إليه الإنزال في كل ساعة هو مسمّى القرآن إلى أن تم نزول آخر آية من القرآن.

وتنكير {ليلة} للتعظيم، ووصفها ب {مباركة} تنويه بها وتشويق لمعرفتها. فهذه الليلة هي الليلة التي ابتدُئ فيها نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم في الغار من جَبل حِرَاءٍ في رمضان قال تعالى: {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن} [البقرة: 185].

والليلة التي ابتدئ نزول القرآن فيها هي ليلة القدر قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1]. والأصح أنها في العشر الأواخر من رمضان وأنها في ليلة الوتر. وثبت أن الله جعل لنظيرتها من كل سنة فضلاً عظيماً لكثرة ثواب العبادة فيها في كل رمضان؛ كرامة لذكرى نزول القرآن وابتداء رسالة أفضل الرسل صلى الله عليه وسلم إلى النّاس كافة. قال تعالى: {تنزَّل الملائكةُ والروحُ فيها بإذن ربّهم من كل أمرٍ سلامٌ هي حتى مطلع الفجر} [القدر: 4، 5]. وذلك من معاني بركتها وكم لها من بركات للمسلمين في دينهم، ولعل تلك البركة تسري إلى شؤونهم الصالحة من أمور دنياهم.

فبركة الليلة التي أنزل فيها القرآن بركة قدَّرها الله لها قبل نزول القرآن ليكون القرآن بابتداء نزوله فيها مُلابساً لوقت مبارك فيزداد بذلك فضلاً وشرفاً، وهذا من المناسبات الإلهية الدقيقة التي أنبأنا الله ببعضها. والظاهر أن الله أمدّها بتلك البركة في كل عام كما أومأ إلى ذلك قوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} إذ قاله بعد أن مضى على ابتداء نزول القرآن بضْعَ عشرة سنة. وقولُه {ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهرٍ} [القدر: 3] وقوله {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر وقوله: {فيها يفرق كل أمر حكيم}.

واختلف في الليلة التي ابتدئ فيها نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم من ليالي رمضان، فقيل: هي ليلة سبعَ عشرة منه ذكره ابن إسحاق عن الباقر أخذاً من قوله تعالى: {إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} [الأنفال: 41] فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة صبيحة سبعَ عشرة ليلة من رمضان اهـ. أي تأول قوله: {وما أنزلنا على عبدنا} [الأنفال: 41] أنه ابتداء نزول القرآن. وفي المراد ب {ما أنزلنا} احتمالات ترفع الاحتجاج بهذا التأويل بأن ابتداء نزول القرآن كان في مثل ليلة يوم بدر.

والذي يجب الجزم به أن ليلة نزول القرآن كانت في شهر رمضان وأنه كان في ليلة القدر. ولما تضافرت الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر « اطلبوها في العشر الأواخر من رمضان في ثالثة تبقى في خامسة تبقى في سابعة تبقى في تاسعة تبقى». فالذي نعتمده أن القرآن ابتدئ نزوله في العشر الأواخر من رمضان، إلاّ إذا حُمل قول النبي صلى الله عليه وسلم « اطلبوها في العشر الأواخر» على خصوص الليلة من ذلك العام. وقد اشتهر عند كثير من المسلمين أنّ ليلة القدر ليلة سبع وعشرين باستمرار وهو مناف لحديث « اطلبوها في العشر

الأواخر» على كل احتمال.

وجملة {إنا كنا منذرين} معترضة. وحرف (إنَّ) يجوز أن يكون للتأكيد ردًّا لإنكارهم أن يكون الله أرسل رسلاً للناس؛ لأن المشركين أنكروا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بزعمهم أن الله لا يرسل رسولاً من البشر قال تعالى: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} [الأنعام: 91]، فكان ردّ إنكارهم ذلك ردًّا لإنكارهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فتكون جملة {إنا كنّا منذرين} مستأنفة. ويجوز أن تكون (إنَّ) لمجرد الاهتمام بالخبر فتكون مغنية غناء فاء التسبب فتفيد تعليلاً فتكون جملة {إنا كنا منذرين} تعليلاً لجملة {أنزلناه} أي أنزلناه للإنذار لأن الإنذار شأننا، فمضمون الجملة علة العلة وهو إيجاز وإنما اقتصر على وصف {منذرين} مع أن القرآن منذر ومُبشّر اهتماماً بالإنذار؛ لأنه مقتضى حال جمهور الناس يومئذٍ، والإنذار يقتضي التبشير لمن انتذر. وحذف مفعول {منذرين} لدلالة قوله: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} عليه، أي منذرين المخاطبين بالقرآن.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

علاقة القرآن بليلة القدر: ممّا يجدر الانتباه إليه أنه ورد في هذه الآيات تلميحاً، وفي آيات سورة القدر تصريحاً، أن القرآن نزل في ليلة القدر، وكم هو عميق هذا الكلام؟! ففي تلك الليلة التي تقدر فيها مقدرات العباد وأرزاقهم، ينزل القرآن الكريم على قلب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الطاهر، ألا يدل هذا على أن هناك علاقة صميمية بين مقدراتكم ومصائركم و بين محتوى هذا الكتاب السماوي؟ ألا يعني هذا الكلام أن هناك علاقة لا تقبل الانفصال بين القرآن وبين حياتكم المعنوية، بل وحتى حياتكم المادية؟ فقد أدّى الى انتصاركم على الأعداء، وشموخكم وحريتكم واستقلالكم، وعمران مدنكم ورقيكم. أجل، في تلك الليلة التي كانت تقدر فيها المقدرات، أُنزل القرآن أيضاً.