مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

{ إِنَّآ أنزلناه فِى لَيْلَةٍ مباركة } أي ليلة القدر أو ليلة النصف من شعبان . وقيل : بينها وبين ليلة القدر أربعون ليلة . والجمهور على الأول لقوله { إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةِ القدر } [ القدر : 1 ] وقوله { شَهْرُ رَمَضَانَ الذى أُنزِلَ فِيهِ القرآن } [ البقرة : 185 ] وليلة القدر في أكثر الأقاويل في شهر رمضان . ثم قالوا : أنزله جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل به جبريل في وقت وقوع الحاجة إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : ابتداء نزوله في ليلة القدر . والمباركة الكثيرة الخير لما ينزل فيها من الخير والبركة ويستجاب من الدعاء ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركة { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ } هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان فسر بهما جواب القسم كأنه قيل : أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصاً ، لأن إنزال القرآن من الأمور الحكمية وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم . ومعنى { يُفْرَقُ } يفصل ويكتب كل أمر من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم من هذه الليلة إلى ليلة القدر التي تجيء في السنة المقبلة { حَكِيمٍ } ذي حكمة أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة ، وهو من الإسناد المجازي لأن الحكيم صفة صاحب الأمر على الحقيقة ووصف الأمر به مجازاً .