غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

3

أقسم بالقرآن { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } لأن من شأننا الإنذار والتخويف من العقاب وإنما أنزل في هذه الليلة خصوصاً لأن إنزال القرآن أشرف الأمور الحكمية ، فالجملتان - أعني قوله { إنا كنا منذرين فيها يفرق على أمر حكيم } كالتفسير لجواب القسم قال صاحب النظم : ليس من عادتهم أن يقسموا بنفس الشيء إذا أخبروا عنه فجواب القسم { إنا كنا منذرين } وقوله { إنا أنزلناه } اعتراض . والجمهور على الأول ولا بأس لأن المعنى إنا أنزلنا القرآن على محمد ولم يتقوله ، ويحتمل أن القسم وقع على إنزاله في ليلة مباركة . وأكثر المفسرين على أنها ليلة القدر لقوله { إنا أنزلناه في ليلة القدر } [ القدر : 1 ] وليلة القدر عند الأكثرين من رمضان . ونقل محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن قتادة أنه قال : نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، والتوراة لست ليال منه ، والزبور لاثنتي عشرة مضت ، والإنجيل لثمان عشرة منه ، والفرقان لأربع وعشرين مضت ، والليلة المباركة هي ليلة القدر . وزعم بعضهم كعكرمة وغيره أنها ليلة النصف من شعبان . وما رأيت لهم دليلاً يعوَّل عليه . قالوا : وتسمى ليلة البراءة أيضاً وليلة الصك لأن الله تعالى يكتب لعباده المؤمنين البراءة من النار في هذه الليلة . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله تعالى إليه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا وعشراً يدفعون عنه مكايد الشيطان . " وقال " إن الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب " وقال : " إن الله يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن أو ساحر أو ساخر أو مدمن خمر أو عاق للوالدين أو مصر على الزنا " ومما أعطى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام الشفاعة وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطى الثلث منها ، ثم سأل ليلة الرابع عشر منها فأعطى الثلثين ، ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع إلا من شرد على الله شراد البعير . ومن عادة الله عز وجل في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة . وبعضهم أراد أن يجمع بين القولين فقال : ابتدئ بانتساخ القرآن من اللوح المحفوظ ليلة البراءة ووقع الفراغ في ليلة القدر . والمباركة الكثيرة الخير ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن لكفى به بركة .

/خ59