{ 54 } { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } .
يخبر تعالى عن سعة علمه وعظيم اقتداره وكمال حكمته ، ابتدأ خلق الآدميين من ضعف وهو الأطوار الأول من خلقه من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى أن صار حيوانا في الأرحام إلى أن ولد ، وهو في سن الطفولية وهو إذ [ ص 645 ] ذاك في غاية الضعف وعدم القوة والقدرة . ثم ما زال اللّه يزيد في قوته شيئا فشيئا حتى بلغ سن الشباب واستوت قوته وكملت قواه الظاهرة والباطنة ، ثم انتقل من هذا الطور ورجع إلى الضعف والشيبة والهرم .
{ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } بحسب حكمته . ومن حكمته أن يري العبد ضعفه وأن قوته محفوفة بضعفين وأنه ليس له من نفسه إلا النقص ، ولولا تقوية اللّه له لما وصل إلى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتا .
وليعلم العباد كمال قدرة اللّه التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء ، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء ولا ضعف ولا نقص بوجه من الوجوه .
ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حالا بعد حال ، فأصله من تراب ، ثم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم يصير عظاما ثم يُكسَى لحما ، ويُنفَخ فيه الروح ، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفا نحيفًا واهن القوى . ثم يشب قليلا قليلا حتى يكون صغيرًا ، ثم حَدَثا ، ثم مراهقًا ، ثم شابا . وهو القوة بعد الضعف ، ثم يشرع في النقص فيكتهل{[22905]} ، ثم يشيخ ثم يهرم ، وهو الضعف بعد القوة . فتضعف الهمة والحركة والبطش ، وتشيب اللّمَّة ، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة ؛ ولهذا قال : { ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أي : يفعل ما يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد ، { وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } .
قال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، عن فضيل ويزيد ، حدثنا فضيل بن مرزوق{[22906]} ، عن عطية العوفي ، قال : قرأت على ابن عمر : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا }{[22907]} ، فقال : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا } ، ثم قال : قرأتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأت علي ، فأخذ علي كما أخذتُ عليك .
ورواه أبو داود والترمذي - وحَسَّنه - من حديث فضيل ، به{[22908]} . ورواه أبو داود من حديث عبد الله بن جابر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، بنحوه{[22909]} .
{ الله الذي خلقكم من ضعف } أي ابتدأكم ضعفاء وجعل الضعف أساس أمركم كقوله { خلق الإنسان ضعيفا } أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة . { ثم جعل من بعد ضعف قوة } وذلك إذا بلغتم الحلم أو تعلق بأبدانكم الروح . { ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } إذا أخذ منكم السن ، وفتح عاصم وحمزة الضاد في جميعها والضم أقوى لقول ابن عمر رضي الله عنهما : قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ضعف فأقرأني من ضعف " . وهما لغتان كالفقر والفقر والتنكير مع التكرير لأن المتأخر ليس عين المتقدم . { يخلق ما يشاء } من ضعف وقوة وشبيبة وشيبة . { وهو العليم القدير } فإن الترديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره دليل العلم والقدرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.