المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

13- يعملون له ما يريد من مساجد للعبادة ، وصور مجسمة ، وقصاع كبيرة كالأحواض ، وأوان للطبخ ثابتات على قواعدها لعظمها ، وقلنا لآل داود : اعملوا عملا تشكرون به الله شكراً ، وقليل من عبادي من يذكر نعمى فيكثر شكري .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

وأعمالهم{[733]}  كل ما شاء سليمان ، عملوه .

{ مِنْ مَحَارِيبَ } وهو كل بناء يعقد ، وتحكم به الأبنية ، فهذا فيه ذكر الأبنية الفخمة ، { وَتَمَاثِيلَ } أي : صور الحيوانات والجمادات ، من إتقان صنعتهم ، وقدرتهم على ذلك وعملهم لسليمان { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ } أي : كالبرك الكبار ، يعملونها لسليمان للطعام ، لأنه يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه غيره ، " و " يعملون له قدورا راسيات لا تزول عن أماكنها ، من عظمها .

فلما ذكر منته عليهم ، أمرهم بشكرها فقال : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ } وهم داود ، وأولاده ، وأهله ، لأن المنة على الجميع ، وكثير من هذه المصالح عائد لكلهم . { شُكْرًا } للّه على ما أعطاهم ، ومقابلة لما أولاهم . { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } فأكثرهم ، لم يشكروا اللّه تعالى على ما أولاهم من نعمه ، ودفع عنهم من النقم .

والشكر : اعتراف القلب بمنة اللّه تعالى ، وتلقيها افتقارا إليها ، وصرفها في طاعة اللّه تعالى ، وصونها عن صرفها في المعصية .


[733]:- كذا في ب، وفي أ: وأعماله.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

وقوله : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ } : أما المحاريب فهي البناء الحسن ، وهو أشرف شيء في المسكن وصدره .

وقال مجاهد : المحاريب بنيان دون القصور . وقال الضحاك : هي المساجد . وقال قتادة : هي المساجد والقصور ، وقال ابن زيد : هي المساكن . وأما التماثيل فقال عطية العوفي ، والضحاك والسدي : التماثيل : الصور . قال مجاهد : وكانت من نحاس . وقال قتادة : من طين وزجاج .

وقوله : { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } الجواب : جمع جابية ، وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء ، كما قال الأعشى ميمون بن قيس :

تَرُوحُ عَلَى آل المَحَلَّق جَفْنَةٌ *** كَجَابِيَة الشَّيخ العِراقي تَفْهَق{[24187]} {[24188]}

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { كَالْجَوَابِ } أي : كالجوبة من الأرض .

وقال العوفي ، عنه : كالحياض . وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك وغيرهم .

والقدور الراسيات : أي الثابتات ، في أماكنها{[24189]} لا تتحول ولا تتحرك عن أماكنها لعظمها . كذا قال مجاهد ، والضحاك ، وغيرهما .

وقال عكرمة : أثافيها منها .

وقوله : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } أي : وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين .

وشكرًا : مصدر من غير الفعل ، أو أنه مفعول له ، وعلى التقديرين فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية ، كما قال :

أفَادَتْكُمُ النّعْمَاء منِّي{[24190]} ثَلاثةً : *** يدِي ، ولَسَاني ، وَالضَّمير المُحَجَّبَا

قال أبو عبد الرحمن الحُبلي{[24191]} : الصلاة شكر ، والصيام شكر ، وكل خير تعمله لله شكر . وأفضل الشكر الحمد . رواه ابن جرير .

وروى هو وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القُرَظي قال : الشكر تقوى الله والعمل الصالح .

وهذا يقال لمن هو متلبس بالفعل ، وقد كان آل داود ، عليه السلام ، كذلك قائمين بشكر الله قولا وعملا .

قال{[24192]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، حدثنا جعفر - يعني : ابن سليمان - عن ثابت البُنَاني قال : كان داود ، عليه السلام ، قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة ، فكان لا تأتي عليهم{[24193]} ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي ، فغمرتهم هذه الآية : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } .

وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن أحب الصلاة إلى الله صلاةُ داودَ ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما . ولا يَفر إذا لاقى » . {[24194]}

وقد روى أبو عبد الله بن ماجه من حديث سُنيْد بن داود ، حدثنا يوسف بن محمد بن المُنْكَدِر ، عن أبيه ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قالت أمّ سليمان بن داود لسليمان : يا بني ، لا تكثر النوم بالليل ، فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرًا يوم القيامة » . {[24195]}

وروى ابن أبي حاتم عن داود ، عليه السلام ، هاهنا أثرا غريبا مطولا جدا ، وقال أيضًا :

حدثنا أبي ، حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا أبو يزيد{[24196]} فيض بن إسحاق الرقي{[24197]} قال : قال فضيل في قوله تعالى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } . فقال داود : يا رب ، كيف أشكرك ، والشكر نعمة منك ؟ قال : " الآن شكرتني حين علمت{[24198]} أن النعمة{[24199]} مني " .

وقوله : { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } إخبار عن الواقع .


[24187]:- في ت: "بقهق".
[24188]:- البيت في تفسير الطبرى (22/49).
[24189]:- في ت ، س ، أ: "أماكنهم".
[24190]:- في ت: "عندى".
[24191]:- في هـ ، ت ، س ، أ: "السلمى" والتصويت من الطبري 22/50 ، مستفادا من طبعة الشعب.
[24192]:- في ت: "روى".
[24193]:- في ت: "لا يأتي عليهن" ، وفي أ: "لا يأتي عليهم".
[24194]:- صحيح البخاري برقم (1131) وصحيح مسلم برقم (1159).
[24195]:- سنن ابن ماجه برقم (1332) وقال البوصيري في الزوائد (1/433): "هذا إسناد ضعيف".
[24196]:- في هـ: "زيد" والمثبت من ت ، س ، أ ، والجرح والتعديل 3/2/88 مستفادا من طبعة الشعب.
[24197]:- في أ: "المرى".
[24198]:- في ت ، س: "قلت".
[24199]:- في أ: "النعم".
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يعملون له ما يشاء} يعني الجن لسليمان {من محاريب} المساجد {وتماثيل} من نحاس ورخام...

{وجفان كالجواب} وقصاع في العظم كحياض الإبل... من العظم...

{وقدور} عظام لها قوائم لا تتحرك.

{راسيات} ثابتات...

{اعملوا آل داود شكرا} بما أعطيتهم من الخير.

{وقليل من عبادي الشكور}.

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

مكي: قال ابن القاسم: قال مالك: {وجفان كالجواب} كالجوبة من الأرض. {وقدور راسيات} ابن رشد: سئل مالك عن تفسير {وقدور راسيات} قال: لا تحمل ولا تحرك بدليل قوله: {والجبال أرساها}، قال مالك: يريد أثبتها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره: يعمل الجنّ لسليمان ما يشاء من محاريب، وهي جمع محراب، والمحراب: مقدّم كل مسجد وبيت ومصلّى... عن مجاهد، قوله:"ما يَشاءُ مِنْ مَحَارِيبَ" قال: بنيان دون القصور.

قال ابن زيد، في قوله: "يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحَارِيبَ "قال: المحاريب: المساكن... عن الضحاك: "يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحَارِيبَ" قال: المحاريب: المساجد.

وقوله: "وتَماثِيلَ" يعني أنهم يعملون له تماثيل من نحاس وزجاج... عن الضحاك في قول الله: "وتَماثِيلَ" قال: الصور.

وقوله: "وَجِفانٍ كالجَوَابِ" يقول: وينحتون له ما يشاء من جفان كالجواب، وهي جمع جابية، والجابية: الحوض الذي يُجْبَي فيه الماء... عن ابن عباس، قوله "وَجِفانٍ كالجَوَابِ" يعني بالجواب: الحياض...

وقوله: "وَقُدُورٍ رَاسِياتٍ" يقول: وقدور ثابتات لا يحركن عن أماكنهنّ، ولا تحوّل لعظمهنّ...

وقوله: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرا" يقول تعالى ذكره: وقلنا لهم اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكرا له على ما أنعم عليكم من النعم التي خَصّكم بها عن سائر خلقه، مع الشكر له على سائر نعمه التي عمكم بها مع سائر خلقه، وتُرِك ذكر: وقلنا لهم، اكتفاء بدلالة الكلام على ما ترك منه، وأخرج قوله شُكْرا مصدرا من قوله: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ" لأن معنى قوله "اعْمَلُوا": اشكروا ربكم بطاعتكم إياه، وأن العمل بالذي رضي الله لله شكر... عن محمد بن كعب، قوله: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرا" قال: الشكر: تقوى الله، والعمل بطاعته...

وقوله: "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشّكُورُ" يقول تعالى ذكره: وقليل من عبادي المخلصو توحيدي، والمفردو طاعتي وشكري على نعمتي عليهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{يعملون له ما يشاء من محاريب}... والمحاريب هي أشرف المواضع.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشّكُورُ} قليلٌ مَنْ يأخذ النعمة مني ولا يحملها على الأسباب؛ فلا يشكر الوسائطَ ويشكرني، والأكثرون يأخذون النعمة من الله، ويَجِدُون الخيرَ مِنْ قِبَلهِ، ثم يتقلدون المِنَّةَ من غير الله، ويشكرون غيرَ الله.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

المحاريب: المساكن والمجالس الشريفة المصونة عن الابتذال؛ سميت محاريب لأنه يحامى عليها ويذب عنها.

{شُكْراً} على أنه مفعول له، أي: اعملوا لله واعبدوه على وجه الشكر لنعمائه. وفيه دليل على أن العبادة يجب أن تؤدّى على طريق الشكر، وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول: اللَّهم اجعلني من القليل، فقال عمر ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: إني سمعت الله يقول: {وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِي الشكور} فأنا أدعوه أن يجعلني من ذلك القليل، فقال عمر: كل الناس أعلم من عمر.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله: {وقليل من عبادي الشكور} إشارة إلى أن الله خفف الأمر على عباده، وذلك لأنه لما قال: {اعملوا آل داوود شكرا} فهم منه أن الشكر واجب، لكن شكر نعمه كما ينبغي لا يمكن؛ لأن الشكر بالتوفيق، وهو نعمة تحتاج إلى شكر آخر وهو بتوفيق آخر، فدائما تكون نعمة الله بعد الشكر خالية عن الشكر،فقال تعالى: إن كنتم لا تقدرون على الشكر التام فليس عليكم في ذلك حرج، فإن عبادي قليل منهم الشكور ويقوي قولنا أنه تعالى أدخل الكل في قوله:

{عبادي} مع الإضافة إلى نفسه، وعبادي بلفظ الإضافة إلى نفس المتكلم لم ترد في القرآن إلا في حق الناجين.

{قليل} يدل على أن في عباده من هو شاكر لأنعمه، نقول الشكر بقدر الطاقة البشرية هو الواقع وقليل فاعله، وأما الشكر الذي يناسب نعم الله فلا قدرة عليه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وقوله: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} أي: وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحب الصلاة إلى الله صلاةُ داودَ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما. ولا يَفر إذا لاقى». وقوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} إخبار عن الواقع.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أخبر تعالى أنه سخر له الجن، ذكر حالهم في أعمالهم، دلالة على أنه سبحانه يتصرف في السماء والأرض وما فيهما ومن فيهما بما يشاء فقال تعالى: {يعملون له} أي في أي وقت شاء {ما يشاء} عمله {من محاريب} أي أبنية شريفة من قصور ومساكن وغيرها هي أهل لأن يحارب عليها أو مساجد، والمحراب مقدم كل مسجد ومجلس وبيت.

ولما ذكر القصور وزينتها، ذكر آلات المأكل لأنها أول ما تطلب بعد الاستقرار في المسكن فقال: {وجفان} أي صحاف وقصاع يؤكل فيها {كالجواب}.

ولما ذكر الصحاف على وجه يعجب منه ويستعظم، ذكر ما يطبخ فيه طعامها فقال: {وقدور راسيات} أي ثابتات ثباتاً عظيماً بأن لا ينزع عن أثافيها لأنها لكبرها كالجبال. ولما ذكر المساكن وما تبعها، أتبعها الأمر بالعمل إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم ومن تبعه لا يلهيهم ذلك عن العبادة فقال: {اعملوا} أي وقلنا لهم: تمتعوا واعملوا، دل على مزيد قربهم بحذف أداة النداء وعلى شرفهم بالتعبير بالآل فقال: {آل داود} أي كل ما يقرب إلى الله.

{شكراً} أي لأجل الشكر له سبحانه، وهو تعظيمه في مقابلة نعمه ليزيدكم من فضله أو النصب على الحال أي شاكرين، أو على تقدير: اشكروا شكراً، لأن "اعملوا "فيه معنى "اشكروا" من حيث أن العمل للمنعم شكر له، ويجوز أن تنتصب باعملوا مفعولاً بهم، ومعناه أنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكراً -على طريق المشاكلة.

{وقليل} أي قلنا ذلك والحال أنه قليل.

ولما لم يقتض الحال العظمة لأنها بالمبالغة في الشكر أليق، اسقط مظهرها فقال: {من عبادي الشكور} أي المتوفر الدواعي بظاهره وباطنه من قلبه ولسانه وبدنه على الشكر بأن يصرف جميع ما أنعم الله عليه فيما يرضيه، وعبر بصيغة فعول إشارة إلى أن من يقع منه مطلق الشكر كثير، وأقل ذلك حال الاضطرار.

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

{اعملوا آل داوود شكرا} أي قيل لهم:... فيه إشارة إلى أن العمل حقه أن يكون للشكر لا للرجاء والخوف، كما أن فيه وجوب الشكر، وأنه يكون بالعمل ولا يختص باللسان، لأن حقيقته صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

قيل: الشكور من يرى عجزه عن الشكر، ونحو الآية قوله: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ((ص: 24).

وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه، فقلت له: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: (أفلا أكون عبدا شكورا) أخرجه مسلم في صحيحه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

تعقيب تقريري وتوجيهي من تعقيبات القرآن على القصص. يكشف من جانب عن عظمة فضل الله ونعمته حتى ليقل القادرون على شكرها. ويكشف من جانب آخر عن تقصير البشر في شكر نعمة الله وفضله. وهم مهما بالغوا في الشكر قاصرون عن الوفاء. فكيف إذا قصروا وغفلوا عن الشكر من الأساس! وماذا يملك المخلوق الإنساني المحدود الطاقة من الشكر على آلاء الله وهي غير محدودة؟.. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.. وهذه النعم تغمر الإنسان من فوقه ومن تحت قدميه، وعن أيمانه وعن شمائله، وتكمن فيه هو ذاته وتفيض منه. وهو ذاته إحدى هذه الآلاء الضخام!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمحاريب: جمع محراب، وهو الحصن الذي يحارب منه العدوُّ والمهاجِم للمدينة، أو لأنه يرمى من شرفاته بالحِراب، ثم أطلق على القصر الحصين. وقد سمَّوْا قصور غُمدان في اليمن محاريبَ غُمدانَ. وهذا المعنى هو المراد في هذه الآية. ثم أطلق المحراب على الذي يُخْتَلَى فيه للعبادة فهو بمنزلة المسجد الخاص، قال تعالى: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب} وتقدم في سورة آل عمران (39). وكان لداود محراب يجلس فيه للعبادة قال تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} في سورة ص (21).

وأما إطلاق المحراب على الموضع من المسجد الذي يقف فيه الإِمامُ الذي يؤمّ الناس، يُجعل مثل كوة غير نافذة واصلة إلى أرض المسجد في حائط القبلة يقف الإِمام تحته، فتسمية ذلك محراباً تسمية حديثة ولم أقف على تعيين الزمن الذي ابتدئ فيه إطلاق اسم المحراب على هذا الموقف. واتخاذ المحاريب في المساجد حدث في المائة الثانية، والمظنون أنه حدث في أولها... والتماثيل: جمع تِمثال... والتمثال هو الصورة الممثلة، أي المجسمة مثل شيء من الأجسام، فكان النحاتون يعملون لسليمان صوراً مختلفة كصور موهومة...

ولم تكن التماثيل المجسمة محرَّمَة الاستعمال في الشرائع السابقة، وقد حرمها الإِسلام، لأن الإِسلام أمعن في قطع دَابر الإِشراك لشدة تمكن الإِشراك من نفوس العرب وغيرهم. وكان معظم الأصنام تماثيل فحرّم الإِسلام اتخاذها لذلك، ولم يكن تحريمها لأجل اشتمالها على مفسدة في ذاتها، ولكن لكونها كانت ذريعة للإِشراك...

والجفان: جمع جفنة، وهي القصعة العظيمة التي يجفن فيها الماء... وشبهت الجفان في عظمتها وسعتها بالجوابي. وهي جمع: جابية وهي الحوض العظيم الواسع العميق الذي يجمع فيه الماء لسقي الأشجار والزروع...

والقدور: جمع قِدر، وهي إناء يوضع فيه الطعام ليطبخ من لحم وزيت وأدهان وتوابل...

والراسيات: الثابتات في الأرض التي لا تُنزل من فوق أثافيها لتداول الطبخ فيها صباحَ مساءَ.

وجملة {اعملوا آل داود شكراً} مقول قول محذوف، أي قلنا: اعملوا يا آل داود، ومفعول {اعملوا} محذوف دل عليه قوله: {شكراً}. وتقديره: اعملوا صالحاً، كما تقدم آنفاً، عملاً لشكر الله تعالى، فانتصب {شكراً} على المفعول لأجله. والخطاب لسليمان وآله.

وذُيل بقوله: {وقليل من عبادي الشكور} فهو من تمام المقول، وفيه حثّ على الاهتمام بالعمل الصالح. ويجوز أن يكون هذا التذييل كلاماً جديداً جاء في القرآن، أي قلنا ذلك لآل داود فعَمل منهم قليل ولم يعمل كثير وكان سليمان من أول الفئة القليلة.

و {الشكور}: الكثيرُ الشكر. وإذْ كان العمل شكراً أفاد أن العاملين قليل.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

... ومعنى {اعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً..} [سبأ: 13] أى: شُكْراً لله على نعمه، لا لتقوتوا أنفسكم فحسب، إذن: فربُّك يُعلِّمك: لا تعمل على قدر حاجتك فحسب؛ لأن في مجتمعك مَنْ لا يقدر على العمل، فاعمل أنت أيها القادر على قَدْر طاقتك، وخُذْ لنفسك ما يكفيك، وتصدَّق بما فاض عنك لغير القادرين. ومعلوم أن شكر النعمة يقيدها أي يديمها بل ويزيدها، كما قال سبحانه:

{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ..} [إبراهيم: 7].

أو: المعنى {اعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً..} [سبأ: 13] أن أقدركم على العمل حتى تعولوا مَنْ لا يقدر على العمل {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] يعني: قليل من الناس مَنْ يقابل نعمة الله بالشكر.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}... ولعل التأكيد على قلّة الشاكرين من عباده، يوحي بأن مسألة الكثرة لا تمثل قيمةً إنسانيّةً في مضمون قرارها وحركتها ومنهجها العملي في الحياة، لأنها ترتبط بالسطح الظاهر للأشياء ولا ترتبط بالعمق، ما يجعلهم بعيدين عن خط الصواب.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وبديهي أنّ (الشكر) الذي أشارت إليه الآية، لو كان مقصوداً به الشكر باللسان لما كانت هناك أدنى مشكلة ولمّا كان العاملون به قليلين، ولكن المقصود هو (الشكر العملي)، أي الاستفادة من تلك المواهب في طريق الأهداف التي خلقت لأجلها. والمسلّم به أنّ الذين يستفيدون من المواهب الإلهية في طريق الأهداف التي خلقت لأجلها هم الندرة النادرة. قال بعض العلماء: إنّ للشكر ثلاثة مراحل: الشكر بالقلب، بتصوّر النعمة والرضى والسرور بها. والشكر باللسان، وبالحمد والثناء على المنعم. الشكر بسائر الأعضاء والجوارح، وذلك بتطبيق الأعمال مع متطلّبات تلك النعمة.

«شكور»: صيغة مبالغة. يعبّر بها عن كثرة الشكر ودوامه بالقلب واللسان والأعضاء والجوارح، وهذه الصفة تطلق أحياناً على الله سبحانه وتعالى، كما ورد في الآية (17) من سورة التغابن: (إنّه شكور حليم)، والمقصود به أنّ الله سبحانه وتعالى، يشمل العباد المطيعين بعطاياه وألطافه ويشكرهم، ويزيدهم من فضله أكثر ممّا يستحقّون.

كذلك يمكن أن يكون التعبير ب (قليل من عبادي الشكور) إشارة إلى تعظيم مقام هذه المجموعة النموذجية، أو بمعنى حثّ المستمع ليكون من أفراد تلك الزمرة ويزيد جمع الشاكرين.