{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا }
التحية هي : اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين على وجه الإكرام والدعاء ، وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها .
وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع ، من السلام ابتداء وردًّا . فأمر تعالى المؤمنين أنهم إذا حُيّوا بأي تحية كانت ، أن يردوها بأحسن منها لفظا وبشاشة ، أو مثلها في ذلك . ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية أو ردها بدونها .
ويؤخذ من الآية الكريمة الحث على ابتداء السلام والتحية من وجهين أحدهما :
أن الله أمر بردها بأحسن منها أو مثلها ، وذلك يستلزم أن التحية مطلوبة شرعًا .
الثاني : ما يستفاد من أفعل التفضيل وهو " أحسن " الدال على مشاركة التحية وردها بالحسن ، كما هو الأصل في ذلك .
ويستثنى من عموم الآية الكريمة من حيَّا بحال غير مأمور بها ، ك " على مشتغل بقراءة ، أو استماع خطبة ، أو مصلٍ ونحو ذلك " فإنه لا يطلب إجابة تحيته ، وكذلك يستثنى من ذلك من أمر الشارع بهجره وعدم تحيته ، وهو العاصي غير التائب الذي يرتدع بالهجر ، فإنه يهجر ولا يُحيّا ، ولا تُرد تحيته ، وذلك لمعارضة المصلحة الكبرى .
ويدخل في رد التحية كل تحية اعتادها الناس وهي غير محظورة شرعًا ، فإنه مأمور بردّها وبأحسن منها ، ثم أوعد تعالى وتوعد على فعل الحسنات والسيئات بقوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا } فيحفظ على العباد أعمالهم ، حسنها وسيئها ، صغيرها وكبيرها ، ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله وعدله وحكمه المحمود .
وقوله : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } أي : إذا سلم عليكم المسلم ، فردوا عليه أفضل مما سلم ، أو ردوا عليه بمثل ما سلم [ به ]{[7955]} فالزيادة مندوبة ، والمماثلة مفروضة .
قال ابن جرير : حدثني موسى بن سهل الرملي ، حدثنا عبد الله بن السَّري الأنطاكي ، حدثنا هشام بن لاحق ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النَّهْدي ، عن سلمان الفارسي قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله . فقال : " وعليك السلام ورحمة الله " . ثم أتى آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وعليك السلام ورحمة الله وبركاته " . ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال له : " وعليك " فقال له الرجل : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي . فقال : " إنك لم تدع لنا شيئا ، قال الله تعالى : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } فرددناها عليك " .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم معلقا فقال : ذكر عن أحمد بن الحسن الترمذي ، حدثنا عبد الله بن السري - أبو محمد الأنطاكي - قال أبو الحسن : وكان رجلا صالحا - حدثنا هشام بن لاحق ، فذكر بإسناده مثله .
ورواه أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الباقي بن قانع ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان ، فذكره بمثله ، ولم أره في المسند{[7956]} والله{[7957]} أعلم .
وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذ لو شرع أكثر من ذلك ، لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن كثير - أخو سليمان بن كثير - حدثنا جعفر بن سليمان ، عن عوف ، عن أبي رجاء العُطَاردي ، عن عمران بن حُصَين ؛ أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم{[7958]} فرد عليه ثم جلس ، فقال : " عَشْرٌ " . ثم جاء آخر فقال : " السلام عليكم{[7959]} ورحمة الله . فرد عليه ، ثم جلس ، فقال : " عشرون " . ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم{[7960]} ورحمة الله وبركاته . فرد عليه ، ثم جلس ، فقال : " ثلاثون " .
وكذا رواه أبو داود عن محمد بن كثير ، وأخرجه الترمذي والنسائي والبزار من حديثه ، ثم قال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه ، وفي الباب عن أبي سعيد وعلي وسهل بن حُنَيف [ رضي الله عنهم ]{[7961]} .
وقال البزَّار : قد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ، هذا أحسنها إسنادا{[7962]} وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي{[7963]} عن الحسن بن صالح ، عن سِمَاك ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : من يسلم{[7964]} عليك من خلق الله ، فاردد عليه وإن كان مجوسيا ؛ ذلك بأن الله يقول : { فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }
وقال قتادة : { فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا } يعني : للمسلمين { أَوْ رُدُّوهَا } يعني : لأهل الذمة .
وهذا التنزيل فيه نظر ، بل كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن مما حياه به ، فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السلام ؛ رد عليه مثل ما قال ، فأما أهل الذمة فلا يُبْدؤون{[7965]} بالسلام ولا يزادون ، بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم : السام عليك فقل : وعليك " {[7966]} .
وفي صحيح مسلم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " {[7967]} .
وقال سفيان الثوري ، عن رجل ، عن الحسن البصري قال : السلام تطوع ، والرد فريضة .
وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة : أن الرد واجب على من سلم عليه ، فيأثم إن لم يفعل ؛ لأنه خالف أمر الله في قوله : { فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } وقد جاء في الحديث الذي رواه{[7968]} .
{ وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ حَسِيباً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ } : إذا دعي لكم بطول الحياة والبقاء والسلامة . { فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْرُدّوها } يقول : فادعوا لمن دعا لكم بذلك بأحسن مما دعا لكم ، { أوْرُدّوها } يقول : أوردّوا التحية .
ثم اختلف أهل التأويل في صفة التحية التي هي أحسن مما حيا به المحيى ، والتي هي مثلها ، فقال بعضهم : التي هي أحسن منها أن يقول المسلّم عليه إذا قيل : «السلام عليكم » : وعليكم السلام ورحمة الله ، ويزيد على دعاء الداعي له¹ والردّ أن يقول : السلام عليكم مثلها ، كما قيل له ، أو يقول : وعليكم السلام ، فيدعو للداعي له مثل الذي دعا له . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } يقول : إذا سلم عليك أحد ، فقل أنت : «وعليك السلام ورحمة الله » ، أو تقطع إلى «السلام عليك » ، كما قال لك .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } قال : في أهل الإسلام .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج فيما قرىء عليه ، عن عطاء ، قال : في أهل الإسلام .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن شريح ، أنه كان يردّ : «السلام عليكم » ، كما يسلم عليه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن عون وإسماعيل بن أبي خالد ، عن إبراهيم ، أنه كان يردّ : السلام عليكم ورحمة الله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عطية ، عن ابن عمر أنه كان يردّ : وعليكم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فحيوا بأحسن منها أهل الإسلام ، أو ردّوها على أهل الكفر . ذكر من قال ذلك :
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن صالح ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : من سلم عليك من خلق الله ، فاردد عليه وإن كان مجوسيّا ، فإن الله يقول : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا سالم بن نوح ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، في قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها } للمسلمين ، { أوْ رُدّوها } على أهل الكتاب .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها } للمسلمين ، { أوْ رُدّوها } على أهل الكتاب .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها } يقول : حيوا أحسن منها : أي على المسلمين { أوْ رُدّوها } أي على أهل الكتاب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد في قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } قال : قال أبي : حقّ على كل مسلم حُيّي بتحية أن يحيي بأحسن منها ، وإذا حياه غير أهل الإسلام أن يردّ عليه مثل ما قال .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بتأويل الاَية قول من قال ذلك في أهل الإسلام ، ووجه معناه إلى أنه يردّ السلام على المسلم إذا حياه تحية أحسن من تحيته أو مثلها . وذلك أن الصحاح من الاَثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه واجب على كل مسلم ردّ تحية كل كافر أحسن من تحيته ، وقد أمر الله بردّ الأحسن¹ والمثل في هذه الاَية من غير تمييز منه بين المستوجب ردّ الأحسن من تحيته عليه والمردود عليه مثلها بدلالة يعلم بها صحة قول من قال : عنى بردّ الأحسن المسلم ، وبردّ المثل : أهل الكفر .
والصواب إذْ لم يكن في الاَية دلالة على صحة ذلك ولا بصحته أثر لازم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن يكون الخيار في ذلك إلى المسلّم عليه بين ردّ الأحسن أو المثل إلا في الموضع الذي خصّ شيئا من ذلك سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون مسلما لها . وقد خصت السنة أهل الكفر بالنهي عن ردّ الأحسن من تحيتهم عليهم أو مثلها ، إلا بأن يقال : «وعليكم » ، فلا ينبغي لأحد أن يتعدّى ما حدّ في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما أهل الإسلام ، فإن لمن سلم عليه منهم في الردّ من الخيار ما جعل الله له من ذلك . وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأويل ذلك بنحو الذي قلنا خبر¹ وذلك ما :
حدثني موسى بن سهل الرملي ، قال : حدثنا عبد الله بن السريّ الأنطاكي ، قال : حدثنا هشام بن لاحق ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهديّ ، عن سلمان الفارسي ، قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ! فقال : «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ ! » . ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ! فقال له رسول الله : «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ ! » . ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ! فقال له : «وَعَلَيْكَ ! » فقال له الرجل : يا نبيّ الله بأبي أنت وأمي ، أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت عليّ ؟ فقال : «أنّكَ لَمْ تَدَعْ لَنا شَيْئا ، قال الله { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } فرددناها عَلَيْكَ » .
فإت قال قائل : أفواجب ردّ التحية على ما أمر الله به في كتابه ؟ قيل : نعم ، وبه كان يقول جماعة من المتقدمين . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : ما رأيته إلا يوجبه قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الحسن ، قال : السلام : تطوّع ، والردّ فريضة .
القول في تأويل قوله تعالى : { أنّ اللّهَ كانَ على كُلّ شَيْءٍ حَسِيبا } .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : إن الله كان على كل شيء مما تعملون أيها الناس من الأعمال من طاعة ومعصية حفيظا عليكم ، حتى يجازيكم بها جزاءه . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : حسيبا ، قال : حفيظا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وأصل الحسيب في هذا الموضع عندي فَعِيل من الحساب الذي هو في معنى الإحصاء ، يقال منه : حاسبت فلانا على كذا وكذا ، وفلان حاسبه على كذا وهو حسيبه ، وذلك إذا كان صاحب حسابه . وقد زعم بعض أهل البصرة من أهل اللغة أن معنى الحسيب في هذا الموضع : الكافي ، يقال منه : أحسبني الشيء يُحسبني أحسابا ، بمعنى : كفاني ، من قولهم : حسبي كذا وكذا . وهذا غلط من القول وخطأ ، وذلك أنه لا يقال في أحسبت الشيء : أحسبت على الشيء فهو حسيب عليه ، وإنما يقال : هو حسبه وحسيبه ، والله يقول : { إنّ اللّهَ كانَ على كُلّ شَيْءٍ حَسِيبا } .
{ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } الجمهور على أنه في السلام ، ويدل على وجوب الجواب إما بأحسن منه وهو أن يزيد عليه ورحمة الله ، فإن قاله المسلم زاد وبركاته وهي النهاية وإما برد مثله لما روي ( أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : السلام عليك . فقال : وعليك السلام ورحمة الله . وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته . وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله وبركاته . فقال : وعليك فقال الرجل : نقصتني فأين ما قال الله تعالى وتلا الآية . فقال صلى الله عليه وسلم : إنك لم تترك لي فضلا فردت عليك مثله . وذلك لاستجماعه أقسام المطالب السالمة عن المضار وحصول المنافع وثباتها ومنه قيل ، أو للترديد بين أن يحيى المسلم ببعض التحية وبين أن يحيى بتمامها ، وهذا الوجوب على الكفاية وحيث السلام مشروع فلا يرد في الخطبة ، وقراءة القرآن ، وفي الحمام ، وعند قضاء الحاجة ونحوها . والتحية في الأصل مصدر حياك الله على الإخبار من الحياة ، ثم استعمل للحكم والدعاء بذلك ، ثم قيل لكل دعاء فغلب في السلام . وقيل المراد بالتحية العطية وواجب الثواب أو الرد على المتهب . وهو قول قديم للشافعي رضي الله تعالى عنه . { إن الله كان على كل شيء حسيبا } يحاسبكم على التحية وغيرها .
وقوله تعالى : { وإذا حييتم } الآية . التحية وزنها تفعلة من حي ، وهذا هو الأغلب من مصدر فعل في المعتل ، وروي عن مالك أن هذه الآية في تشميت العاطس ، وفيه ضعف ، لأنه ليس في الكلام على ذلك دلالة ، أما أن الرد على المشمت مما يدخل بالقياس في معنى رد التحية ، وهذا هو منحى مالك رحمه الله إن صح ذلك عنه والله أعلم ، واختلف المتأولون ، فقالت فرقة : التحية أن يقول الرجل : سلام عليك ، فيجب على الآخر أن يقول : عليك السلام ورحمة الله ، فإن قال البادىء : السلام عليك ورحمة الله ، قال الراد عليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فإن قال البادىء : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقد انتهى ولم يبق للراد أن يحيي بأحسن منها ، فهاهنا يقع الرد المذكور في الآية ، فالمعنى عند أهل هذه القالة { إذا حييتم بتحية } ، فإن نقص المسلم من النهاية فحيوا بأحسن . وإن انتهى فردوا ، وقالت فرقة : إنما معنى الآية تخيير الراد ، فإذا قال البادىء : السلام عليك ، فللراد أن يقول ، وعليك السلام فقط ، وهذا هو الرد ، وله أن يقول ، عليك السلام ورحمة الله ، وهذا هو التحية بأحسن منها ، وقال ابن عباس وغيره : المراد بالآية ، { إذا حييتم بتحية } ، فإن كانت من مؤمن فحيوا بأحسن منها ، وإن كانت من كافر فردوا على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال لهم : ( وعليكم ){[4177]} ، وروي عن ابن عمرو وابن عباس وغيرهما ، انتهى السلام إلى البركة ، وجمهور أهل العلم على أن لا يبدأ أهل الكتاب بسلام ، فإن سلم أحد ساهياً أو جاهلاً فينبغي أن يستقيله سلامه ، وشذ قوم في إباحة ابتدائهم ، والأول أصوب ، لأنه به يتصور إذلالهم ، وقال ابن عباس : كل من سلم عليك من خلق الله فرد عليه وإن كان مجوسياً ، وقال عطاء : الآية في المؤمنين خاصة ، ومن سلم من غيرهم قيل له : عليك ، كما في الحديث{[4178]} ، وأكثر أهل العلم على أن الابتداء بالسلام سنة مؤكدة ، ورده فريضة ، لأنه حق من الحقوق ، قاله الحسن بن أبي الحسن وغيره ، و { حسيباً } معناه : حفيظاً ، وهو فعيل من الحساب ، وحسنت هاهنا هذه الصفة ، إذ معنى الآية في أن يزيد الإنسان أو ينقص أو يوفي قدر ما يجيء به .