المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ} (45)

45- اقرأ - أيها النبي - كتاب الله ، ولا تلتفت إليهم ، وأد الصلاة على وجهها ، لأن الصلاة مع الإخلاص من شأنها أن تصرف من يقيمها عن الذنوب وكل ما ينكره الشرع . ولتقوى الله ومراقبته في الصلاة وغيرها أكبر أثراً وأعظم ثواباً . والله يعلم ما تفعلون من الخير والشر فيجازيكم عليه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ} (45)

{ 45 } { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }

يأمر تعالى بتلاوة وحيه وتنزيله ، وهو هذا الكتاب العظيم ، ومعنى تلاوته اتباعه ، بامتثال ما يأمر به ، واجتناب ما ينهى عنه ، والاهتداء بهداه ، وتصديق أخباره ، وتدبر معانيه ، وتلاوة ألفاظه ، فصار تلاوة لفظه جزء المعنى وبعضه ، وإذا كان هذا معنى تلاوة الكتاب ، علم أن إقامة الدين كله ، داخلة في تلاوة الكتاب . فيكون قوله : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ } من باب عطف الخاص على العام ، لفضل الصلاة وشرفها ، وآثارها الجميلة ، وهي { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ }

والفحشاء : كل ما استعظم واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس .

والمنكر : كل معصية تنكرها العقول والفطر .

ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، أن العبد المقيم لها ، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها ، يستنير قلبه ، ويتطهر فؤاده ، ويزداد إيمانه ، وتقوى رغبته في الخير ، وتقل أو تعدم رغبته في الشر ، فبالضرورة ، مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه ، تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها . وثَمَّ في الصلاة مقصود أعظم من هذا وأكبر ، وهو ما اشتملت عليه من ذكر اللّه ، بالقلب واللسان والبدن . فإن اللّه تعالى ، إنما خلق الخلق{[625]}  لعبادته ، وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة ، وفيها من عبوديات الجوارح كلها ، ما ليس في غيرها ، ولهذا قال : { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ }

ويحتمل أنه لما أمر بالصلاة ومدحها ، أخبر أن ذكره تعالى خارج الصلاة أكبر من الصلاة ، كما هو قول جمهور المفسرين ، لكن الأول أولى ، لأن الصلاة أفضل من الذكر خارجها ، ولأنها -كما تقدم- بنفسها من أكبر الذكر .

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } من خير وشر ، فيجازيكم على ذلك أكمل الجزاء وأوفاه .


[625]:- في ب: العباد.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ} (45)

ثم قال تعالى آمرا رسوله والمؤمنين بتلاوة القرآن ، وهو قراءته وإبلاغه للناس : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } يعني : أن الصلاة تشتمل على شيئين : على ترك الفواحش والمنكرات ، أي : إن مواظبتها تحمل على ترك ذلك . وقد جاء في الحديث من رواية عمران ، وابن عباس مرفوعا : " مَنْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم تزده من الله إلا بعدا " {[22599]} .

[ ذكر الآثار الواردة في ذلك ]{[22600]} :

قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن هارون المخرمي الفلاس ، حدثنا عبد الرحمن بن نافع أبو زياد ، حدثنا عمر بن أبي عثمان ، حدثنا الحسن ، عن عمران بن حصين قال : سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله : { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } قال : " مَنْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، فلا صلاة له " {[22601]} .

وحدثنا علي بن الحسين ، حدثنا يحيى بن أبي طلحة اليربوعي حدثنا أبو معاوية ، عن ليث ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم يزدد بها من الله إلا بعدا " . ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية{[22602]} .

وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن العلاء بن المسيب ، عمن ذكره ، عن ابن عباس في قوله : { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } قال : فَمَنْ لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر ، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا . فهذا موقوف{[22603]} .

قال ابن جرير : وحدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا علي بن هاشم بن{[22604]} البريد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا صلاة لِمَنْ لم يطع الصلاة ، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر " . قال : وقال سفيان : { قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ } [ هود : 87 ] قال : فقال سفيان : أي والله ، تأمره وتنهاه . {[22605]}

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا أبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقال أبو خالد مَرَّة : عن عبد الله - : " لا صلاة لِمَنْ لم يطع الصلاة ، وطاعة الصلاة تنهاه{[22606]} عن الفحشاء والمنكر " {[22607]} .

والموقوف أصح ، كما رواه الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قيل لعبد الله : إن فلانا يطيل الصلاة ؟ قال : إن الصلاة لا تنفع إلا من أطاعها{[22608]} .

وقال ابن جرير : قال علي : حدثنا إسماعيل بن مسلم{[22609]} ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر ، لم يزدد بها من الله إلا بُعْدا " {[22610]} .

والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن وقتادة ، والأعمش وغيرهم ، والله أعلم .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا جرير - يعني ابن عبد الحميد - عن الأعمش ، عن أبي صالح قال : أراه عن جابر - شك الأعمش - قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن فلانا يصلي فإذا أصبح سرق ، قال : " سينهاه{[22611]} ما يقول " {[22612]} .

وحدثنا محمد بن موسى الحَرشي{[22613]} حدثنا زياد بن عبد الله ، عن الأعمش عن أبي صالح ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه - ولم يشك{[22614]} - ثم قال : وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن الأعمش واختلفوا في إسناده ، فرواه غير واحد عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أو غيره ، وقال قيس عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، وقال جرير وزياد : عن عبد الله ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن جابر .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا الأعمش قال : أنبأنا أبو صالح{[22615]} عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن فلانا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق ؟ فقال : " إنه سينهاه ما يقول{[22616]}-{[22617]} " .

وتشتمل الصلاة أيضا على ذكر الله تعالى ، وهو المطلوب الأكبر ؛ ولهذا قال تعالى : { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } أي : أعظم من الأول ، { وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } أي : يعلم جميع أقوالكم وأعمالكم .

وقال أبو العالية في قوله : { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } ، قال : إن الصلاة فيها ثلاث خصال{[22618]} فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة : الإخلاص ، والخشية ، وذكر الله . فالإخلاص يأمره بالمعروف ، والخشية تنهاه عن المنكر ، وذكر القرآن يأمره وينهاه .

وقال ابن عَوْن الأنصاري : إذا كنت في صلاة فأنت في معروف ، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر ، والذي أنت فيه من ذكر الله أكبر .

وقال حماد بن أبي سليمان : { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } يعني : ما دمت فيها .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } ، يقول : ولذكر الله لعباده أكبر ، إذا ذكروه من ذكرهم إياه .

وكذا روى غير واحد عن ابن عباس . وبه قال مجاهد ، وغيره .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن داود بن أبي هند ، عن رجل ، عن ابن عباس : { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } قال : ذكر الله عند طعامك وعند منامك . قلت : فإن صاحبًا لي في المنزل يقول غير الذي تقول : قال : وأي شيء يقول ؟ قلت : قال : يقول الله : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] ، فلذكر الله إيانا أكبر من ذكرنا إياه . قال : صدق .

قال : وحدثنا أبي ، حدثنا النفيلي ، حدثنا إسماعيل ، عن خالد ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس في قوله : { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } قال : لها وجهان ، قال : ذكر الله عندما حرمه ، قال : وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدَّثنا هُشَيْم ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن ربيعة قال : قال لي ابن عباس : هل تدري ما قوله تعالى : { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } ؟ قال : قلت : نعم . قال : فما هو ؟ قلت : التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة ، وقراءة القرآن ، ونحو ذلك . قال : لقد قلت قولا عجبًا ، وما هو كذلك ، ولكنه إنما يقول : ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه إذا ذكرتموه ، أكبر من ذكركم إياه{[22619]}

. وقد روي هذا من غير وجه عن ابن عباس . وروي أيضا عن ابن مسعود ، وأبي الدرداء ، وسلمان الفارسي ، وغيرهم . واختاره ابن جرير .


[22599]:- أما حديث عمران بن حصين ، فقد أخرجه ابن أبي حاتم - كما سيأتي - من طريق عمر بن أبي عثمان عن الحسن عن عمران به ، والحسن لم يسمع من عمران بن حصين. وأما حديث ابن عباس ، فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير (11/54) من طريق ليث عن طاوس عن ابن عباس به.
[22600]:- زيادة من ف ، أ.
[22601]:- وهذا الحديث فيه علتان ذكرهما الشيخ ناصر الدين الألباني في الضعيفة وهما : 1 - الانقطاع بين الحسن - وهو البصري - وعمران بن حصين ، فإنهم اختلفوا في سماعه منه فإنه ثبت ، فعلته عنعنته الحسن فإنه مدلس معروف بذلك.2 - جهالة عمر بن أبي عثمان ، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/1/123) وقال : "سمع طاوسا قوله ، روى عنه يحيى بن سعيد".
[22602]:- المعجم الكبير (11/54) وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء : "إسناده لين".
[22603]:- تفسير الطبري (20/99).
[22604]:- في ف : "عن".
[22605]:- تفسير الطبري (20/99) وفيه جويبر وهو متروك.
[22606]:- في ف : "تنهى".
[22607]:- ذكره السيوطي في الدر المنثور (6/465) مرفوعا ، وقال : "أخرج عبد بن حميد وابن جرير ، وابن مردويه بسند ضعيف" فذكر الرواية التي قبلها.
[22608]:- ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (13/298) من طريق زائدة عن عاصم عن شقيق عن ابن مسعود قال : "لا تنفع الصلاة إلا من أطاعها ثم قرأ عبد الله: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر...) الآية".
[22609]:- في هـ ، ت ، ف ، أ : "وقال ابن جرير : حدثنا علي بن إسماعيل بن مسلم" والمثبت من الطبري.
[22610]:- تفسير الطبري (20/99) وهو من مراسيل الحسن.
[22611]:- في ف : "ستنهاه".
[22612]:- مسند البزار برقم (721) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (2/258) "رجاله ثقات".
[22613]:- في ف ، أ : "الجرشي".
[22614]:- مسند البزار برقم (722) "كشف الأستار".
[22615]:- في هـ ، ت ، ف : "أبو صالح أخبرنا" والمثبت من المسند.
[22616]:- في ف : "ستنهاه ما تقول"
[22617]:- المسند (2/447) ورواه البزار في مسنده برقم (720) "كشف الأستار". من طريق الأعمش به ، وقال الهيثمي في المجمع (2/258) "رجاله رجال الصحيح".
[22618]:- في أ : "خلال".
[22619]:- تفسير الطبري (20/99).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ} (45)

القول في تأويل قوله تعالى : { اتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصّلاَةَ إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللّهِ أَكْبَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم اتْلُ يعني اقرأ ما أُوحِيَ إلَيْكَ مِنَ الكِتابِ يعني ما أنزل إليك من هذا القرآن وأقِمِ الصّلاة يعني : وأدّ الصلاة التي فرضها الله عليك بحدودها إنّ الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَر .

اختلف أهل التأويل في معنى الصلاة التي ذكرت في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عنى بها القرآن الذي يقرأ في موضع الصلاة ، أو في الصلاة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أبي الوفاء ، عن أبيه ، عن ابن عمر إنّ الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ قال : القرآن الذي يقرأ في المساجد .

وقال آخرون : بل عنى بها الصلاة . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله إنّ الصّلاة تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ يقول : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن العلاء بن المسيب ، عمن ذكره ، عن ابن عباس ، في قول الله إنّ الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بصلاته إلاّ بُعْدا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا خالد ، قال : قال العلاء بن المسيب ، عن سمرة بن عطية ، قال : قيل لابن مسعود ، إن فلانا كثير الصلاة ، قال : فإنها لا تنفع إلاّ من أطاعها .

قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن ابن مسعود ، قال : من لم تأمره صلاته بالمعروف ، وتنهه عن المنكر ، لم يزدد بها من الله إلاّ بعدا .

قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا عليّ بن هاشم بن البريد ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك ، عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يُطِعِ الصّلاةَ ، وَطاعَةُ الصّلاةِ أنْ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ » قال : قال سفيان قالُوا يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ قال : فقال سفيان : إي والله تأمره وتنهاه .

قال علي : وحدثنا إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ صَلى صَلاةً لَمْ تَنْهَهُ عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِها مِنَ اللّهِ إلاّ بُعْدا » .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : الصلاة إذا لم تنهه عن الفحشاء والمنكر ، قال : من تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم يزدد من الله إلاّ بعدا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة والحسن ، قالا : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، فإنه لا يزداد من الله بذلك إلاّ بعدا .

والصواب من القول في ذلك أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، كما قال ابن عباس وابن مسعود .

فإن قال قائل : وكيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر إن لم يكن معنيا بها ما يتلى فيها ؟ قيل : تنهى من كان فيها ، فتحول بينه وبين إتيان الفواحش ، لأن شغله بها يقطعه عن الشغل بالمنكر ، ولذلك قال ابن مسعود : من لم يطع صلاته لم يزدد من الله إلاّ بعدا . وذلك أن طاعته لها إقامته إياها بحدودها ، وفي طاعته لها مزدجر عن الفحشاء والمنكر .

حدثنا أبو حميد الحمصي ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد العطار ، قال : حدثنا أرطاة ، عن ابن عون ، في قول الله إنّ الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ قال : إذا كنت في صلاة ، فأنت في معروف ، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر ، والفحشاء : هو الزنا . والمنكر : معاصي الله . ومن أتى فاحشة أو عَصَى الله في صلاته بما يفسد صلاته ، فلا شكّ أنه لا صلاة له .

وقوله : وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن ربيعة ، قال : قال لي ابن عباس : هل تدري ما قوله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَر قال : قلت : نعم ، قال : فما هو ؟ قال : قلت : التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة ، وقراءة القرآن ونحو ذلك ، قال : لقد قلت قولاً عجبا وما هو كذلك ، ولكنه إنما يقول : ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه إذا ذكرتموه أكبر من ذكركم إياه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن ابن ربيعة ، عن ابن عباس قال : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن عبد الله بن ربيعة ، قال : سألني ابن عباس ، عن قول الله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ فقلت : ذكره بالتسبيح والتكبير والقرآن حسن ، وذكره عند المحارم فيحتجز عنها ، فقال : لقد قلت قولاً عجيبا وما هو كما قلت ، ولكن ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن ربيعة ، عن ابن عباس وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : ذكر الله للعبد أفضل من ذكره إياه .

حدثنا محمد بن المثنى وابن وكيع ، قال ابن المثنى : ثني عبد الأعلى ، وقال ابن وكيع : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن محمد بن أبي موسى ، قال : كنت قاعدا عند ابن عباس ، فجاءه رجل ، فسأل ابن عباس عن ذكر الله أكبر ، فقال ابن عباس : الصلاة والصوم قال : ذاك ذكر الله ، قال رجل : إني تركت رجلاً في رحلي يقول غير هذا ، قال : وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : ذكر الله العباد أكبر من ذكر العباد إياه ، فقال ابن عباس : صدق والله صاحبك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس ، فقال : حدثني عن قول الله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن داود ، عن عكرمة وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : ذكر الله للعبد أفضل من ذكره إياه .

حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا ابن فضيل ، قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : هو قوله : فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَلَذِكْرُ اللّهِ لعباده إذا ذكروه أكْبَرُ من ذكركم إياه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه في الصلاة أو غيرها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، عن داود بن أبي هند ، عن محمد بن أبي موسى ، عن ابن عباس ، قال : ذكر الله إياكم إذا ذكرتموه أكبر من ذكركم إياه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تُمَيْلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عامر ، عن أبي قرة ، عن سلمان ، مثله .

حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : ثني عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح بن أبي عَريب ، عن كثير بن مرّة الحضرميّ ، قال : سمعت أبا الدرداء ، يقول : «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأحبها إلى مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير من أن تغزوا عدوّكم ، فتضربوا أعناقهم ، وخير من إعطاء الدنانير والدراهم ؟ قالوا : ما هو ؟ قال : ذكركم ربكم ، وذكر الله أكبر » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن عامر ، عن أبي قرّة ، عن سلمان وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : قال ذكر الله إياك أكبر من ذكركم إياه .

قال : ثني أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، قال : سألت أبا قرة ، عن قوله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه .

قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة قالا : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه .

قال : ثنا ابن فضيل ، عن مطرف ، عن عطية ، عن ابن عباس ، قال : هو كقوله : فاذْكُرُونِي أذْكرْكُمْ فذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه .

قال : ثنا حسن بن عليّ ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن شقيق ، عن عبد الله ولَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لربه .

قال : ثنا أبو يزيد الرازي ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن شعبة ، قال : ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولذكركم الله أفضل من كلّ شيء . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا عمر بن أبي زائدة ، عن العيزار بن حريث ، عن رجل ، عن سلمان ، أنه سئل : أيّ العمل أفضل ؟ قال : أما تقرأ القرآن وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ : لا شيء أفضل من ذكر الله .

حدثنا ابن حميد أحمد بن المغيرة الحمصي ، قال : حدثنا علي بن عياش ، قال : حدثنا الليث ، قال : ثني معاوية ، عن ربيعة بن يزيد ، عن إسماعيل بن عبيد الله ، عن أمّ الدرداء ، أنها قالت : وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ فإن صليت فهو من ذكر الله ، وإن صمت فهو من ذكر الله ، وكلّ خير تعمله فهو من ذكر الله وكل شرّ تجتنبه فهو من ذكر الله ، وأفضل ذلك تسبيحُ الله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : لا شيء أكبر من ذكر الله ، قال : أكبر الأشياء كلها ، وقرأ أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي قال : لذكر الله : وإنه لم يصفه عند القتال إلاّ أنه أكبر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، قال : قال رجل لسلمان : أيّ العمل أفضل ، قال : ذكر الله .

وقال آخرون : هو محتمل للوجهين جميعا ، يعنون القول الأوّل الذي ذكرناه والثاني . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن خالد ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قوله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : لها وجهان : ذكر الله أكبر مما سواه ، وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا خالد الحذّاء ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس في : وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : لها وجهان : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ، وذكر الله عند ما حُرم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : لذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن السّدّي عن أبي مالك ، في قوله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال : ذكر الله العبد في الصلاة ، أكبر من الصلاة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وللصلاة التي أتيت أنت بها ، وذكرك الله فيها أكبر مما نهتك الصلاة من الفحشاء والمنكر .

حدثني أحمد بن المغيرة الحمصي ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد العطار ، قال : حدثنا أرطاة ، عن ابن عون ، في قول الله إنّ الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ والذي أنت فيه من ذكر الله أكبر .

قال أبو جعفر : وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التنزيل قول من قال : ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه .

وقوله : وَاللّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ يقول : والله يعلم ما تصنعون أيها الناس في صلاتكم من إقامة حدودها ، وترك ذلك وغيره من أموركم ، وهو مجازيكم على ذلك ، يقول : فاتقوا أن تضيعوا شيئا من حدودها ، والله أعلم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ} (45)

{ اتل ما أوحي إليك من الكتاب } تقربا إلى الله تعالى بقراءته وتحفظا لألفاظه واستكشافا لمعانيه ، فإن القارئ المتأمل قد ينكشف به بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه . { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } بأن تكون سببا للانتهاء عن المعاصي حال الاشتغال بها وغيرها من حيث إنها تذكر الله وتورث النفس خشية منه . روي أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات ولا يدع شيئا من الفواحش إلا ارتكبه ، فوصف له عليه السلام فقال : " إن صلاته ستنهاه " فلم يلبث أن تاب . { ولذكر الله اكبر } وللصلاة اكبر من سائر الطاعات ، وانما عبر عنها به للتعليل بأن اشتمالها على ذكره هو العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات ، أو لذكر الله إياكم برحمته اكبر من ذكركم إياه بطاعته . { والله يعلم ما تصنعون } منه ومن سائر الطاعات فيجازيكم به أحسن المجازاة .