بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ} (45)

قوله عز وجل : { اتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ } يعني : اقرأ عليهم ما أنزل إليك { مّنَ الكتاب } يعني : من القرآن . ويقال : هو أمر بتلاوة القرآن ، يعني : اقرؤوا القرآن ، واعملوا بما فيه . { وأقم الصلاة } يعني : وأتمَّ الصلاة { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } يعني : ما دام العبد يصلي لله عز وجل انتهى عن الفحشاء والمنكر والمعاصي . ويقال : { وأقم الصلاة } يعني : وأدِّ الصلاة الفريضة في مواقيتها بركوعها وسجودها والتضرع بعدها { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء } يعني : إذا صلى العبد لله صلاة خاشع يمنعه من المعاصي ، لأنه يرق قلبه ، فلا يميل إلى المعاصي .

وروى أبو أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ لَمْ تَزِدْهُ صَلاتُهُ عِنْدَ الله إلاَّ مَقْتاً » وروي عن الحسن البصري رحمه الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاَتَهُ عَن فَحْشَاءَ وَلاَ مُنْكَرٍ لَمْ يَزْدَدْ بِهَا مِنَ الله إلاَّ بُعْداً » وقال الحسن : إذا لم تنته بصلاتك عن الفحشاء فلست بمُصَلٍ . ثم قال { وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ } يعني : أفضل من سائر العبادات . وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال : قراءة القرآن في غير الصلاة أفضل من صلاة لا يكون فيها كثير القراءة ، ثم قرأ هذه الآية { اتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب وَأَقِمِ الصلاة إِنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر } قال مقاتل : ولذكر الله إياك أفضل من ذكرك إياه بالصلاة ، وقال الكلبي : يقول : ذكره إياكم بالخير أكبر من ذكركم إياه ، والله يذكر من ذكره بالخير .

قال أبو الليث رحمه الله : حدثنا الخليل بن أحمد ، قال : حدثنا الماسرجسي قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن ربيعة ، قال سألني ابن عباس عن قوله : { وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ } فقلت : هو التسبيح والتهليل والتقديس ، فقال : لقد قلت شيئاً عجيباً ، وإنما هو ذكر الله العباد أكثر من ذكر العباد إياه . وقال قتادة : { وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ } أي : ليس شيء أفضل من ذكر الله . وسئل سلمان الفارسي أي العمل أفضل ؟ قال : ذكر الله . ويقال : ذكر الله أفضل من الاشتغال بغيره . ويقال : ذكر الله حين كتبكم في اللوح المحفوظ من المسلمين أفضل . ويقال : ذكر الله عز وجل لك بالمغفرة أفضل من ذكرك إياه . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « مَنْ ذَكَرَ الله فِي نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الله في نَفْسِهِ وَمَنْ ذَكَرَهُ في مَلإٍ ذَكَرَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ في مَلإٍ أَكْبَرَ مِنَ المَلإِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِمْ وَأَطْيَبَ ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنَ الله شِبْراً تَقَرَّبَ الله مِنْهُ ذِرَاعاً يعني : بإجابته وتوفيقه ورحمته وَمَنْ تَقَرَّبَ إلى الله تَعَالَى ذِرَاعاً تَقَرَّبَ الله مِنْهُ باعاً ، وَمَنْ أتَى الله مَاشِياً أتاهُ هَرْوَلةً »

يعني : بإجابته وتوفيقه .

ثم قال تعالى : { والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } من الخير والشر فيجازيكم به .