مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ} (45)

{ اتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب } تقرباً إلى الله تعالى بقراءة كلامه ولتقف على ما أمر به ونهى عنه { وأقم الصلاة } أي دم على إقامة الصلاة { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء } الفعلة القبيحة كالزنا مثلاً { والمنكر } هو ما ينكره الشرع والعقل . قيل : من كان مراعياً للصلاة جره ذلك إلى أن ينتهي عن السيئات يوماً ما فقد روي أنه قيل يوماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فلاناً يصلي بالنهار ويسرق بالليل . فقال : « إن صلاته لتردعه » روي أن فتى من الأنصار كان يصلي معه الصلوات ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ركبه فوصف له فقال « إن صلاته ستنهاه » فلم يلبث أن تاب . وقال ابن عوف : إن الصلاة تنهى إذا كنت فيها فأنت في معروف وطاعة وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر . وعن الحسن : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست صلاته بصلاة وهي وبال عليه { وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ } أي والصلاة أكبر من غيرها من الطاعات ، وإنما قال ( ولذكر الله ) ليستقل بالتعليل كأنه قال : والصلاة أكبر لأنها ذكر الله . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته . وقال ابن عطاء : ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له الآن ، لأن ذكره بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني ، ولأن ذكره لا يفنى وذكركم لا يبقى . وقال سلمان : ذكر الله أكبر من كل شيء وأفضل فقد قال عليه السلام « ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم » قالوا وما ذاك يا رسول الله قال « ذكر الله » وسئل أي الأعمال أفضل قال « أن تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله » أو ذكر الله أكبر من أن تحويه أفهامكم وعقولكم ، أو ذكر الله أكبر من تلقى معه معصية ، أو ذكر الله أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من غيره : { والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } من الخير والطاعة فيثيبكم أحسن الثواب .