لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{ٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ} (45)

قوله تعالى { اتل ما أوحي إليك من الكتاب } يعني القرآن { وأقم الصلاة } فإن قلت : لم أمر بهذين الشيئين تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة فقط ؟ قلت لأن العبادة المختصة بالعبد ثلاثة : قلبية وهي الاعتقاد الحق ولسانية وهي الذكر الحسن وبدنية وهي العمل الصالح ، لكن الاعتقاد لا يتكرر فإن اعتقد شيئاً لا يمكنه أن يعتقده مرة أخرى بل ذلك يدوم مستمراً فبقي الذكر العبادة البدنية وهما ممكنا التكرار فلذلك أمر بهما { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء } أي ما قبح من الأعمال { والمنكر } أي ما لا يعرف في الشرع . قال ابن مسعود وابن عباس في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله ، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم تزده صلاته من الله إلا بعداً . وقال الحسن وقتادة : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه وقيل من داوم على الصلاة جره ذلك إلى ترك المعاصي والسيئات كما روي عن أنس قال : « كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يدع من الفواحش شيئاً إلا ركبه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن صلاته ستنهاه يوماً فلم يلبث أن تاب وحسن حاله » وقيل : معنى الآية أنه ما دام في صلاته فإنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر ومنه قوله : « إن في الصلاة لشغلاً » وقيل أراد بالصلاة القرآن وفيه ضعف لتقدم ذكر القرآن وعلى هذا يكون معناه أن القرآن ينهاه عن الفحشاء والمنكر كما روي عن جابر قال : قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم « إن رجل يقرأ القرآن الليل كله فإذا أصبح سرق قال ستنهاه قراءته » وفي رواية « أنه قيل يا رسول الله إن فلاناً يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه » وعلى كل حال فإن المراعي للصلاة لا بد وأن يكون أبعد عن الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها { ولذكر الله أكبر } أي أنه أفضل الطاعات . عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله » . أخرجه الترمذي وله عن أبي سعيد الخدري قال : « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال الذاكرون الله كثيراً قالوا يا رسول الله والغازي في سبيل الله ؟ فقال لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختصب في سبيل الله دماً لكان الذاكرون الله كثيراً أفضل منه درجة » ( م ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيراً والذاكرات » يروي المفردون بتشديد الراء وتخفيفها والتشديد أتم يقال فرد الرجل بتشديد الراء إذا تفقه واعتزل الناس وحده مراعياً للأمر والنهي وقيل هم المتخلفون عن الناس بذكر الله لا يخلطون به غيره ( خ ) عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده » وروي « أن أعرابياً قال يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال أن تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله » وقال ابن عباس : معنى ولذكر الله أكبر ذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه ويروى ذلك مرفوعاً عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه سلم وقال ابن عطاء ولذكر الله أكبر أي لن تبقى معه معصية { والله يعلم ما تصنعون } يعني لا يخفى عليه شيء من أمركم .