11- وأن الله سبحانه هو الذي يحفظكم ، فكل واحد من الناس له ملائكة تحفظه بأمر الله وتتناوب علي حفظه من أمامه ومن خلفه ، وأن الله سبحانه لا يغير حال قوم من شدة إلي رخاء ، ومن قوة إلي ضعف ، حتى يغيروا ما بأنفسهم بما يتناسب مع الحال التي يصيرون إليها ، وإذا أراد الله أن ينزل بقوم ما يسوؤهم فليس لهم ناصر يحميهم من أمره ، ولا من يتولي أمورهم فيدفع عنهم ما ينزل بهم .
{ 11 } { لَه } أي : للإنسان { مُعَقِّبَاتٌ } من الملائكة يتعاقبون في الليل والنهار .
{ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } أي : يحفظون بدنه وروحه من كل من يريده بسوء ، ويحفظون عليه أعماله ، وهم ملازمون له دائما ، فكما أن علم الله محيط به ، فالله قد أرسل هؤلاء الحفظة على العباد ، بحيث لا تخفى أحوالهم ولا أعمالهم ، ولا ينسى منها شيء ، { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ } من النعمة والإحسان ورغد العيش { حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية ، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها فيسلبهم الله عند ذلك إياها .
وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية ، فانتقلوا إلى طاعة الله ، غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة ، { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا } أي : عذابا وشدة وأمرا يكرهونه ، فإن إرادته لا بد أن تنفذ فيهم .
فإنه { لَا مَرَدَّ لَهُ } ولا أحد يمنعهم منه ، { وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } يتولى أمورهم فيجلب لهم المحبوب ، ويدفع عنهم المكروه ، فليحذروا من الإقامة على ما يكره الله خشية أن يحل بهم من العقاب ما لا يرد عن القوم المجرمين .
( له معقبات من بين يديه ومن خلفه - يحفظونه - من أمر الله ) . .
والحفظة التي تتعقب كل إنسان ، وتحفظ كل شاردة وكل واردة وكل خاطرة وكل خالجة ، والتي هي من أمر الله ، لا يتعرض لها السياق هنا بوصف ولا تعريف . أكثر من أنها . ( من أمر الله ) . . فلا نتعرض نحن لها : ما هي ? وما صفاتها ? وكيف تتعقب ? وأين تكون ? ولا نذهب بجو الخفاء والرهبة والتعقب الذي يسبغه السياق . فذلك هو المقصود هنا ؛ وقد جاء التعبير بقدره ؛ ولم يجيء هكذا جزافا ؛ وكل من له ذوق بأجواء التعبير يشفق من أن يشوه هذا الجو الغامض بالكشف والتفصيل !
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) . .
فهو يتعقبهم بالحفظة من أمره لمراقبة ما يحدثونه من تغيير بأنفسهم وأحوالهم فيرتب عليه الله تصرفه بهم . فإنه لا يغير نعمة أو بؤسى ، ولا يغير عزا أو ذلة ، ولا يغير مكانة أو مهانة . . . إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم ، فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم . وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون . ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم ، ويجيء لاحقا له في الزمان بالقياس إليهم .
وإنها لحقيقة تلقي على البشر تبعة ثقيلة ؛ فقد قضت مشيئة الله وجرت بها سنته ، أن تترتب مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر ؛ وأن تنفذ فيهم سنته بناء على تعرضهم لهذه السنة بسلوكهم . والنص صريح في هذا لا يحتمل التأويل . وهو يحمل كذلك - إلى جانب التبعة - دليل التكريم لهذا المخلوق الذي اقتضت مشيئة الله ، أن يكون هو بعمله أداة التنفيذ لمشيئة الله فيه .
وبعد تقرير المبدأ يبرز السياق حالة تغيير الله ما بقوم إلى السوء ؛ لأنهم - حسب المفهوم من الآية - غيروا ما بأنفسهم إلى أسوء فأراد لهم الله السوء :
( وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ) . .
يبرز السياق هذا الجانب هنا دون الجانب الآخر لأنه في معرض الذين يستعجلون بالسيئة قبل الحسنة . وقد قدم لهم هناك المغفرة على العذاب ليبرز غفلتهم ، وهو هنا يبرز العاقبة السوأى وحدها لإنذارهم حيث لا يرد عذاب الله عنهم - إذا استحقوه بما في أنفسهم - ولا يعصمهم منه وال يناصرهم . .
{ له } لمن أسر أو جهر أو استخفى أو سرب . { معقّبات } ملائكة تعتقب في حفظه ، جمع معقبة من عقبه مبالغة عقبه إذا جاء على عقبه كأن بعضهم يعقب بعضا ، أو لأنهم يعقبون أقواله وأفعاله فيكتبونها ، أو اعتقب فأدغمت التاء في القاف والتاء للمبالغة ، أو لأن المراد بالمعقبات جماعات . وقرئ " معاقيبُ " جمع معقب أو معقبة على تعويض الياء من حذف إحدى القافين . { من بين يديه ومن خلفه } من جوانبه أو من الأعمال ما قدم وأخر . { يحفظونه من أمر الله } من بأسه متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له ، أو يحفظونه من المضار أو يراقبون أحواله من أجل أمر الله تعالى . وقد قرئ به وقيل من بمعنى الباء . وقيل من أمر الله صفة ثانية ل { معقبات } . وقيل المعقبات الحرس والجلاوزة حول السلطان يحفظونه في توهمه من قضاء الله تعالى . { إن الله لا يغيّر ما بقوم } من العافية والنعمة . { حتى يغيّروا ما بأنفسهم } من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة { وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مردّ له } فلا راد له فالعامل في { إذا } ما دل عليه الجواب . { وما لهم من دونه من والٍ } ممن يلي أمرهم فيدفع عنهم السوء ، وفيه دليل على أن خلاف مراد الله تعالى محال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.