المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

115- ولقد وصينا آدم - أيها الرسول - من أول أمره ، ألا يخالف لنا أمراً ، فنسى العهد وخالف ، ولم نجد له أول أمره عزماً وثيقاً ، وتصميماً قوياً يمنع من أن يتسلل الشيطان إلي نفسه بوسوسته .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

{ 115 } { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا }

أي : ولقد وصينا آدم وأمرناه ، وعهدنا إليه عهدا ليقوم به ، فالتزمه ، وأذعن له وانقاد ، وعزم على القيام به ، ومع ذلك نسي ما أمر به ، وانتقضت عزيمته المحكمة ، فجرى عليه ما جرى ، فصار عبرة لذريته ، وصارت طبائعهم مثل طبيعته ، نسي آدم فنسيت ذريته ، وخطئ فخطئوا ، ولم يثبت على العزم المؤكد ، وهم كذلك ، وبادر بالتوبة من خطيئته ، وأقر بها واعترف ، فغفرت له ، ومن يشابه أباه فما ظلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

99

ثم تجيء قصة آدم ، وقد نسي ما عهد الله به إليه ؛ وضعف أمام الإغراء بالخلود ، فاستمع لوسوسة الشيطان : وكان هذا ابتلاء من ربه له قبل أن يعهد إليه بخلافة الأرض ؛ ونموذجا من فعل إبليس يتخذ أبناء آدم منه عبرة . فلما تم الابتلاء تداركت آدم رحمة الله فاجتباه وهداه . .

والقصص القرآني يجيء في السياق متناسقا معه . وقصة آدم هنا تجيء بعد عجلة الرسول بالقرآن خوف النسيان ، فيذكر في قصة آدم نقطة النسيان . وتجيء في السورة التي تكشف عن رحمة الله ورعايته لمن يجتبيهم من عباده ، فيذكر في قصة آدم أن ربه اجتباه فتاب عليه وهداه . ثم يعقبها مشهد من مشاهد القيامة يصور عاقبة الطائعين من أبنائه وعاقبة العصاة . وكأنما هي العودة من رحلة الأرض إلى المقر الأول ليجزى كل بما قدمت يداه .

فلنتبع القصة كما جاءت في السياق :

( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ) . .

وعهد الله إلى آدم كان هو الأكل من كل الثمار سوى شجرة واحدة ، تمثل المحظور الذي لا بد منه لتربية الإرادة ، وتأكيد الشخصية ، والتحرر من رغائب النفس وشهواتها بالقدر الذي يحفظ للروح الإنسانية حرية الانطلاق من الضرورات عندما تريد ؛ فلا تستعبدها الرغائب وتقهرها . وهذا هو المقياس الذي لا يخطئ في قياس الرقي البشري . فكلما كانت النفس أقدر على ضبط رغائبها والتحكم فيها والاستعلاء عليها كانت أعلى في سلم الرقي البشري . وكلما ضعفت أمام الرغبة وتهاوت كانت أقرب إلى البهيمية وإلى المدارج الأولى .

من أجل ذلك شاءت العناية الإلهية التي ترعى هذا الكائن الإنساني أن تعده لخلافة الأرض باختبار إرادته ، وتنبيه قوة المقاومة فيه ، وفتح عينيه على ما ينتظره من صراع بين الرغائب التي يزينها الشيطان ، وإرادته وعهده للرحمن . وها هي ذي التجربة الأولى تعلن نتيجتها الأولى : ( فنسي ولم نجد له عزما )ثم تعرض تفصيلاتها :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سِنَان ، حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي . وكذا رواه علي بن أبي طلحة ، عنه .

وقال مجاهد والحسن : تَرَكَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

{ ولقد عهدنا إلى آدم } ولقد أمرناه يقال تقدم الملك إليه وأوعز إليه وعزم عليه وعهد إليه إذا أمره ، واللام جواب قسم محذوف وإنما عطف قصة آدم على قوله { وصرفنا فيه من الوعيد } للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان وعرقهم راسخ في النسيان . { من قبل } من قبل هذا الزمان . { فنسي } العهد ولم يعن به حتى غفل عنه ، أو ترك ما وصي به من الاحتراز عن الشجرة . { ولم نجد له عزما } تصميم رأي وثباتا على الأمر إذ لو كان ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان ولم يستطع تغريره ، ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب الأمور ويذوق شريها وأريها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه وقد قال الله تعالى ولم نجد له عزما وقيل عزما مفعولاه ، وإن كان من الوجود المناقض للعدم فله حال من عزما أو متعلق بنجد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

قال الطبري المعنى وإن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس فقدماً فعل ذلك أبوهم آدم ع وهذا التأويل ضعيف ، وذلك أن يكون { آدم } مثالاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء ، و { آدم } إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضة عليه صلى الله عليه وسلم وأما الظاهر في هذه الآية ، إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله ، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يعجل بالقرآن مثل له بنبي قبله عهد إليه { فنسي } فعوقب لتكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم . و «العهد » هنا في معنى الوصية . و «نسي » معناه ترك ، والنسيان الذهول لكن هنا أنه لا يتعلق بالناسي عقاب ، وقرأ الأعمش «فنسي » بسكون الياء ووجهها طلب الخفة ، و «العزم » المضي على المعتقد في أي شيء كان ، وآدم عليه السلام كان معتقداً لأن لا يأكل من الشجرة لما وسوس إليه إبليس لم يعزم على معتقده ، وعبر بعض المفسرين عن العزم هنا بالصبر وبالحفظ وبغير ذلك مما هو أعم من حقيقة العزم والشيء الذي عهد إلى آدم هو أن يقرب الشجرة وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له ، وقال أبو أمامة لو أن أحلام بني آدم وضعت منذ خلق الله إلى يوم القيامة ووضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم ، وقد قال الله له { ولم نجد له عزماً } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

لما كانت قصة موسى عليه السلام مع فرعون ومع قومه ذات عبرة للمكذبين والمعاندين الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وعاندوه ، وذلك المقصود من قَصَصها كما أشرنا إليه آنفاً عند قوله { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكراً من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً } [ طه : 99 ، 100 ] فكأن النبي صلى الله عليه وسلم استحب الزيادة من هذه القِصص ذات العبرة رجاء أن قومه يفيقون من ضلالتهم كما أشرنا إليه قريباً عند قوله { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } [ طه : 114 ] ؛ أعقبت تلك القصة بقصة آدم عليه السلام وما عرّض له به الشيطان ، تحقيقاً لفائدة قوله { وقل رب زدني علماً } [ طه : 114 ] . فالجملة عطف قصة على قصة والمناسبة ما سمعتَ .

والكلام معطوف على جملة { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } . وافتتاح الجملة بحرف التحقيق ولام القسم لمجرد الاهتمام بالقصة تنبيهاً على قصد التنظير بين القصتين في التفريط في العهد ، لأن في القصة الأولى تفريط بني إسرائيل في عهد الله ، كما قال فيها { ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً أفطال عليكم العهد } [ طه : 86 ] ، وفي قصة آدم تفريطاً في العهد أيضاً . وفي كون ذلك من عمل الشيطان كما قال في القصة الأولى { وكذلك سولت لي نفسي } [ طه : 96 ] وقال في هذه { فوسوس إليه الشيطان } [ طه : 120 ] . وفي أن في القصتين نسياناً لما يجب الحفاظ عليه وتذكره فقال في القصة الأولى { فَنَسِيَ } [ طه : 16 ] وقال في هذه القصة { فنسي ولم نجد له عزماً } .

وعليه فقوله { من قبلُ } حُذف ما أضيف إليه ( قبلُ ) . وتقديره : من قبل إرسال موسى أو من قبل ما ذكر ، فإن بناء ( قبلُ ) على الضم علامة حذف المضاف إليه ونيّة معناه . والذي ذكر : إما عهد موسى الذي في قوله تعالى : { وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى } [ طه : 13 ] وقوله { فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى } [ طه : 16 ] ؛ وإما عهد الله لبني إسرائيل الذي ذكّرهم به موسى عليه السلام لما رجع إليهم غضبان أسفاً ، وهو ما في قوله { أفطال عليكم العهد } [ طه : 86 ] الآية .

والمراد بالعهد إلى آدم : العهد إليه في الجنّة التي أنسي فيها .

والنسيان : أطلق هنا على إهمال العمل بالعهد عمداً ، كقوله في قصة السامري { فَنَسي } ، فيكون عصياناً ، وهو الذي يقتضيه قوله تعالى : { وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } الآية ، وقد مضت في سورة الأعراف ( 20 ، 21 ) . وهذا العهد هو المُبيّن في الآية بقوله { فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك } [ طه : 117 ] الآية .

والعزم : الجزم بالفعل وعدم التردد فيه ، وهو مغالبة ما يدعو إليه الخاطر من الانكفاف عنه لعسر عمله أو إيثار ضده عليه . وتقدم قوله تعالى : { وإن عزموا الطلاق } في سورة البقرة ( 227 ) . والمراد هنا : العزم على امتثال الأمر وإلغاءُ ما يحسِّن إليه عدمَ الامتثال ، قال تعالى : { فإذا عزمت فتوكل على الله } [ آل عمران : 159 ] ، وقال { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } [ الأحقاف : 35 ] ، وهم نوح ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، ويعقوب ، ويوسف ، وأيوب ، وموسى ، وداوود ، وعيسى عليهم السلام .

واستعمل نفي وجدان العزم عند آدم في معنى عدم وجود العزم من صفته فيما عهد إليه تمثيلاً لحال طلب حصوله عنده بحال الباحث على عزمه فلم يجده عنده بعد البحث .