المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (118)

118- يا أيها الذين آمنوا : لا تتخذوا أصفياء تستعينون بهم من غير أهل دينكم ، تطلعونهم على أسراركم ، لأنهم لا يقصرون في إفساد أموركم . إذ هم يودون أن يرهقوكم ويضروكم أشد الضرر . وقد ظهرت أمارات البغضاء لكم من فلتات ألسنتهم ، وما تضمره قلوبهم أعظم مما بدا ، قد أظهرنا لكم العلامات التي يتميز بها الولي من العدو إن كنتم من أهل العقل والإدراك الصحيح .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (118)

ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يتخذوا بطانة من المنافقين من أهل الكتاب وغيرهم يظهرونهم على سرائرهم أو يولونهم بعض الأعمال الإسلامية وذلك أنهم هم الأعداء الذين امتلأت قلوبهم من العداوة والبغضاء فظهرت على أفواههم { وما تخفي صدورهم أكبر } مما يسمع منهم فلهذا { لا يألونكم خبالا } أي : لا يقصرون في حصول الضرر عليكم والمشقة وعمل الأسباب التي فيها ضرركم ومساعدة الأعداء عليكم قال الله للمؤمنين { قد بينا لكم الآيات } أي : التي فيها مصالحكم الدينية والدنيوية { لعلكم تعقلون } فتعرفونها وتفرقون بين الصديق والعدو ، فليس كل أحد يجعل بطانة ، وإنما العاقل من إذا ابتلي بمخالطة العدو أن تكون مخالطة في ظاهره ولا يطلعه من باطنه على شيء ولو تملق له وأقسم أنه من أوليائه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (118)

93

وفي نهاية الدرس الذي ابتدأ بيانا لما في سلوك أهل الكتاب من انحراف ، وكشفا لما في جدالهم من مغالطة ، وفضحا لما يريدونه بالمسلمين من سوء ، وتوجيها للجماعة المسلمة لتنهض بتكاليفها ، دون أن تلقي بالا إلى المجادلين المنحرفين الفاسقين . . في نهاية هذا الدرس ، ونهاية هذا المقطع الطويل من السورة كلها يجيء التحذير للجماعة المسلمة من أن تتخذ من أعدائها الطبيعيين بطانة ، وأن تجعل منهم أمناء على أسرارها ومصالحها ، وهم للذين آمنوا عدو . . يجيء هذا التحذير في صورة شاملة خالدة ، ما نزال نرى مصداقها في كل وقت ، وفي كل أرض . صورة رسمها هذا القرآن الحي ، فغفل عنها أهل هذا القرآن . فأصابهم من غفلتهم وما يزال يصيبهم الشر والأذى والمهانة :

( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا . ودوا ما عنتم . قد بدت البغضاء من أفواههم ، وما تخفي صدورهم أكبر . قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون . ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ، وتؤمنون بالكتاب كله ، وإذا لقوكم قالوا : آمنا ، وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ . قل : موتوا بغيظكم ، إن الله عليم بذات الصدور . أن تمسسكم حسنة تسؤهم ، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها . وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا . إن الله بما يعملون محيط ) . .

إنها صورة كاملة السمات ، ناطقة بدخائل النفوس ، وشواهد الملامح ، تسجل المشاعر الباطنة ، والانفعالات الظاهرة ، والحركة الذاهبة الآيبة . وتسجل بذلك كله نموذجا بشريا مكرورا في كل زمان وفي كل مكان . ونستعرضها اليوم وغدا فيمن حول الجماعة المسلمة من أعداء . يتظاهرون للمسلمين - في ساعة قوة المسلمين وغلبتهم - بالمودة . فتكذبهم كل خالجة وكل جارحة . وينخدع المسلمون بهم فيمنحونهم الود والثقة ، وهم لا يريدون للمسلمين إلا الاضطراب والخبال ، ولا يقصرون في اعنات المسلمين ونثر الشوك في طريقهم ، والكيد لهم والدس ، ما واتتهم الفرصة في ليل أو نهار .

وما من شك أن هذه الصورة التي رسمها القرآن الكريم هذا الرسم العجيب ، كانت تنطبق ابتداء على أهل الكتاب المجاورين للمسلمين في المدينة ؛ وترسم صورة قوية للغيظ الكظيم الذي كانوا يضمرونه للإسلام والمسلمين ، وللشر المبيت ، وللنوايا السيئة التي تجيش في صدورهم ؛ في الوقت الذي كان بعض المسلمين ما يزال مخدوعا في أعداء الله هؤلاء ، وما يزال يفضي إليهم بالمودة ، وما يزال يأمنهم على أسرار الجماعة المسلمة ؛ ويتخذ منهم بطانة وأصحابا وأصدقاء ، لا يخشى مغبة الإفضاء إليهم بدخائل الأسرار . . فجاء هذا التنوير وهذا التحذير ، يبصر الجماعة المسلمة بحقيقة الأمر ، ويوعيها لكيد أعدائها الطبيعيين ، الذين لا يخلصون لها أبدا ، ولا تغسل أحقادهم مودة من المسلمين وصحبة . ولم يجيء هذا التنوير وهذا التحذير ليكون مقصورا على فترة تاريخية معينة ، فهو حقيقة دائمة ، تواجه واقعا دائما . . كما نرى مصداق هذا فيما بين أيدينا من حاضر مكشوف مشهود . .

والمسلمون في غفلة عن أمر ربهم : ألا يتخذوا بطانة من دونهم . بطانة من ناس هم دونهم في الحقيقة والمنهج والوسيلة . وألا يجعلوهم موضع الثقة والسر والاستشارة . . المسلمون في غفلة عن أمر ربهم هذا يتخذون من أمثال هؤلاء مرجعا في كل أمر ، وكل شأن ، وكل موضع ، وكل نظام ، وكل تصور ، وكل منهج ، وكل طريق !

والمسلمون في غفلة من تحذير الله لهم ، يوادون من حاد الله ورسوله ؛ ويفتحون لهم صدورهم وقلوبهم . والله سبحانه يقول للجماعة المسلمة الأولى كما يقول للجماعة المسلمة في أي جيل :

( ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) . .