البطانة في الثوب بإزاء الظهارة ، ويستعار لمن يختصه الإنسان كالشعار والدثار .
يقال : بطن فلان من فلان بطوناً وبطانة إذا كان خاصاً به ، داخلاً في أمره .
أولئك خلصاني نعم وبطانتي *** وهم عيبتي من دون كل قريب
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم *** فلم يفعلوا ولم يليموا لم يألووا
الخبال والخبل : الفساد الذي يلحق الحيوان .
يقال : في قوائم الفرس خبل وخبال أي فساد من جهة الاضطراب .
البغضاء : مصدر كالسراء والبأساء يقال : بغض الرجل فهو بغيض ، وأبغضته أنا اشتدت كراهتي له .
الأفواه معروفة ، والواحد منها في الأصل فوه .
ولم تنطق به العرب بل قالت : فم .
وفي الفم لغات تسع ذكرت في بعض كتب النحو .
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً } نزلت في رجال من المؤمنين يواصلون رجالاً من يهود للجوار والحلف والرضاع قاله : ابن عباس .
وقال أيضاً هو وقتادة والسدي والربيع : نزلت في المنافقين .
نهى اللهُ المؤمنين عنهم شبه الصديق الصدق بما يباشرُ بطن الإنسان من ثوبه .
وقوله : من دونكم في موضع الصفة لبطانة ، وقدّره الزمخشري : من دون أبناء جنسكم ، وهم المسلمون .
وقيل : يتعلق من بقوله : لا تتخذوا .
وقيل : مِنْ زائدة ، أي بطانة دونكم .
والمعنى : أنهم نهوا أن يتخذوا أصفياء من غير المؤمنين .
ودل هذا النهي على المنع من استكتاب أهل الذمة وتصريفهم في البيع والشراء والاستبانه إليهم .
وقد عتب عمر أبا موسى على استكتابه ذمياً ، وتلا عليه هذه الآية .
وقد قيل لعمر في كاتب مجيد من نصارى الحيرة : ألا يكتب عنك ؟ فقال : إذن أتخذ بطانة .
والجملة من قوله : { لا يألونكم خبالاً } لا موضع لها من الإعراب ، إذ جاءت بياناً لحال البطانة الكافرة ، هي والجمل التي بعدها لتنفير المؤمنين عن اتخاذهم بطانة .
ومن ذهب إلى أنها صفة للبطانة أو حال مما تعلقت به من ، فبعيد عن فهم الكلام الفصيح .
لأنهم نهوا عن اتخاذ بطانة كافرة ، ثم نبه على أشياء مما هم عليه من ابتغاء الغوائل للمؤمنين ، وودادة مشقتهم ، وظهور بغضهم .
والتقييد بالوصف أو بالحال يؤذن بجواز الاتخاذ عند انتفائهما .
وألا متعد إلى واحد بحرف الجر ، يقال : ما ألوت في الأمر أي ما قصرت فيه .
وقيل : انتصب خبالاً على التمييز المنقول من المفعول ، كقوله تعالى : { وفجرنا الأرض عيوناً } التقدير : لا يألونكم خبالكم ، أي في خبالكم .
فكان أصل هذا المفعول حرف الجر .
وقيل : انتصابه على إسقاط حرف ، التقدير : لا يألونكم في تخبيلكم .
وقيل : انتصابه على أنه مصدر في موضع الحال .
قال ابن عطية : معناه لا يقصرون لكم فيما فيه الفساد عليكم .
فعلى هذا يكون قد تعدى للضمير على إسقاط اللام ، وللخبال على إسقاط في .
وقال الزمخشري : يقال : أَلا في الأمر يألو إذا قصر فيه ، ثم استعمل معدّى إلى مفعولين في قولهم : لا آلوك نصحاً ، ولا آلوك جهداً ، على التضمين .
والمعنى : لا أمنعك نصحاً ولا أنقصكه انتهى .
{ ودوا ما عنتم } قال ابن جرير : ودّوا إضلالكم .
وقال الراغب : المعاندة والمعانتة يتقاربان ، لكن المعاندة هي الممانعة ، والمعانتة أن تتحرّى مع الممانعة المشقة انتهى .
ويقال : عِنت بكسر النون ، وأصله انهياض العظم بعد جبره .
وما في قوله : ما عنتم مصدرية ، وهذه الجملة مستأنفة كما قلنا في التي قبلها .
وجوّزوا أن يكون نعتاً لبطانة ، وحالاً من الضمير في يألونكم ، وقد معه مرادة .
{ قد بدت البغضاء من أفواههم } وقرأ عبد الله : قد بدا ، لأنّ الفاعل مؤنث مجازاً أو على معنى البغض ، أي لا يكتفون ببغضكم بقلوبهم حتى يصرحوا بذلك بأفواههم .
وذكر الأفواه دون الألسنة إشعاراً بأن ما تلفظوا به يملأ أفواههم ، كما يقال : كلمة تملأ الفم إذا تشدّق بها .
وقيل : المعنى لا يتمالكون مع ضبطهم أنفسهم وتحاملهم عليها أنْ ينفلتَ من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين انتهى .
ولمّا ذكر تعالى ما انطووا عليه من ودادهم عنت المؤمنين ، وهو إخبار عن فعل قلبي ، ذكر ما أنتجه ذلك الفعل القلبي من الفعل البدني ، وهو : ظهور البغض منهم للمؤمنين في أقوالهم ، فجمعوا بين كراهة القلوب وبذاذة الألسن .
ثم ذكر أنَّ ما أبطنوه من الشر والإيذاء للمؤمنين والبغض لهم أعظم مما ظهر منهم فقال :
{ وما تخفي صدورهم أكبر } أي أكثر مما ظهر منها .
والظاهر أنَّ بدوَّ البغضاء منهم هو للمؤمنين ، أي اظهروا للمؤمنين البغض .
وقال قتادة : قد بدت البغضاء لأوليائهم من المنافقين والكفار لاطلاع بعضهم بعضاً على ذلك .
وقيل : بدت بإقرارهم بعد الجحود ، وهذه صفة المجاهر .
وأسند الإخفاء إلى الصدور مجازاً ، إذ هي محال القلوب التي تخفي كما قال : { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
{ قد بينا لكم الآيات } أي الدالة على وجوب الإخلاص في الدين ، وموالاة المؤمنين ، ومعاداة الكفار .
{ إن كنتم تعقلون } أي ما بين لكم فعملتم به ، أو إنْ كنتم عقلاء وقد علم تعالى أنهم عقلاء ، لكن علقه على هذا الشرط على سبيل الهزّ للنفوس كقولك : إن كنت رجلاً فافعل كذا .
وقال ابن جرير : معناه إن كنتم تعقلون عن الله أمره ونهيه .
وقيل : إنْ كنتم تعقلون فلا تصافوهم ، بل عاملوهم معاملة الأعداء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.