الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (118)

قوله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ . . ) [ 118 ] .

نهى( {[10689]} ) الله المؤمنين أن يتخذوا الكافرين والمنافقين أولياء في هذه الآية . والبطانة : الدخيلة( {[10690]} ) الذين يطلعهم الرجل على سره لأنهم كانوا لا يبقون غاية في التلبيس على المؤمنين ، فأمر الله المؤمنين ألا يداخلوهم .

وقيل : البطانة : الأصدقاء ، وقيل : للأخلاء ، والمعنى في ذلك متقارب ومعنى ( مِّن دُونِكُمْ ) أي : من دون أهل دينكم كما قال : ( فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) أي : على أهل دينكم .

( لاَ يَالُونَكُمْ( {[10691]} ) خَبَالاً( {[10692]} ) ) أي : لا يقصرون في السوء والشتات بينكم ، وهي البطانة المنهي عنها . ( وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ )( {[10693]} ) أي : يتمنون لكم العنت( {[10694]} ) والشر في أنفسكم ودينكم .

وقيل : " ودوا عَنَتكم ، أي : ما شق عليكم ، وما نزل( {[10695]} ) بكم من مكروه وضر( {[10696]} ) . وأصل هذا أن يقال : أكمة عنوت( {[10697]} ) : إذا كانت طويلة شاقة .

ويقال : عنت العظم : إذا انكسر بعد جبر ، ومنه قوله ( ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ [ مِنكُمْ ] )( {[10698]} ) أي( {[10699]} ) : المشقة( {[10700]} ) .

ونزلت هذه الآية في قوم من المسلمين كانوا يخالطون حلفاءهم من اليهود وأهل النفاق منهم ، ويصافونهم المودة قال ذلك ابن عباس( {[10701]} ) . فنهاهم الله أن يصادقوهم دون المؤمنين وأن يستهجوهم في شيء من أمر دينهم فإنهم لا يقصرون في الخبال والشر لهم( {[10702]} ) .

وأكثر أهل التفسير على أنها نزلت في النهي عن مصافاة اليهود والمنافقين ومخالطتهم ومصادقتهم وإنشاء الشر إليهم وأخبرهم أنهم يودون كفرهم وإضلالهم وما ينزل بهم من شر .

وقوله : ( وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ ) هو خبر مستأنف( {[10703]} ) وليس بحال من البطانة( {[10704]} ) .

وقد قيل : إن ( وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ ) صفة ثانية للبطانة والصفة الأولى ( لاَ يَالُونَكُمْ خَبَالاً )( {[10705]} ) .

( قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنَ اَفْوَاهِهِمْ ) أي : ظهرت بألسنتهم وهو إقامتهم على الكفر ، أو النفاق ، والذي تخفيه( {[10706]} ) صدورهم من البغضاء والعداوة لكم مما بدا لكم بألسنتهم ( قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ ) أي : العبارات( {[10707]} ) من أمر هؤلاء ( إِن كُنْتُم تَعْقِلُونَ ) عن الله آياته ومواعظه .


[10689]:- (أ): ونهى.
[10690]:- (أ): الدخلة وهو تحريف.
[10691]:- لا يألونكم: من فعل ألا يألوا ألوا إذا قصر وأبطأ. اللسان "ألو" 14/39.
[10692]:- خبالاً مصدر فعل ثلاثي: خبل بفتح العين وهو الفساد الذي يلحق الحيوان، فيورثه اضطراباً كالجنون والمرض المؤثر، والمعنى: لا يدخرون وسعاً ولا يقصرون في الإساءة إلى المسلمين انظر: المفردات 143 واللسان خبل 11/197.
[10693]:- (د): وذرى ما عندتم وهو تحريف.
[10694]:- (ج): اللعنة.
[10695]:- (د): وما ينزل بكم.
[10696]:- انظر: معاني الزجاج 1/462.
[10697]:- (أ): غنوت، (ج) و(د): عنوة وهو خطأ.
[10698]:- ساقط من (أ) (ج).
[10699]:- النساء آية 25.
[10700]:- يقال: عنت فلان إذا وقع في أمر يخاف منه التلف، والعنت: دخول المشقة على الإنسان، انظر: اللسان (عنت) 2/61.
[10701]:- انظر: جامع البيان 4/61 والدر المنثور 2/299.
[10702]:- (ج): والمنزلهم.
[10703]:- اختلف في إعراب هذه الجملة، أنها خبر مستأنف فهذا متفق عليه. وأنها صفة لبطانة استبعده الرازي في تفسيره 9/217 وأنها حالة من الضمير في لا يألونكم أو بإضمار قد، انظر: مشكل الإعراب 1/171.
[10704]:- (ج): البطان.
[10705]:- انظر: جامع البيان 4/63.
[10706]:- (ج): تحفه.
[10707]:- (ب) (د): العبارة.