فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (118)

( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة ) البطانة مصدر يسمى به الواحد الجمع وبطانة الرجل خاصته الذين يستنبطون امره ، وأصله البطن الذي هو خلاف الظهر ، وبطن فلان يبطن بطونا وبطانة إذا كان خاصا به .

( من دونكم ) أي سواكم قاله الفراء أي من دون المسلمين وهم الكفار أي بطانة كائنة من دونكم أي من غيركم ، وقدره الزمخشري من غير أبناء جنسكم وهم المسلمون وقيل من زائدة أي دونكم في العمل والإيمان .

قال ابن عباس : كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من يهود لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية فأنزل الله فيهم ينهاهم عن مباطنتهم لخوف الفتنة عليهم منهم هذه الآية ، وعنه قال هم المنافقون .

وأخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن أبي امامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال هم الخوارج ، قال السيوطي وسنده جيد وقيل المراد بهذه جميع أصناف الكفار وهو الأولى ويدخل فيه من هو سبب النزول دخولا أوليا .

( لا يألونكم خبالا ) مستأنفة مبينة لحالهم داعية إلى الاجتناب عنهم . أو صفة لبطانة أي لا يقصرون ولا يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر والفساد ، يقال لا ألوك جهدا أي لا اقصر والمراد لا يمنعونكم خبالا ، و الخبال والخبل الفساد في الأفعال والأبدال والعقول .

( ودوا ما عنتم ) أي ما يشق عليكم من الضرر والشرر والهلاك ، والعنت المشقة وشدة الضرر ، قال الراغب هنا المعاندة والمعانتة متقاربتان لكن المعاندة هي الممانعة ، والمعانتة هي أن يتحرى مع الممانعة المشقة ، والجملة مستأنفة مؤكدة للنهي .

( قد بدت البغضاء ) هي شدة البغض كالضراء لشدة الضر ( من أفواههم ) الأفواه جمع فم والمعنى انها قد ظهرت البغضاء في كلامهم ، لأنهم لما خامرهم من شدة البغض والحسد أظهرت ألسنتهم ما في صدورهم ، فتركوا التقية وصرحوا بالتكذيب ، أما اليهود فالأمر في ذلك واضح ، وأما المنافقون فكان يظهر من فلتات ألسنتهم ما يكشف عن خبث طويتهم ، وهذه الجملة مستأنفة لبيان حالهم .

( وما تخفي صدورهم ) من العداوة والغيظ ( أكبر ) مما يظهرونه لأن فلتات اللسان أقل مما تجنه الصدور ، بل تلك الفلتات بالنسبة إلى ما في الصدور قليلة جدا .

ثم إنه سبحانه امتن عليهم ببيان الآيات الدالة على وجوب الإخلاص إن كانوا من أهل العقول المدركة لذلك البيان فقال ( قد بينا لكم الآيات عن كنتم تعقلون ) أي تتعظون به .