بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (118)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ } يعني خلّة وصداقة من غير أهل دينكم ، وإنما سميت بطانةً لقربها من البدن { مّن دُونِكُمْ } ، أي من دون المؤمنين نزلت الآية في شأن جماعة من الأنصار ، كانت بينهم وبين اليهود مواصلة وخاصية ، وكانوا على ذلك بعد الإسلام ، فنهاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك . ويقال : كل من كان على خلاف مذهبه ودينه لا ينبغي له أن يحادثه ، لأنه يقال في المثل :

عن المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَأَبْصِرْ قرينه . . . فَإِنَّ القَرِينَ بالمقارن يَقْتَدِي

وروى أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : « المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ » وروي عن ابن مسعود أنه قال : اعتبروا الناس بأخْدَانهم . ثم بيّن الله المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال تعالى : { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } أي فساداً ، يعني لا يتركون الجهد في فسادكم ، يعني أنهم لا يتركون وإن لم يقاتلوكم في الظاهر فإنهم لا يتركون جهدهم في المكر والخديعة { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } ما أَثِمْتُم بربكم . وقال الزّجاج : الخَبَالُ في اللغة ذِهَابُ الشيء ، والعَنَتُ في الأصل المشقة . وقال القتبي : الخَبَال الفساد . وقال أيضاً : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } ، أي ما أعنتكم ؛ وهو ما نزل بكم من مكروه .

ثم قال : { قَدْ بَدَتِ البغضاء } أي ظهرت العداوة والتكذيب لكم { مِنْ أفواههم وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } أي والذي في صدورهم من العداوة أكثر مما أظهروا بأفواههم . ويقال : { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } ، أي قصدهم قتل محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا يضمرون ذلك { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات } يعني أخبرناكم بما أخفوا ، وبما أبدوا بالدلالات والعلامات { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } وتصدقون .