الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (118)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً }[ آل عمران :118 ] .

أي لا تتَّخذوا من الكفَّارِ ، واليهودِ ، والمنافقينَ أخلاَّء تأنَسُونَ بهم في الباطنِ ، وتفاوضونهم في الآراء .

وقوله سبحانه : { مّن دُونِكُمْ }[ آل عمران :118 ] يعني : مِنْ دُونِ المؤمنين .

وقوله سبحانه : { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً }[ آل عمران :118 ]

معناه : لا يقصِّرون لكم فيما فيه فسادٌ عليكم ، تقُول : ما أَلَوْتُ فِي كَذَا ، أيْ : ما قصَّرت ، بل اجتهدت ، والخبالُ : الفسادُ ، قال ابن عبَّاس : كان رجالٌ من المؤمنين يواصِلُون رجالاً من اليهودِ للْحِلْفِ ، والجِوَارِ ، الذي كان بَيْنهم في الجاهليَّة ، فنزلَتِ الآية في ذلك ، وقال ابنُ عبَّاس أيضاً وقتادة ، والرَّبِيع ، والسُّدِّيُّ : نزلَتْ في المنافقين .

قال ( ع ) : ويدخُلُ في هذه الآية استكتاب أهل الذِّمَّة ، وتصريفُهم في البَيْع ، والشِّراء ، ونَحْو ذلك ، و«ما » في قوله : { مَا عَنِتُّمْ } : مصدريةٌ ، فالمعنى : رَدُّوا عَنَتَكُمْ ، والعَنَتُ : المشقَّة والمكروه ، يلقاه المرءُ ، وعَقَبَةٌ عَنُوتٌ ، أي : شاقَّة .

قال ( ص ) : قال الزجَّاج : ( عَنَتَكُمْ ) أي : مشقَّتَكُم ، وقال ابنُ جَرِيرٍ : ضلاَلَكُمْ ، وقال الزُّبَيْدِيُّ : العَنَتُ : الهلاك اه .

وقوله تعالى : { قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم }[ آل عمران :118 ] .

أي : فهم فوق المستَتِر الَّذي تبدو البغضاءُ في عينيه ، وخصَّ سبحانه الأفواه بالذكْرِ دون الألسنة ، إشارةً إلى تشدُّقهم وثَرْثَرَتِهِمْ في أقوالهم هذه ، ثمَّ قال سبحانه للمؤمنين : { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ، تحْذيراً وتنبيهاً ، وقد عَلِمَ سبحانه ، أنهم عقلاء ، ولكن هذا هَزٌّ للنفوس ، كما تقول : إنْ كُنْتَ رَجُلاً ، فافعل كذا وكذا .