إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (118)

{ يا أيها الذين آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً } بطانةُ الرجل ووَليجتُه مَنْ يُعرِّفه أسرارَه ثقةً به ، شُبِّه ببطانة الثوب كما شُبِّه بالشِّعار ، قال عليه الصلاة والسلام : «الأنصارُ شِعار والناسُ دِثار » قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان رجال من المؤمنين يواصلون اليهودَ لما بينهم من القرابة والصداقةِ والمحالفة فأنزل الله تعالى هذه الآيةَ ، وقال مجاهد : نزلتْ في قوم من المؤمنين كانوا يواصِلون المنافقين فنُهوا عن ذلك ويؤيده قوله تعالى : { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمنا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ } [ آل عمران ، الآية 119 ] وهي صفةُ المنافق وإياً ما كان فالحكمُ عامٌ للكفرة كافةً { من دُونِكُمْ } أي من دون المسلمين وهو متعلقٌ بلا تتخذوا أو بمحذوف وقعَ صفةً لبِطانة أي كائنةً من دونكم مجاوزةً لكم . { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } جملةٌ مستأنفةٌ مبينةٌ لحالهم داعيةٌ إلى الاجتناب عنهم أو صفةُ بطانةً ، يقال : أَلا في الأمر إذا أقصَرَ فيه ثم استُعمل مُعدًّى إلى مفعولين في قولهم : لا آلوكَ نُصحاً ولا آلوك جُهداً على تضمين معنى المنْعِ والنقصِ ، والخَبالُ الفسادُ أي لا يُقْصِرون لكم في [ تمني ] الفسادِ { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } أي تمنَّوْا عَنَتَكم أي مشقتَكم وشدةَ ضررِكم وهو أيضاً استئنافٌ مؤكدٌ للنهي موجبٌ لزيادة الاجتنابِ عن المنهيِّ عنه { قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم } استئنافٌ آخرُ مفيدٌ لمزيد الاجتنابِ عن المنهيِّ عنه أي قد ظهرت البغضاءُ في كلامهم لِما أنهم لا يتمالكون -مع مبالغتهم في ضبط أنفسِهم وتحاملِهم عليها- أن ينفلِتَ من ألسنتهم ما يُعلم به بغضُهم للمسلمين . وقرئ قد بدا البغضاءُ ، والأفواهُ جمعُ فم وأصلُه فوهٌ فلامُه هاءٌ يدل على ذلك جمعُه على أفواه وتصغيرُه على فُوَيه والنسبةُ إليه فوهيٌّ { وَمَا تُخْفي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } مما بدا لأن بُدُوَّه ليس عن رَويَّة واختيار { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات } الدالةَ على وجوب الإخلاصِ في الدين وموالاةِ المؤمنين ومعاداةِ الكافرين { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } أي إن كنتم من أهل العقلِ أو إن كنتم تعقِلون ما بُيِّن لكم من الآيات ، والجوابُ محذوفٌ لدِلالة المذكورِ عليه .