9- والأنصار الذين نزلوا المدينة وأقاموا بها ، وأخلصوا الإيمان من قبل نزول المهاجرين بها ، يحبُّون مَن هاجر إليهم من المسلمين ، ولا يحسون في نفوسهم شيئاً مما أوتى المهاجرون من الفيء ، ويقدمون المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم حاجة ، ومن يُحْفَظ - بتوفيق الله - من بخل نفسه الشديد فأولئك هم الفائزون بكل ما يحبون .
وتبوأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع إليه المؤمنون ، ويلجأ إليه المهاجرون ، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر ، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار ، حتى انتشر الإسلام وقوي ، وجعل يزيد شيئا شيئا فشيئا ، وينمو قليلا قليلا ، حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان والقرآن ، والبلدان بالسيف والسنان .
الذين من جملة أوصافهم الجميلة أنهم { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } وهذا لمحبتهم لله ولرسوله ، أحبوا أحبابه ، وأحبوا من نصر دينه .
{ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا } أي : لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل والمناقب التي هم أهلها ، وهذا يدل على سلامة صدورهم ، وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها .
ويدل ذلك على أن المهاجرين ، أفضل من الأنصار ، لأن الله قدمهم بالذكر ، وأخبر أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ، فدل على أن الله تعالى آتاهم ما لم يؤت الأنصار ولا غيرهم ، ولأنهم جمعوا بين النصرة والهجرة .
وقوله : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } أي : ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم ، وتميزوا بها على من سواهم ، الإيثار ، وهو أكمل أنواع الجود ، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها ، وبذلها للغير مع الحاجة إليها ، بل مع الضرورة والخصاصة ، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي ، ومحبة لله تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها ، ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه ، حين آثر ضيفه بطعامه وطعام أهله وأولاده وباتوا جياعا ، والإيثار عكس الأثرة ، فالإيثار محمود ، والأثرة مذمومة ، لأنها من خصال البخل والشح ، ومن رزق الإيثار فقد وقي شح نفسه { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ووقاية شح النفس ، يشمل وقايتها الشح ، في جميع ما أمر به ، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه ، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله ، ففعلها طائعا منقادا ، منشرحا بها صدره ، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه ، وإن كان محبوبا للنفس ، تدعو إليه ، وتطلع إليه ، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته ، وبذلك يحصل الفلاح والفوز ، بخلاف من لم يوق شح نفسه ، بل ابتلي بالشح بالخير ، الذي هو أصل الشر ومادته ، فهذان{[1037]} الصنفان ، الفاضلان الزكيان هم الصحابة الكرام والأئمة الأعلام ، الذين حازوا من السوابق والفضائل والمناقب ما سبقوا به من بعدهم ، وأدركوا به من قبلهم ، فصاروا أعيان المؤمنين ، وسادات المسلمين ، وقادات المتقين{[1038]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
يقول تعالى ذكره : { وَالّذِينَ تَبَوّءوا الدّارَ والإيمَانَ }يقول : اتخذوا المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فابتنوها منازل ، وَالإيمَانَ بالله ورسوله { مِنْ قَبْلِهِمْ }يعني : من قبل المهاجرين ، { يُحِبّونَ مَنْ هاجَرَ إلَيْهِمْ } : يحبون من ترك منزله ، وانتقل إليهم من غيرهم ، وعُنِي بذلك الأنصار يحبون المهاجرين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وَالّذِينَ تَبَوّءوا الدّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ }قال : الأنصار نعت . قال محمد بن عمرو : سفاطة أنفسهم . وقال الحارث : سخاوة أنفسهم عند ما روى عنهم من ذلك ، وإيثارهم إياهم ولم يصب الأنصار من ذلك الفيء شيء .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَالّذِينَ تَبَوّءوا الدّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مِنْ هاجَرَ إلَيْهِمْ ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا } يقول : مما أعطوا إخوانهم هذا الحيّ من الأنصار ، أسلموا في ديارهم ، فابتنوا المساجد والمسجد ، قبل قدوم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأحسن الله عليهم الثناء في ذلك وهاتان الطائفتان الأوّلتان من هذه الآية ، أخذتا بفضلهما ، ومضتا على مَهَلهما ، وأثبت الله حظهما في الفيء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله الله عزّ وجلّ : وَالّذِينَ تَبَوّءوا الدّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ قال : هؤلاء الأنصار يحبون من هاجر إليهم من المهاجرين .
وقوله : { وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا } يقول جلّ ثناؤه : ولا يجد الذين تبوّءوا الدار من قبلهم ، وهم الأنصار في صدورهم حاجة ، يعني حسدا مما أوتوا ، يعني مما أوتي المهاجرين من الفيء ، وذلك لما ذُكر لنا من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين الأوّلين دون الأنصار ، إلا رجلين من الأنصار ، أعطاهما لفقرهما ، وإنما فعل ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، أنه حدّث أنّ بني النضير خَلّوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأوّلين دون الأنصار ، إلا أن سهل بن حُنَيف وأبا دُجانة سِماك بن خَرَشة ذكرا فقرا ، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُتُوا }المهاجرون . قال ، وتكلم في ذلك يعني أموالَ بني النضير بعضُ من تكلّم من الأنصار ، فعاتبهم الله عزّ وجلّ في ذلك فقال : { وَما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلَكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم : «إنّ إخْوَانَكُمْ قَدْ تَرَكُوا الأمْوَالَ والأولاد وَخَرَجُوا إلَيْكُمْ » فقالوا : أموالنا بينهم قطائع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أوَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ » قالوا : وما ذلك يا رسول الله ؟ قال : «هُمْ قَوْمٌ لا يَعْرِفُونَ العَمَلَ فَتَكْفُونهُمْ وَتُقاسِمُونَهُمْ الثّمَرَ » ، فقالوا : نعم يا رسول الله .
وبنحو الذي قلنا في قوله وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا سليمان أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : { وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أوتُوا }قال : الحسد .
قال : ثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن الحسن حاجَةً فِي صُدُورِهِمْ قال : حسدا في صدورهم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أبو رجاء عن الحسن ، مثله .
وقوله : { وَيُوءْثِرُونَ على أنْفُسِهِمْ }يقول تعالى ذكر : وهو يصف الأنصار الذين تبوّءُوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين ، { وَيُوءْثِرُونَ على أنْفُسِهمْ }يقول : ويعطون المهاجرين أموالهم إيثارا لهم بها على أنفسهم ، { وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }يقول : ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثروا به من أموالهم على أنفسهم . والخَصاصة مصدر ، وهي أيضا اسم ، وهو كلّ ما تخلّلته ببصرك كالكوّة والفرجة في الحائط ، تجمع خَصاصات وخِصاص ، كمال قال الراجز :
*** قَدْ عَلِمَ المَقاتِلاتُ هَجّا ***
*** والنّاظراتُ مِنْ خَصَاصٍ لَمْجا ***
*** لأَوْرِيَنْها دُلَجا أوْ مُنْجَا ***
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أبيه ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ليضيفه ، فلم يكن عنده ما يضيفه ، فقال : «ألا رجلٌ يضيفُ هذا رَحِمَهُ اللّهُ ؟ » فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة ، فانطلق به إلى رحله ، فقال لامرأته : أكرمي ضيفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نوّمي الصبية ، وأطفئي المصباح وأريه بأنك تأكلين معه واتركيه لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت فنزلت : { وَيُوءْثِرُونَ على أنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن فضيل ، عن غزوان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، أن رجلاً من الأنصار بات به ضيف ، فلم يكن عند إلا قوته وقوت صبيانه ، فقال لامرأته : نَوّمي الصّبْية وأطفئي المصباح ، وقرّبي للضيف ما عندك ، قال : فنزلت هذه الآية وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ .
يقول تعالى ذكره : من وقاه الله شحّ نفسه فأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ المخلّدُونَ في الجنة . والشحّ في كلام العرب : البخل ، ومنع الفضل من المال ومنه قول عمرو بن كلثوم :
تَرَى اللّحِزَ الشّحيحَ إذَا أُمِرّتْ *** عَلَيْهِ لِمَالِهِ فِيها مُهينا
يعني بالشحيح : البخيل ، يقال : إنه لشحيح بين الشحّ والشحّ ، وفيه شحة شديدة وشحاحة . وأما العلماء فإنهم يرون أن الشحّ في هذا الموضع إنما هو أكل أموال الناس بغير حقّ .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا المسعودي ، عن أشعث ، عن أبي الشعثاء ، عن أبيه ، قال : أتى رجل ابن مسعود فقال : إني أخاف أن أكون قد هلكت ، قال : وما ذاك ؟ قال : أسمع الله يقول : وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدي شيء ، قال : ليس ذاك بالشحّ الذي ذكر الله في القرآن ، إنما الشحّ أن تأكل مال أخيك ظلما ، ذلك البخل ، وبئس الشيء البخل .
حدثني يحيى بن إبراهيم ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن جامع ، عن الأسود بن هلال قال : جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود ، فقال يا أبا عبد الرحمن ، إني أخشى أن تكون أصابتني هذه الآية : { وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }والله ما أعطي شيئا أستطيع منعه ، قال : ليس ذلك بالشحّ ، إنما الشحّ أن تأكل مال أخيك بغير حقه ، ولكن ذلك البخل .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن طارق بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جُبَير ، عن أبي الهياج الأسدي ، قال : كنت أطوف بالبيت ، فرأيت رجلاً يقول : اللهمّ قني شحّ نفسي ، لا يزيد على ذلك ، فقلت له ، فقال : إني إذا وقيت شحّ نفسي لم أسرق ، ولم أزن ، ولم أفعل شيئا ، وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف .
حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، قال : حدثنا مجمع بن جارية الأنصاري ، عن عمه يزيد بن جارية الأنصاري ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «بَرِىءَ مِنَ الشّحّ مَنْ أدّى الزّكاةَ ، وَقَرَى الضّيْفَ ، وأعْطَى في النّائِبَةِ » .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا زياد بن يونس أبو سلامة ، عن نافع بن عمر المكي ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن عمر ، قال : إن نجوت من ثلاث طمعت أن أنجو . قال عبد الله بن صفوان ما هنّ أنبيك فيهنّ ، قال : أخرج المال العظيم ، فأخرجه ضرارا ، ثم أقول : أقرض ربي هذه الليلة ، ثم تعود نفسي فيه حتى أعيده من حيث أخرجته ، وإن نجوت من شأن عثمان ، قال ابن صفوان : أما عثمان فقُتل يوم قُتل ، وأنت تحبّ قتله وترضاه ، فأنت ممن قتله وأما أنت فرجل لم يقك الله شحّ نفسك ، قال : صدقت .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عزّ وجلّ : { وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ }قال : من وقى شحّ نفسه فلم يأخذ من الحرام شيئا ، ولم يقربه ، ولم يدعه الشحّ أن يحبس من الحلال شيئا ، فهو من المفلحين ، كما قال الله عزّ وجلّ .
وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ }قال : من لم يأخذ شيئا لشيء نهاه الله عزّ وجلّ عنه ، ولم يدعه الشحّ على أن يمنع شيئا من شيء أمره الله به ، فقد وقاه الله شحّ نفسه ، فهو من المفلحين .
{ والذين تبوءوا الدار والإيمان }عطف على المهاجرين والمراد بهم الأنصار الذين ظهر صدقهم فإنهم لزموا المدينة والإيمان وتمكنوا فيهما وقيل المعنى تبوءوا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف من الثاني والمضاف إليه من الأول وعوض عنه اللام أو تبوءوا الدار وأخلصوا الإيمان كقوله علفتها تبنا وماء باردا ، وقيل سمى المدينة بالإيمان لأنها مظهره ومصيره من قبلهم من قبل هجرة المهاجرين ، وقيل تقدير الكلام { والذين تبوءوا الدار من قبلهم والإيمان يحبون من هاجر إليهم }ولا يثقل عليهم { ولا يجدون في صدورهم } في أنفسهم { حاجة }ما تحمل عليه الحاجة كالطلب والحزازة والحسد والغيظ { مما أوتوا }مما أعطي المهاجرون من الفيء وغيره ، { ويؤثرون على أنفسهم }ويقدمون المهاجرين على أنفسهم حتى إن كان عنده مرأتان نزل عن واحدة وزوجها من أحدهم ، { ولو كان بهم خصاصة } حاجة من خصاص البناء وهي فرجه ، { ومن يوق شح نفسه }حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق ، { فأولئك هم المفلحون }الفائزون بالثناء العاجل والثواب الآجل .