الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (9)

ثم قال : { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من } [ 9 ] أي : الذين سكنوا الدار ، وهي المدينة ، أي : اتخذوها مسكنا ، واتخذوا الإيمان دينا من قبل إتيان المهاجرين ، يعني الأنصار يحبون من {[67934]} هاجر إليهم ، يعني من مكة وغيرها .

ثم قال : { ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا } أي : ولا يجد الأنصار في قلوبهم حسدا مما أعطي المهاجرون {[67935]} دونهم من الفيء .

روي : أن النبي صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير بين المهاجرين الأولين دون/ الأنصار إلا رجلين من الأنصار أحدهما سهل بن {[67936]} حنيف والآخر أبو دجانة سماك بن خرشة {[67937]} {[67938]} ذكرا فقرا فأعطاهما النبي صلى الله عليه وسلم {[67939]} لفقرهما ، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم {[67940]} لأن الله كان قد أعطاه أموالهم يفعل فيها ما يشاء ، وقد تقدم ذكر ذلك ، قاله عبد الله بن أبزى {[67941]} {[67942]} .

وقال ابن زيد : لما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم {[67943]} بأموال بني النضير المهاجرين الأولين ، تكلم في ذلك بعض الأنصار ، فعاتبهم الله عز وجل {[67944]} ، فقال : { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم من خيل ولا ركاب } الآية {[67945]} .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم ، فقالوا أموالنا بينهم قطائع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {[67946]} : أو غير ذلك قالوا وما ذلك يا رسول الله قال هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر فقالوا نعم يا رسول الله {[67947]} .

قال الحسن : { ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا } [ يعني الحسنة . ثم قال تعالى : ] {[67948]} { ويوثرون على أنفسهم } هذا من صفة الأنصار ، وصفهم الله عز وجل {[67949]} أنهم يعطون المهاجرين أموالهم إيثارا لهم بها على أنفسهم .

{ ولو كان بهم خصاصة } أي : يؤثرون المهاجرين على أنفسهم بما عندهم ، وإن كان بهم فاقة وحاجة {[67950]} {[67951]} .

روى {[67952]} أبو هريرة : أن رجلا جاء إلى البني صلى الله عليه وسلم ليضيفه ، فلم يكن عنده ما يضيفه ، فقال ألا رجلا يضيف هذا رحمه الله ، فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة {[67953]} فأنطلق به إلى رحله فقال لامرأته أكرمي {[67954]} ضيف رسول الله ، نومي الصبية أطفئي المصباح وأريه أنك {[67955]} تأكلين معه ، واتركيه لضيف رسول الله صلى الله عليه {[67956]} وسلم برا له {[67957]} ، قال : ففعلت فنزلت : { ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } {[67958]} .

ثم قال : { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .

أي : ومن وقاه الله عز وجل {[67959]} شح نفسه ، فهو من المخلدين في الجنة .

والشح في اللغة : البخل ومنع الفضل من المال {[67960]} .

وقيل : الشح هنا : أكل أموال الناس بغير حق ، قاله ابن مسعود {[67961]} .

وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بريء من الشح من أدى {[67962]} الزكاة [ وقرى {[67963]} ] الضيف وأعطى في النائبة " {[67964]} .


[67934]:ج: "ما".
[67935]:ع: المهاجرين: وهو خطأ.
[67936]:سهل بن حنيف بن وهب الأنصاري الأوسي، أبو سعد: صحابي من السابقين، شهد بدرا وثبت يوم أحد، وشهد المشاهد كلها، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين علي بن أبي طالب، واستخلفه على البصرة بعد وقعة الجمل، له في كتب الحديث 40 حديثا (ت 38 هـ). انظر: الإصابة 2/87 (ت 3527)، والمحبر 71/290.
[67937]:ع، ج : "خريشة".
[67938]:سماك بن خرشة الخزرجي البياضي الأنصاري، المعروف بأبي دجانة صحابي، كان شجاعا بطلا، شهد بدرا، واستشهد باليمامة، وكان يقال له "ذو المشهرة" وهي دراع يلبسها في الحرب (ت 11 هـ) انظر: "الإصابة 4/85، والمحبر 72.
[67939]:ساقط من ع، ج.
[67940]:ساقط من ع، ج.
[67941]:عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، المدني القاضي ثقة، من الخامسة، حدث عن أنس بن مالك، وعروة بن الزبير، وعنه الزهري وابن جريج وابن إسحاق ومالك، عاش سبعين سنة، وتوفي سنة خمس وثلاثين ومائة. انظر: ترجمته في تقريب التهذيب 1/405، والجرح والتعديل 5/17. وتهذيب الأسماء واللغات 2/195 -196، وسير أعلام النبلاء 5/314.
[67942]:وهو عبد بن أبي بكر في جامع البيان خلافا لما جاء في نسخ المخطوط من أنه عبد الله بن أبزى الذي لم أقف على ترجمته. راجع: جامع البيان 28/28، وأحكام ابن العربي 4/17771 و البحر المحيط 8/244.
[67943]:ساقط من ع،ج.
[67944]:ساقط من ع، ج.
[67945]:انظر: جامع البيان 28/28.
[67946]:ساقط من ع.
[67947]:انظر: جامع البيان 28/28 وابن كثير 4/339.
[67948]:ساقط من ع.
[67949]:ساقط من ع، ج.
[67950]:ع، ج: "وخلة".
[67951]:انظر: العمدة 303، وإعراب النحاس 4/396.
[67952]:ع، ج: "وروى".
[67953]:هو زيد بن سهل بن الأسود البخاري الأنصاري: صحابي، من الشجعان الرماة المعدودين في الجاهلية والإسلام، ومولده في المدينة، ولما ظهر الإسلام كان من كبار أنصاره، فشهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد، وكان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر (ت 34). انظر: طبقات ابن سعد 3/504، وصفة الصفوة 1/497.
[67954]:ع : "أكرم".
[67955]:ع، ج: "بأنك".
[67956]:ساقط من ع، ج.
[67957]:ع: "به"، وهو ساقط من ج.
[67958]:أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار: باب: قول الله عز وجل على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة 4/226. ومسلم – كتاب الأشربة – باب: إكرام الضيف وفضل إيثاره 14/13 والترمذي – كتاب التفسير – باب: ومن سورة الحشر (رقم 3359). من طريق فضيل بن غزوان عن أبي حازم، وهو حديث حسن صحيح 5/82 وراجع تحفة الأشراف للمزي (رقم 13419).
[67959]:ساقط من ع، ج.
[67960]:انظر: مفردات الراغب 256، والصحاح 1/378، وتاج العروس 2/170.
[67961]:انظر: جامع البيان 28/29، وتفسير القرطبي 18/30، وابن كثير 4/340.
[67962]:ع: "أتى"، ج: "أتا".
[67963]:ع: "قوى"، ج: "قرأ"، وح: "أقرى".
[67964]:ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد – كتاب الزكاة – باب: فيمن أدى الزكاة وقرى الضيف 2/68، وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه إبراهيم ابن إسماعيل بن مجمع وهو ضعيف.