فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (9)

{ والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( 9 ) } .

{ تبوؤوا } : سكنوا .

{ الدار } : دار الهجرة والنصرة [ المدينة المنورة ] .

{ ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا } : ولا تنطوي صدورهم على حسد المهاجرين على ما أعطوا من مال الفيء وغيره .

{ يؤثرون } : يقدمون غيرهم على أنفسهم في المتع الدنيوية .

{ خصاصة } : الحاجة التي تختل بها الحال ؛ وخصاصة البيت ما يبقى بين عيدانه من الفرج والفتوح .

{ الشح } : بخل مع حرص .

أثنى الله تعالى على الأنصار الذي استوطنوا المدينة قبل هجرة النبي والمؤمنين إليها ، واستيقنوا الإيمان وأخلصوه يحبون إخوانهم الذين وفدوا عليهم مؤمنين مهاجرين بدينهم من طغيان الكافرين ، ولا تضيق نفوسهم بالبذل لإخوانهم من خير أموالهم ، ولا يستكثرون عليهم ما يأتيهم من عطاء ربهم ، بل يقدمونهم على أنفسهم ولو كانوا محتاجين إلى ما يبذلون ؛ ومن يجنبه المولى الكريم كزازة النفس والضن بالمعروف فإنه فائز رابح .

[ وكان المهاجرون في دور الأنصار ، فلما غنم عليه الصلاة والسلام أموال بني النضير ، دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين في إنزالهم إياهم في منازلهم ، وإِشراكهم في أموالهم . ثم قال : ( إن أحببتم قسمت ما أفاء الله علي من بني النضير بينكم وبينهم ، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم ) . فقال سعد بن عبادة وسعد ابن معاذ : بل تقسمه بين المهاجرين ، ويكونون في دورنا كما كانوا . ونادت الأنصار : رضينا وسلمنا يا رسول الله ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار ) . وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا إلا الثلاثة الذين ذكرناهم . . . في الترمذي عن أبي هريرة أن رجلا بات به ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه فقال لامرأته : نومي الصبية وأطفئ السراج وقربي للضيف ما عندك ؛ فنزلت هذه الآية . . . خرجه مسلم أيضا . ]{[6480]} .

والذي خرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! أصابني الجهد ؛ فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال عليه الصلاة والسلام : ( ألا رجل يضيف ها الرجل الليلة رحمه الله ) ؟ فقام رجل من الأنصار- وفي رواية- فقال أبو طلحة : أنا يا رسول الله ؛ فذهب به إلى أهله فقال لامرأته : أكرمي ضيف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم . قالت : والله ما عندي إلا قوت الصبية . قال : إذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالى فاطفئ السراج ، ونطوى{[6481]} الليلة لضيف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ؛ ففعلت ، ثم غدا الضيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( لقد عجب الله الليلة من فلان وفلانة ) وأنزل الله تعالى فيهما { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .

قال ابن زيد في قوله : { ومن يق شح نفسه } قال من لم يأخذ شيئا لشيء نهاه الله عز وجل عنه ، ولم يدعه الشح على أن يمنع شيئا من شيء أمره الله به فقد وقاه الله شح نفسه فهو من المفلحين .


[6480]:- ما بين العارضتين أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن.
[6481]:نبيت على الطوى – طاوية بطوننا جائعين